إستراتيجية المياه المعتمدة في السنوات الماضية كانت ترتكز على مبدأين أساسين تجسيد العديد من المشاريع من أجل تحسين ظروف معيشة السكان من خلال توفير المياه الصالحة للشرب وتجنيد المزيد منها لاحتياجات التنمية الاقتصادية، وهو التحدي الذي رفعته الجزائر في ظل الندرة والجفاف اللذان ميزا مناطق عديدة من الوطن وكانا السبب وراء وضع سياسة للمياه في إطار المخطط الخماسي الأخير الذي عرف برمجة العديد من المشاريع كبناء المزيد من السدود وتحلية مياه البحر وتثمين ومعالجة المياه القذرة بتكلفة مالية مرتفعة ناهزت 27 مليار دولار، على اعتبار أن قطاع المياه بات يشكل واحدا من أبرز القطاعات الحيوية و ذات الأولوية. البرنامج المسطر في إطار المخطط الخماسي الذي يشرف على نهايته وضع مجموعة من الأهداف التي يفترض بلوغها مع نهاية العام الجاري من حيث رفع عدد السدود المنجزة إلى 80 سدا وبطاقة تخزين تصل تقريبا إلى 9 مليار متر مكعب، من شأنها وضع حد لتذبذب توزيع المياه الذي عرف تحسنا ملحوظا خلال السنوات الماضية بفضل السياسة الجديدة المعتمدة على مضاعفة إنجاز المشاريع الخاصة بالسدود بالدرجة الأولى لكونها تمثل الثلثين في تجنيد الموارد المائية الضرورية لتلبية احتياجات المواطنين والاقتصاد على حد سواء. البرامج المسطرة لترقية القطاع على اعتبار أنه يحظى بالأولوية تمتد على المديين المتوسط والطويل في إطار المخطط الخماسي وآفاق 2030، الذي وضع له هدفا وهو بلوغ نسبة تغطية احتياجات السكان من الماء الشروب لأكثر من 50 مليون نسمة ومتطلبات الصناعة وضمان سقي حوالي مليون هكتار من الأراضي الزراعية بحوالي 95 في المائة على المدى الطويل، بينما ينصبّ الانشغال الحالي وفي عامه الأخير من البرنامج الخماسي على استكمال ما تمت برمجته ومن ثم التقييم للانطلاق في البرنامج الخماسي القادم الذي من المفروض أن يغطي الخمس سنوات القادمة. و لكن قبل تسطير البرنامج القادم من الضروري الوقوف عند أهم ما تقرّر إنجازها إلى غاية 2014 من بناء 19 سدا إلى إنشاء 40 محطة لتطهير المياه القذرة وإطلاق 9 محطات جديدة لتحلية مياه البحر و25 جهازا لتحويل المياه انطلاقا من السدود والبحيرات و3000 عملية للتزود بالماء الشروب وتطهير وحماية المدن من أخطار الفيضانات وإعادة تأهيل وتحديث شبكات توزيع المياه الصالحة للشرب على المستوى الوطني بما يقدر ب 65000 كلم وإحداث شبكات جديدة للتوزيع وإعادة تأهيل شبكات التزود بالماء الشروب في 32 مدينة والتطهير في 24 أخرى. قبل 15 سنة لم تكن حظيرة القطاع تتوفر إلا على 47 سدا لترتفع بصفة تدريجية إلى 56 في سنة 2005 وإلى 66 في سنة 2010 وقد تصل إلى 93 سدا في الفترة الممتدة بين 2014 و 2017 من أجل رفع قدرة توفير المياه من 4,2 مليار إلى 9,1 مليار متر مكعب في الثلاث سنوات القادمة وإنجاز ستة مشاريع كبرى لتحويل المياه ما بين المناطق ووضع قيد الخدمة 9 وحدات جديدة لتحلية مياه البحر بقدرة إنتاجية عالية تصل إلى 555 هكتومتر مربع في السنة، تضاف إلى تلك الموجودة والمقدرة إجمالا ب 25 محطة بقدرة إنتاج لا تتجاوز 236 مك 2. ولأنه من بين القطاعات التي تحظى بالأولوية فقد جندت له موارد مالية معتبرة ما فتأت ترتفع من سنة إلى أخرى لتبلغ خلال ذات البرنامج الخماسي 286 مليار دينار، فضلا على المشاريع الأخرى في إطار مختلف آليات دعم التشغيل التي لم تستثن قطاع المياه ضمن اتفاقية الإطار المبرمة بين المصالح الوزارية المعنية لترقية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في إطار المهن الخاصة بالمياه والتطهير ومراقبة النوعية ومن ثم تكوين الشباب البطّال للاضطلاع بهذه المهام ذات المصلحة العامة. وعلى هذا الأساس، فإن المؤسسات التي تنشأ عن طريق الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب ووكالة التأمين على البطالة تستفيد من الاتفاقية الإطار من خلال تحويلها لمشاريع عمومية بما تعادل نسبته 20 في المائة في العديد من الفروع سواء تعلق الأمر بالعدادات الخاصة بالمياه الصالحة للشرب أو شبكات التوصيل للحد من تسرب المياه الذي لطالما كان واحدا من بين مسببات التبذير أو تطهير المياه القذرة وتحويلها إلى الفلاحة. هذا النوع من الاتفاقيات تهدف من بين ما تهدف إليه إلى تحقيق جملة من الأهداف، فبالإضافة إلى المساهمة في تطوير قطاع المياه فإنها تسعى إلى إقحام المزيد من الشباب البطال وخاصة ممن لا تتوفر فيه شروط الدراسة من أجل خلق مشاريع ذات فائدة و بالتالي المساهمة في توفير مناصب شغل لهذه الفئة بالذات التي كثيرا ما واجهت مشاكل في الظفر بمنصب عمل لمستواها الدراسي المحدود، وإنما تحتاج إلى تكوين فحسب، يبدو أن الجهات المعنية بدأت توليه الأهمية اللازمة نظرا لما يمكن أن يساهم في تحقيق التنمية المستدامة.