يتّجه قطاع البناء والعمران لدخول مرحلة تصنيع السّكن بالارتكاز على خيارات تنمية قدرات الانجاز التي تتطلّبها قوة البرامج المسطّرة، مثلما أكّدته مؤشّرات المعرض الأخير للقطاع من خلال جدية المشاريع وقوة إقبال المؤسسات الوطنية العمومية والخاصة والشركاء، الذين لديهم قناعة بالاستثمار بالشراكة وفقا لقاعدة 49 / 51 التي تحقّق توازنا في الأعباء والمصالح. وفي هذا الإطار، يرتقب أن يفتح مجلس مساهمات الدولة قبل حلول منتصف الشهر الجاري ملف مخطط إعادة هيكلة شركة تسيير مساهمات البناء "إنجاب"، التي تضم 56 مؤسسة بناء مدعوة لأن تضاعف من جهودها خاصة من حيث التزام معايير الجودة والآجال في ظل وجود برامج استثمارية جذابة ومحفزة ومضمونة الربح. واستنادا لما كشف عنه رئيس مجلس إدارة هذه الشركة، محمد ياسين حفيان، مؤخرا فإنّ "ملف إعادة هيكلة شركة تسيير مساهمات الدولة "إنجاب" سيتم تقديمه أمام مجلس مساهمات الدولة من طرف وزير السكن شخصيا"، موضّحا أنّ هذا المخطّط قد تمّ إعداده على ثلاثة مراحل بمرافقة مكتب الدراسات "سيتيك". ويرتقب أن يوافق مجلس مساهمات الدولة على هذا الملف الكامل حسب ذات المصدر بعد أن وصل إلى مرحلة النضج، كما قد يتم طلب إعادة التدقيق في مضمونه بإدخال تعديلات تفرضها مؤشرات ومعطيات كلية. وطبقا لهذا المخطّط الاستراتيجي لإعادة انتشار وسائل الانجاز الوطنية، ستصبح شركة تسيير المساهمات "إنجاب" تتوفّر على خمسة مؤسسات كبيرة بكل من الشرق والغرب والوسط والجنوب الشرقي والجنوب الغربي، مع تسطير هدف يتمثّل في إنجاز 80.000 مسكن سنويا أي ما نسبته 15 % من البرنامج الخماسي للقطاع. وأصبح اللجوء إلى مخطط إعادة هيكلة القطاع في جانب الانجاز أكثر من ضرورة من أجل تثمين الجهود المالية التي بذلتها الدولة لإنعاش قطاع حيوي كهذا. وأشار نفس المسؤول إلى أنّ هذا المخطط الذي طال انتظاره أصبح حتمية اقتصادية بالنظر إلى الوضعية "الصعبة" التي تعانيها شركة تسيير المساهمات "انجاب" التي تم إنشاؤها منذ 12 سنة. و ترمي عملية إعادة هيكلة الشركة إلى تثمين موردها البشري و تجسيد سياسة تسيير جديدة، تقوم على إدارة فعالة للمشاريع. ويضم رأس مال شركة تسيير المساهمات "انجاب 56 مؤسسة منها 12 مكتب دراسات, أما دفتر أعبائها لسنة 2014 فيتضمن انجاز 38.000 وحدة سكنية و هو رقم دون طموحاتها كما أكده ذات المصدر. وبتوفّرها على 23.000 عاملا فإنّ شركة "إنجاب" تنشط في مجالات أشغال البناء والسّكن، التجهيزات العمومية وأشغال الطرق، النشاطات المختلفة وتهيئة الفضاءات الخارجية، إعادة تهيئة البنايات القديمة، صناعة نجارة الألمنيوم والبناءات الحديدية، إلى جانب إنتاج الخرسانة والأجزاء المصنّعة. ويفوق الإنتاج الإجمالي لمجموع فروعها ما يعادل 380 مليون أورو، كما تمّ إنشاء عديد الشركات المختلطة سنة 2013 بين فروع تابعة لشركة تسيير المساهمات "إنجاب" ومؤسسات إنجاز أوروبية لا سيما الاسبانية والايطالية والبرتغالية منها. وبهذه المعطيات يرتقب أن تنجب ‘'إنجاب'' قوة دفع جديدة لمؤسساتها بإدخال ‘'المناجمنت'' في التسيير وترقية الأداء، بما في ذلك الرهان على التكوين وإدماج الفروع بما يؤدي إلى بناء مجمّعات إنجاز قوية تجسّد صناعة البناء وقادرة على منافسة الشركات الأجنبية. الاتّجاه إلى إدخال القطاع في طور التّصنيع كما أشار إليه وزير القطاع، يقود إلى حثّ المؤسّسات والشركاء إلى إنشاء مصانع لها في الجزائر وعدم الاكتفاء بالاستيراد، خاصة وأنّ الدولة تضع أمام الراغبين في الاستثمار محليا جميع التسهيلات الضرورية اللاّزمة. ويمثّل الاستثمار في البناء والسكن خيارا حقيقيا يوفر للمتعاملين الاقتصاديين بغض النظر عن الطابع القانوني محليا أو أجنبيا، المناخ لإنشاء وحدات عصرية لتصنيع السكن، في وقت تضع فيه الدولة كل التسهيلات والضّمانات الممكنة للمستثمرين الخواص الرّاغبين في إنشاء مصانع للسكن تسمح بالرفع من وتيرة الانجاز. وتشمل هذه الإجراءات أساسا عقود شراء مضمونة للشركات التي تقوم بإنجاز السكنات بطريقة صناعية (تصنيع القطع الرئيسية في المصنع وتركيبها في ورشة البناء) لمدة خمس سنوات. وتهدف هذه الإجراءات إلى عصرنة وسائل الانجاز الوطنية بغرض الرفع من جودة السكنات وإنجازها بسرعة، علما أنّه يجري التحضير للبرنامج الخماسي الجديد 2015 2019، والذي سيعرف إطلاق عدد كبير من المشاريع السكنية كما أكّده وزير القطاع أكثر من مرة ويتطلب بالضرورة تدعيم وسائل الانجاز وفي الوقت المطلوب. من جهة أخرى، يرتقب الإعلان عن القائمة المصغرة للشركات الوطنية والأجنبية المهتمة بإنجاز المشاريع السكنية المتوسطة التي يتراوح حجمها بين 400 و2000 سكن. وكانت وزارة السكن قد أعدّت في 2013 قائمة مصغرة لمؤسسات الانجاز الراغبة في انجاز مجمعات سكنية مدمجة يتراوح عددها 2000 و5000 وحدة. ويمكن لجميع المرقين العموميين اللجوء إلى هذه القائمة لاختيار إحدى الشركات عن طريق صفقة بالتراضي ممّا يسهّل من إجراءات إطلاق المشاريع السكنية. يبدو أنّ قطاع البناء والسكن بكل فروعه قد انخرط في مسار ورقة طريق تقود إلى التصنيع، ومن ثمة تجاوز مرحلة البناء التقليدية التي تستنزف الموارد والوقت في سوق تعرف تزايدا مستمرا للطلب على السكن والمرافق المختلفة، وكذا الحاجة للمنشآت الفنية. وبهذا يكون قطاع السكن اقرب للصناعة منه للخدمات، ممّا يتطلّب إدراجه في إطار تنظيمي جديد ومرن يحقّق الفعالية ويثمّن أداوت ووسائل الانجاز الوطنية. ويحتفظ تاريخ القطاع بصفحات كاملة تؤكّد امكانية النّهوض بالمؤسّسات إلى مستوى إنجاز قوي على غرار تلك الشركات التي كانت تقود الاقتصاد في الماضي مثل ‘'دي أن سي''، خاصة بإلقاء جسور التّكامل مع قطاع التّكوين المهني ومراكز البحث والتّنمية لمرافقة المؤسسات والمقاولات في العثور على مواد وتقنيات جديدة بأقل كلفة وفي آجال مقبولة.