تسعة وعشرون سنة خلت عن اكتشاف أول حالة إيدز في الجزائر سنة 1985. والملاحظ، أن المجتمع لازال يعتبر المرض "طابو" ولا يفتح بشأنه نقاشا ويتحدث بقلب مفتوح.الثقافة الصحية ربطته بانحطاط الأخلاق وغيابها، فكانت ردة فعل المجتمع تصنيفه الإيدز وفقا لمعطيات خاطئة، فصار يحارب المريض لا المرض... تجولت "الشعب" لتسأل المواطن في الموضوع وسبب رفضه الحديث عن مرض حيكت حوله الكثير من الحكايات المرعبة... في اليوم العالمي لمكافحة السيدا . "طابو"... يصعب كسره «أمال بن نبي"، طالبة جامعية بكلية العلوم السياسية، سألناها عن المرض فقالت: "لا أستطيع تخيل نفسي أتحدث عن المرض إلا بصوت منخفض مع زملائي وأصدقائي ونفس الشيء بالنسبة لأي واحد من معارفي، رغم أننا جامعيون إلا أن المجتمع يفرض مفهومه الخاص علينا، فلا يمكن التكلم عن الإيدز في الحافلة أو في مكان عام بكل حرية ولا أظن أن غيري يفعل ذلك. فمنذ معرفتي بالمرض لم أسمع أي شخص من النخبة أو عامة الناس يطرح إشكالية انتشاره بكل أريحية، طبعا خارج حملات التحسيس التي أصبحت مناسباتية لا تتعدى الفاتح ديسمبر من كل سنة". لتضيف: "لا أفهم كيف يتكلم المختصون عن الوقاية ونحن نجهل طرق العدوى، بل أكثر من ذلك فالمجتمع لن يرحم المريض أبدا ولن يهتم للآثار النفسية السلبية التي سيشعر بها، لأنه محكوم عليه مسبقا وعائلته بالحرمان والطرد من كل وظيفة يمكن أن يقوم بها، ولن يختلف في ذلك المتعلم والبسيط، فكثير من المصابين لا يكشفون عن إصابتهم لطبيب الأسنان، مثلا، حتى لا يطردهم من عيادته... وهذا أسوأ من خبر الإصابة نفسها، فهذه الأحكام المسبقة هي التي تجعلنا لا نقدر التحدث عن السيدا بصوت مرتفع". سليم قرندي، معلم بمدرسة ابتدائية بالقبة القديمة، قال عن المرض: "يتحمل الجميع مسئولية التحسيس والتوعية وليس الجمعيات المهتمة فقط، لأننا كمجتمع علينا أن نشد أزر بعضنا البعض، ولكن الواقع يؤكد أن المجتمع تنصّل من هذه المسئولية وعوض ذلك أوجَد سوادا قاتما ومظلما حول المرض ما أبعد الجميع عنه، ما عدا الجمعيات التي أرى أنها لا تقوم بدور فعّال في هذا الإطار لأنها لم تخرج عن صفة المناسباتية، فهي تتأثر لا محالة بعقلية المجتمع وعملها لا يتعدى تنفيذ الاتفاقيات العالمية التي تطالب الجزائر بمحاربة المرض والحد من انتشاره". واستطرد سليم قائلا: "...كيف نفسر حقيقة أننا في سنة 2014 ومع ذلك مازلنا نعتبر المرض عارا على المجتمع ككل. فحتى الطفل الصغير، حتى وإن كان رضيعا، يجب على محيطه ألاّ يعلم بمرضه، رغم أن أمه هي من نقلت له العدوى وهي بدورها أصيبت بها من زوجها، الذي لاذ بالكتمان حتى يمارس حياته بصفة عادية وطبيعية، ما جعل العدد يزداد ونواة المجتمع تتحطم، وواحد من رجالات المستقبل يولد ميتا وإن لم يلفظ أنفاسه الأخيرة. هذه المأساة نعيشها فقط لأن المجتمع لا يريد الاعتراف بخطئه في تقدير الأمور، لأنه يرفض، في عناد كامل، تغيير موقعه من محاربة المريض إلى محاربة المرض وشتَّان بينهما". يرفض التكلم عن المرض - العار عمي كمال، 60 سنة، متقاعد رفض الإجابة عن سؤال "الشعب" عندما علم أن الموضوع يتعلق بمرض الإيدز، وبصعوبة أقنعناه أننا نريد فقط معرفه رأيه في المرض، فكانت إجابته كالآتي: "لا أعرف عن المرض سوى أنه مرتبط بالمجون والأخلاق المنحطة، وأن كل من يخالط رفقاء السوء يصل به المطاف إلى هذا الطريق المسدود، خاصة وأن أمثالهم لا يتقيدون بتقاليد ولا أعراف ولا دين، لذلك يكون عقابهم الرباني أن يصابوا بهذا المرض القاتل، فيصبحوا خارج المجتمع، لأنهم هم من تعالوا على قوانينه ومبادئه". الحدّة التي أجاب بها عمي كمال، جعلتنا نسأله عن الرضع الذين ولدوا مصابين بالمرض وعن النساء اللائي لم يعرفن في حياتهن سوى عائلاتهن وأزواجهن، فأجاب: "لا يهم. لأن الأمر مفصول فيه، بمجرد الإصابة بالإيدز يجب اعتزال المحيط والمجتمع ككل، فحتى المستشفيات لا تستقبل مثل هذه الحالات إلا مستشفى القطار، ولو كان الأمر هيّنا لاستطاعت أي مؤسسة صحية استقبالهم وعلاجهم. العدوى هي الأهم عند الإصابة، أما الحاملين للفيروس فأراهم الخطر الأكبر، لأن علامات المرض لا تظهر عليهم ما يجعلهم في منأى عن الشكوك،...، المهم ربي هو الستّار". يتحايلون لإخفاء إصابتهم بلقيس. ت، مشرفة على روضة ببرج البحري، قالت عن السيدا: "كنت دائما أسمع عن ظلم المجتمع للمرضى، ولكن اليوم سأتكلم عن ظلم المرضى أو لنقل المصابين بالسيدا، خاصة الحاملين الفيروس. ففي الأسبوع الماضي، ذهبت إلى المختبر لإجراء بعض التحاليل الطبية... تفاجأت بطلب الممرضة بطاقة التعريف قبل أخذها عينة الدم، سألتها عن السبب، فقالت إنه إجراء إجباري في كل المخابر الطبية بعد أن اكتشف الأطباء تحايل بعض المرضى بإرسال غيرهم لإجراء التحاليل، لإخفاء إصابتهم بالمرض، خاصة فيما يتعلق بالتحاليل التي تطلب في عقد الزواج". ثم تساءلت قائلة: "أستغرب كيف يمكن لإنسان أن يدمّر حياة عائلة بكاملها، فقط ليبقى هو بعيدا عن الشبهات. فالمصاب سينقل العدوى لزوجته وأبنائه، وربما فردا من عائلته... هل ينتقم من المجتمع من خلال ضحاياه، أم أنه يوهم نفسه أنه يحسن إخفاء الإيدز، لا أستطيع فهم الشجاعة التي يملكها هؤلاء ليتكتموا على مرضهم إلى درجة إيذاء غيرهم، هو أمر غير معقول ولا مقبول". ..."أتمنى الموت كل مساء" أكتب منذ سنوات طويلة - كصحفية - مواضيع حول الإيدز، استطعت من خلالها الاحتكاك ببعض المرضى الذين تحدثوا عن ألامهم ومعاناتهم، سواء الصحية أو الاجتماعية. لكن ومن خلال تلك التجربة، ترسخت في ذهني صورة مراهق يبلغ من العمر 17 سنة، تحدثت إليه في أواخر شهر نوفمبر سنة 2013، لأتعرف عن تفاصيل حياته كمصاب بالإيدز. أخبرني حينها، أنه أصيب في سن 13 بالمرض بسبب حياة التشرد التي كان يعيشها، لأن زوجة أبيه كانت ترغمه على المبيت في الشارع، كانت تختلق الأسباب والمشاكل فقط لتطرده خارج المنزل، ما جعله يتعرف على أصدقاء تقاسموا معه معاناته ولكن في المقابل جعلوه مدمنا... العدوى كانت عن طريق حقنة مخدرات كانت بالنسبة له السبيل الوحيد للهروب من واقعه المر، لكن كانت الإبرة التي غرزت الموت في جسده، ليكتشف أنه مصاب بالفيروس وهو في سنّ الخامس عشرة، بعد إجراء تحاليل طبية بعد إصابته بزكام حاد استدعى نقله إلى المستشفى... عندما سألته عن يومياته بعد اكتشافه للمرض، قال إن الحياة لم تعطه الفرصة ليكون إنسانا طبيعيا، فمنذ وفاة والدته وهو في عذاب دائم، زاده السيدا حدة وألما، فحتى الشارع رفضه وأصبح من كانوا رفقاءه بالأمس يرفضون تواجده معهم وإن كانوا متشردين؟؟؟، أخبرني أنه يتنقل بصفة دورية من الولاية المتواجد بها باتجاه العاصمة من أجل الدواء والفحص، ولعل أقسى كلمة سمعتها منه قوله، إنه في كل مساء يتمنّى الموت ليرتاح من كل ما يعانيه، لأن سنّه أصغر من المأساة التي يعيشها؟؟... شعارات لا تغني ولا تسمن من جوع؟؟ ألمهم أكبر من أن يوصف، تجاهل المجتمع لهم أقوى من أي حملات تحسيس وتوعية، عجزُنا عن إدراك حقيقة الأمور أقسى من أي شيء آخر... نكتب في كل سنة عن الإيدز أو مرض فقدان المناعة... نكرر في تلك الكلمات أنفسنا، لنؤكد في كل مرة أن الشعارات هي أقوى وسيلة متوفرة حاليا بين أيدينا لمحاربة انتشار المرض... الإحصائيات تؤكد أن العلاقات الجنسية هي أول ناقل للمرض، سواء كانت شرعية أو لا، والعدد الرسمي للمرضى يفوق 8000 مصاب، لكن الجمعيات والمختصين يتحدثون عن أكثر من 25 ألف حالة إصابة... ندق ناقوس الخطر ولكن في الوقت نفسه حصَرْنا المرض في واقٍ بلاستيكي بعيدا عن الوعي بحقيقة الأمور وجوهرها.