تشاء الصدف والجزائر تحتفل بغرة نوفمبر، الشهر الذي كان حدثا مفصليا في تاريخها الحديث، الفيصل الذي أسقط تاريخ فرنسا الاستعمارية من قوة لا تقهر إلى إمبراطورية فاشلة.. بل إمارة يمكنها تجرع نهايتها على أيادي وسواعد رجال لا تلهيهم لغة فولتير، ولا أسلحة موليير، ولا حتى شراسة صالان، وماسي.. كيف لا والمقاربات جميعها غير متكافئة بين الضحية والجلاد.. جلاد يمارس عنجهيته وجبروته بكل الوسائل المتاحة يبدع في تجسيدها واستعمالها متخذا من البشر جرذانا لتجاربه العسكرية والحربية.. الجلاد الذي نفر منه أبناء جلدته من عسكريين ومثقفين وقانونيين، لم ترقهم طريقة الاستبداد الجديدة التي تمليها الإدارة الاستعمارية، أمام ضحية يرفض مسح صورة ماضيه المجيد، وبطولات أجداده طيلة قرن ونيف من الزمن، فقد كانت أعظم ثورة في التاريخ الحديث، قدمت فيها أقوى دروس البطولات والشهادة، ثورة التف حولها أبناء الشعب من كل الربوع، واحتضنت هي الأخرى مؤيديها من عجم وبربر فكانت ملتقى لكل الأصوات المناضلة الداعية إلى التحرر من الجبروت والقيود. كلودين شولي المناضلة وزوجة المجاهد الدكتور، بيار شولي، اللذين أعطيا للعالم أجمع كل صور البطولة والتضحية، كيف لا وقد ظلا يناضلان ضد غطرسة فرنسا وجبروتها، كيف لا وهي واحدة من الذين ساهموا في نقل الحقائق كما هي دون تزييف. كلودين تشاء الصدف أن تزف عروسا إلى جنان الخلد في نوفمبر، هذا الشهر الذي سجل اسمها من ذهب، مانحا إياها الروح الجزائرية الباحثة عن الانعتاق والتحرر، رغم فرنسيتها الأم، إلا أنها وقفت مع الحق. كلودين أيتها المرأة العظيمة، أيتها المجاهدة، سوف يظل اسمك خالدا في سجل الأحرار من عالمنا أمثال شيقفارة، فرانس فانون، فارجيس، اودان... وغيرهم من أحرار الدنيا، ممن جعلوا الجزائر وطنهم ودافعوا عنها بالدم والنفيس. ستظل الذاكرة الجماعية تذكرك عبر كل الممرات بدءً من شارع ديدوش مراد إلى أعالي تيليملي وصولا إلى مرتفعات بوزريعة. ستذكرك مدرجات الجامعة المركزية.. لن تنساك..لا أحد بإمكانه تجاهلك أيتها المرأة العظيمة الطيبة. طوبى لك لأن التاريخ أنصفك سيدة دون غيرك ممن باعوا أوطانهم. وداعا كلودين.. وداعا يا من أحببت الثورة ومجاهديها، فأختارك القدر عروسا تزف في شهرها الأغر.