توفي أمس الأربعاء الصحفي العربي الكبير «محمد حسنين هيكل»عن عمر ناهز 93 عاما بعد صراع مع المرض، حيث عرفت حالته الصحية خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة تدهورا فخضع للعلاج بعد تعرضه لأزمة شديدة بدأت بماء في الرئة رافقها فشل كلوي استدعى غسل كليتيه ثلاث مرات أسبوعيا. بوفاة هيكل تكون الأمة العربية قد فقدت قامة من قاماتها كعميد للصحافيين والمؤرخين والمحللين السياسيين، فمحمد حسنين هيكل إعلامي مصري بارز ولد في عهد الملك فؤاد الأول وعاصر الملك فاروق آخر ملوك مصر، وتفاعل مع سبعة رؤساء في عهد الجمهورية. بدأ مساره المهني أيام الحرب العالمية الثانية، وسطع نجمه مع رفيق دربه الرئيس جمال عبد الناصر وكان ظله الذي لا يفارقه ومستشاره الشخصي ويده الإعلامية الضاربة. ولد الصحفي المصري البارز محمد حسنين هيكل يوم 23 سبتمبر 1923 بحي الحسين جنوبالقاهرة، بينما تعود جذور أسرته إلى قرية باسوس في القليوبية، لديه ثلاثة أبناء أحدهم علي طبيب والآخران رجلا أعمال أحمد وحسن. التجربة الإعلامية دشن هيكل حياته الإعلامية مبكرا عام 1942 داخل صحيفة «إيجبشن غازيت» صحفيا تحت التمرين بقسم الحوادث. بدأت مواهب هيكل في مجال الإعلام تظهر داخل الإيجبشن غازيت، واشتهر عنه إنجاز تحقيقات صحفية بارزة، كما كلف هيكل بتغطية بعض معارك الحرب العالمية الثانية من خلال زاوية معالجة مصرية، فتوجه إلى منطقة العلمين ووصف المعارك التي دارت فيها بين قوات الحلفاء والمحور. وتتالت التغطيات التي نشرها هيكل في الجريدة التي كان يعمل بها، مما جعل الإعلامي المصري الشهير محمد التابعي رئيس تحرير «آخر ساعة» وقتها يقترح عليه الانتقال للعمل معه فيها عام 1944، قبل أن يشتريها لاحقا مصطفى وعلي أمين مؤسسا «أخبار اليوم». وداخل «آخر ساعة» أنجز هيكل عدة تحقيقات وكتب عدة مقالات حققت له شهرة واسعة، جعلته يفوز بجائزة الملك فاروق. فقد غطى أحداثا دولية بارزة بينها حرب فلسطين، وانقلابات سورياوإيران، واغتيال الملك عبد الله في القدس، وكذلك رياض الصلح في عمان، وحرب كوريا وحرب الهند الصينية الأولى. وبناء على مقترح من رئيس تحرير «آخر ساعة» علي أمين، ترأس هيكل المجلة عام 1952 وعمره لم يكد يتجاوز 29 عاما. بعد حركة العسكر عام 1952 والتي عرفت لاحقا بثورة 23 يوليو التي أنهت الحكم الملكي في مصر بإسقاط الملك فاروق الأول، عرف مسار محمد حسنين هيكل انعطافة نوعية تحول بسببها من صحفي معروف إلى رجل دولة ويد يمنى للرئيس جمال عبد الناصر. في تلك المرحلة، انتقل هيكل إلى جريدة «الأهرام» رئيسا لتحريرها مدة 17 سنة ومسؤولا عنها حيث استمر في المنصب نفسه إلى حدود 1974، ونجح في نقلها من جريدة معروفة إلى إحدى أهم المطبوعات في الوطن العربي والعالم. كما أنشأ هيكل داخل الأهرام مجموعة مراكز بحثية مثل مركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية. واشتهر هيكل في الأهرام بعموده الذي حمل عنوان «بصراحة»، وكان يلخص فيه مواقفه من القضايا المحلية والإقليمية والدولية، وأكد مرارا أنه لم يكن يحصل على أفكار مقالاته من جمال عبد الناصر رغم أنه كان يطلع على التقارير الأمنية والسياسية التي يبعث بها السفراء والمسؤولون، إلى جانب نقاشاته المستمرة والمفتوحة مع «الريّس». وحاول «الريّس» عبد الناصر تتويج علاقته بصديقه بتنصيبه في منصب وزاري أربع مرات في 1956 و1958 وبعد الانفصال عن سوريا، وإثر هزيمة 1967، لكن هيكل أكد أنه ظل يرفض العرض مفضلا الاحتفاظ بمنصبه في الأهرام. لكن وبعد طول رفض للمناصب الرسمية، عُين هيكل وزيرا للإرشاد عام 1970 بقرار من عبد الناصر دون استشارة هيكل، وأخبره لاحقا أن القرار جاء في ظرف دقيق يتميز بحرب استنزاف ضد إسرائيل، فكان بحاجة إلى دور واضح ودقيق يؤديه رفيقه هيكل. وإلى جانب وزارة الإرشاد، أضيفت إلى هيكل مهام وزارة الخارجية لفترة قصيرة. وبعد وفاة عبد الناصر وتدهور العلاقات بين السادات وهيكل، أصدر الرئيس المصري يوم 2 فبراير 1974 قرارا بنقل هيكل من الأهرام إلى العمل مستشارا للرئيس، لكن هيكل رفض القرار وانسحب، وشرع في كتابة مقالات وتحرير كتب خارج مصر. المؤلفات أصدر هيكل أول كتاب له عام 1951 وحمل عنوان «إيران فوق بركان»، ثم ما لبثت أن تتالت مؤلفاته التي حظيت بمتابعة واسعة داخل الوطن العربي وخارجه، وترجمت إلى لغات مختلفة، وأثار بعضها انتقادات واسعة. ومن بين تلك الكتب «السلاح والسياسة»، و»خريف الغضب»، و»مدافع آية الله.. قصة إيران والثورة»، و»من المنصة إلى الميدان.. مبارك وزمانه»، و»لمصر لا لعبد الناصر»، و»زيارة جديدة للتاريخ»، و»الأسطورة والإمبراطورية والدولة اليهودية.. المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل»، و»ملفات السويس»، و»سنوات الغليان»، و»حرب الخليج.. أوهام القوة والنصر»، و»عبد الناصر والمثقفون والثقافة». كما صدر له أيضا «كلام في السياسة»، و»الإمبراطورية الأميركية والإغارة على العراق»، و»الزمن الأميركي من نيويورك إلى كابل»، و»العروش والجيوش.. كذلك انفجر الصراع في فلسطين 1948-1998: قراءة في يوميات الحرب»، و»قصه السويس.. آخر المعارك في عصر العمالقة»، و»أزمة العرب ومستقبلهم». اعتزل الكتابة المنتظمة والعمل الصحفي في 23 سبتمبر 2003 بعد أن اتم عامه الثمانين بعد أن كتب مقالا مثيرا تحت عنوان «استئذان في الإنصراف» إلاّ أن حاسته الصحفية وعشقه للكتابة طغى عليه فعاد للكتابة مجددا ويواصل عطاءه. حواراته مع الزعماء أجرى هيكل خلال مشواره الصحفي حوارات مع زعماء عالميين منهم الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران وامبراطور اليابان والخميني وغيرهم وهو ما مكنه من الوصول إلى وثائق وأرشيفات في غاية الأهمية. أسرته تزوج هيكل من السيدة «هدايت علوي تيمور في جانفي 1955 وهي حاصلة على ماجستير الآثار الإسلامية ولديهم ثلاثة أولاد علي طبيب أمراض باطنية وروماتيزم وأحمد رئيس مجلس إدارة شركة القلعة للإستثمارات المالية، وحسن رئيس مجلس إدارة ورئيس تنفيذي للمجموعة المالية «هيرميس».