الرابطة الأولى: شباب بلوزداد ينهزم أمام شباب قسنطينة (0-2), مولودية الجزائر بطل شتوي    وزير الثقافة والفنون يبرز جهود الدولة في دعم الكتاب وترقية النشر في الجزائر    تنوع بيولوجي: برنامج لمكافحة الأنواع الغريبة الغازية    تلمسان: خطيب المسجد الأقصى المبارك يشيد بدور الجزائر في دعم القضية الفلسطينية    اللجنة الحكومية المشتركة الجزائرية-الروسية: التوقيع على 9 اتفاقيات ومذكرات تفاهم في عدة مجالات    رياضة: الطبعة الاولى للبطولة العربية لسباق التوجيه من 1 الى 5 فبراير بالجزائر    جمعية اللجان الاولمبية الافريقية: مصطفى براف المرشح الوحيد لخلافة نفسه على راس الهيئة الافريقية    إنشاء شبكة موضوعاتية جديدة حول الصحة والطب الدقيقين سنة 2025    رياح قوية على عدة ولايات من جنوب الوطن بداية من الجمعة    بصفته مبعوثا خاصا لرئيس الجمهورية, وزير الاتصال يستقبل من قبل رئيس جمهورية بوتسوانا    وزير الصحة يشرف على لقاء حول القوانين الأساسية والأنظمة التعويضية للأسلاك الخاصة بالقطاع    وزير الصحة يجتمع بالنقابة الوطنية للأطباء العامين للصحة العمومية    فلسطين... الأبارتيد وخطر التهجير من غزة والضفة    توقيف 9 عناصر دعم للجماعات الإرهابية    لصوص الكوابل في قبضة الشرطة    تعليمات جديدة لتطوير العاصمة    عندما تتحوّل الأمهات إلى مصدر للتنمّر!    رسالة من تبّون إلى رئيسة تنزانيا    فتح باب الترشح لجائزة أشبال الثقافة    التلفزيون الجزائري يُنتج مسلسلاً بالمزابية لأوّل مرّة    الشعب الفلسطيني مثبت للأركان وقائدها    بوغالي في أكرا    محرز يتصدّر قائمة اللاعبين الأفارقة الأعلى أجراً    صالون الشوكولاتة و القهوة: أربع مسابقات لحرفيي الشوكولاتة و الحلويات    شركة "نشاط الغذائي والزراعي": الاستثمار في الزراعات الإستراتيجية بأربع ولايات    تحديد تكلفة الحج لهذا العام ب 840 ألف دج    السيد عرقاب يجدد التزام الجزائر بتعزيز علاقاتها مع موريتانيا في قطاع الطاقة لتحقيق المصالح المشتركة    حوادث المرور: وفاة 7 أشخاص وإصابة 393 آخرين بجروح في المناطق الحضرية خلال أسبوع    الرئاسة الفلسطينية: الشعب الفلسطيني متمسك بأرضه رغم التدمير والإبادة    تحذير أممي من مخاطر الذخائر المتفجرة في غزة والضفة الغربية    مجموعة "أ3+" بمجلس الأمن تدعو إلى وقف التصعيد بالكونغو    رئيس الجمهورية يستقبل نائب رئيس الوزراء الروسي    إبراز جهود الجزائر في تعزيز المشاركة السياسية والاقتصادية للمرأة    غرة شعبان يوم الجمعة وليلة ترقب هلال شهر رمضان يوم 29 شعبان المقبل    اتفاقية تعاون بين وكالة تسيير القرض المصغّر و"جيبلي"    لجنة لدراسة اختلالات القوانين الأساسية لمستخدمي الصحة    مدرب منتخب السودان يتحدى "الخضر" في "الكان"    السلطات العمومية تطالب بتقرير مفصل    توجّه قطاع التأمينات لإنشاء بنوك خاصة دعم صريح للاستثمار    4 مطاعم مدرسية جديدة و4 أخرى في طور الإنجاز    سكان البنايات الهشة يطالبون بالترحيل    الرقمنة رفعت مداخيل الضرائب ب51 ٪    رياض محرز ينال جائزتين في السعودية    شهادات تتقاطر حزنا على فقدان بوداود عميّر    العنف ضدّ المرأة في لوحات هدى وابري    "الداي" تطلق ألبومها الثاني بعد رمضان    وهران.. افتتاح الصالون الدولي للشوكولاتة والقهوة بمشاركة 70 عارضا    هل تكون إفريقيا هي مستقبل العالم؟    الاجتهاد في شعبان.. سبيل الفوز في رمضان    أدعية شهر شعبان المأثورة    حشيشي يلتقي مدير دي أن أو    صحف تندّد بسوء معاملة الجزائريين في مطارات فرنسا    المجلس الإسلامي الأعلى ينظم ندوة علمية    العاب القوى لأقل من 18 و20 سنة    الجزائر تدعو الى تحقيق مستقل في ادعاءات الكيان الصهيوني بحق الوكالة    قِطاف من بساتين الشعر العربي    عبادات مستحبة في شهر شعبان    تدشين وحدة لإنتاج أدوية السرطان بالجزائر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فتح مكة ودلالات التغيير
نشر في الشعب يوم 28 - 06 - 2016

تميّز فتح مكة بمجموعة من دلالات التغيير والنصر والتمكين في الأرض، ونستخلصها في التالي:
السنّة الأولى: الله لا يعجل بعجلة عباده
منذ واحد وعشرين عامًا من أصل ثلاثة وعشرين هي عمر البعثة النبوية واللات والعزى ومناة وهبل تُعبد من دون الله داخل مكة المكرمة!
والبعض تمنى أن تفتح مكة مبكرًا، وأن يحكم الرسول الدولة الإسلامية من مكة؛ وذلك ليرى حكمه وأثره في العالمين وهو ممكَّن في الأرض؛ لكن الحقيقة أنه لو حدث مثل هذا لوقعت مخالفة للسُّنَّة الإلهية، وهذا لا يكون أبدًا، {فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً}، (فاطر الآية 43).. والانتظار الطويل حتى يعلِّمنا جميعًا أنه لا يعجل بعجلة عباده.
السنّة الثانية: التغيير والنصر والتمكين يأتي من حيث لا نحتسب
أي أن المسلمين لو أرادوا أن يفتحوا مكة فلا شكَّ أنهم سيضعون أكثر من احتمال أو تصور لهذا الفتح، ولو أنهم وضعوا ألفًا من هذه الاحتمالات لجاء التغيير من طريق آخر.. وما حدث هو أن قبيلة مشركة أغارت على قبيلة أخرى مشركة، فتمَّ الفتح للمؤمنين.
وقد يتساءل المرء: ما علاقة هذا بذاك؟ إلا أننا إذا راجعنا بنود صلح الحديبية خاصة البند الثالث، وجدنا أنه إذا أرادت قبيلة أن تنضم إلى حلف المسلمين فلها ذلك، وإذا أرادت قبيلة أن تنضمَّ إلى حلف قريش فلها ذلك، وعلى إثر هذا دخلت خزاعة في حلف الرسول صلى الله عليه وسلم ، ودخلت بنو بكر في حلف قريش، فكانت القصة بين المسلمين وقريش، ولم يكن لخزاعة ولا لبني بكر دخلٌ فيها، ومع ذلك فدخولهم في المعاهدة هو الذي أدى إلى الفتح كما سنرى.
بنو بكر وقريش وخيانة العهد
بتحليل منطقي فإنه إذا حدثت هذه المخالفة وأغارت بنو بكر على خزاعة قبل الحديبية، فما كان يحدث أيُّ نفع للمسلمين، إذ الحالة أن قبيلة مشركة اعتدت على قبيلة أخرى مشركة.
وقد تكون هي نفس النتيجة أيضًا إذا حدث هذا الأمر بعد الحديبية مباشرة؛ فلعل المسلمين لم تكن لهم طاقة لغزو مكة أو لفتحها آنذاك.. وما حدث هو أن قريش أعانت بني بكر على حرب خزاعة في تهوُّر عجيب.. وهذا هو تدبير رب العالمين: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا}، (الطارق الآية 15 16).
هجمت بنو بكر على خزاعة تلك التي لم تكن مستعدة للقتال، خاصة أن هناك صلح الحديبية، وفيه هدنة عشر سنوات، وقتلتْ من خزاعة الكثير من الرجال.. لم تجد خزاعة إلا أن تفرَّ إلى أقرب مكان آمن وهو الحرم المكي ومساكنها قريبة جدًّا منه، فخرجت رجالاً ونساءً وصبيانًا إلى مكة المكرمة، ودخلت بالفعل داخل الحرم، ومن ورائها بنو بكر تطاردها بالسلاح.. ووقع القتال داخل الحرم، أو قُلْ إنه داخل قريش، التي كثيرًا ما كانت تتشدق بأنها حامية الحُجَّاج والمعتمرين وحامية المنطقة بكاملها، وأنها التي توفِّر الأمان فيها.
وقامت قريش في تهور عجيب وأعانت بني بكر وأمدَّتهم بالسلاح لحرب خزاعة، وهذا غير مبرَّر بالمرة لقريش، وليس هناك أي علاقة للمسلمين بالقصة؛ فهو تصرف غير مفهوم لكنه يضع أعيننا على شيء في غاية الأهمية، وهو أن الخيانة أمر متوقع من المشركين، قال تعالى في كتابه الكريم: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ}، (البقرة الآية 100).
والعجب أن هذه الخيانة وقعت منهم والرسول ما زال على وفائه لهم بالعهد الذي بينه وبينهم، حتى إنه ردَّ من جاء من المدينة المنورة مؤمنًا من مكة إلى قريش وفاءً ببنود المعاهدة، كما أعاد أبا بصير إلى مكة رغم خطورة هذه الإعادة على إيمان أبي بصير، وهو الأمر الذي لم تفعله قريش.. والمشكلة الكبيرة الأخرى هي أن بني بكر كانت تلعب بالقوانين، وقريش تشاهد ذلك الأمر وتقبله، بل يقبله الجميع؛ فالقتال داخل مكة البلد الحرام، في داخل البيت الحرام، وهو أمر خطير؛ إذ الجميع كان يؤمِّن كل زائري هذه المنطقة.. ودخلت بنو بكر مكة المكرمة لتقتل خزاعة في داخل الحرم، الأمر الذي أدهش جيش بني بكر نفسه
من استمرار القتل في داخل الحرم، حتى نادوا على زعيمهم نوفل بن معاوية الديلي من بني بكر، نادوا عليه وقالوا: يا نوفل، إلهك إلهك.. يعنون قوانين (اللات والعزى وهبل وغيرها) لم تشرع القتال داخل البيت الحرام.. هنا ردَّ عليهم قائدهم هذا بكلمة فاجرة، قال: لا إله اليوم، لا إله اليوم! ثم قال: يا بني بكر، أصيبوا ثأركم، فلعمري إنكم لتسرقون في الحرم، أفلا تصيبون ثأركم فيه؟!
فشجعهم على استمرار عملية القتل؛ لتحدث الجريمة الكبرى، وقريش لا تشاهد هذا الأمر فقط، بل تساعد عليه، فكان هذا خرقًا واضحًا للبند الثالث من بنود صلح الحديبية.
خزاعة تستنجد بالرسول |
أسرعت خزاعة إلى المدينة المنورة تستغيث بالرسول صلى الله عليه وسلم ، وكان عمرو بن سالم أول من جاء إليه من خزاعة، وكان رد فعل الرسول صلى الله عليه وسلم عندما سمع منه ما حدث قوله: «نصرت يا عمرو بن سالم».
ولم يحدد الطريقة التي سينصر بها عمرو بن سالم، لكنه أخذ على الفور قرار النصرة؛ وذلك لأنه كان بينه وبين قبيلة خزاعة اتفاقية وحلف، وهذا بغض النظر عن ملة قبيلة خزاعة مسلمة أو مشركة؛ فهناك حلف بينهم وبين المسلمين يقضي بأن يدافع كل طرف عن الطرف الآخر إذا ما تعرض ذلك الآخر إلى أي اعتداء.
السنّة الثالثة: النصر يأتي من حيث يكره المسلمون
أمر غريب جدًّا لكنه متكرر إلى الدرجة التي تجعله سُنَّة: لا يأتي النصر فقط من حيث لا يتوقع المسلمون، إنما يأتي من حيث يكره المسلمون.. كره المسلمون لقاء المشركين في بدر فجعل الله في باطنه النصر، يقول تعالى: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ}، (الأنفال الآية 5). وكره المسلمون صلح الحديبية وقالوا: لِمَ نعطي الدنية في ديننا؟! وكان في باطنه الخير كله الخير.
تُرى لماذا هذه السنة؟ ولماذا يأتي النصر من حيث نكره؟ ولماذا لا يأتي النصر من حيث نحب؟ أو بالطريقة التي نريد؟ أو بالطريقة التي نخطِّط لها؟ هذا الكلام يتكرر كثيرًا في مراحل التاريخ؛ لأن الله يريد لنا ألا نُفتن بنصرنا، ونعتقد أن النصر جاء من حسن تدبيرنا، ودقة خطتنا، وبراعة أدائنا، ولذكاء عقولنا، ولسرعة تصرفنا.. يجب ألا ننسى أن الذي نصرنا هو الله القوي؛ لذلك يأتي النصر من حيث لا نحتسب، بل من حيث نكره؛ وليعترف الجميع أن الناصر هو الله، لذلك يقول الله سبحانه: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}، (النصر الآية 1).. النصرُ نصر الله، والفتح فتح رب العالمين للمسلمين.
كل الظروف مهيأة لفتح مكة
عدة عوامل ساعدت المسلمين في القيام بهذا الفتح العظيم لمكة المكرمة؛ وهي:
1 - الوضع السياسي والعسكري للمسلمين قبل فتح مكة
كان الوضع السياسي والعسكري للمسلمين قبل فتح مكة قويًّا فعلاً، فأعداد المسلمين تتزايد والجيش الإسلامي مدرب تدريبًا جيدًا، وليس تدريبًا في لقاءات وهمية، ولكن في لقاءات حقيقية مع اليهود والمشركين، بل مع الرومان في مؤتة، وكانت معنويات الجيش الإسلامي في السماء كما رأينا، فقد رُفعت معنويات الجيش الإسلامي، وارتفعت سمعة المسلمين على مستوى الجزيرة العربية، بل على مستوى العالم كله.
2 - الوضع العسكري والسياسي لقريش قبل فتح مكة
على الجانب الآخر كان الوضع العسكري لقريش ضعيفًا، ويزداد ضعفًا مع مرور الوقت، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يرى هذا من عامين وأكثر، ولا ننسى في صلح الحديبية أنه قال في المفاوضات: «إن قريشًا قد وهنتهم الحرب وأضرت بهم». وبعد رجوع الأحزاب إلى قبائلهم قال الرسول: «الآن نغزوهم ولا يغزونا، نحن نسير إليهم»؛ لأن الرسول يرى الدولة الإسلامية في علو واضح، وقريش في هبوط واضح..
والوقت الذي مرّ بعد صلح الحديبية لم يكن في مصلحة قريش؛ إذ رأينا المسلمين يتزايدون، وكل رجل أو امرأة يتحول من الكفر إلى الإيمان هو إضافة إلى الدولة الإسلامية، وفي نفس الوقت نقص في الدولة الكافرة.. فهذا خالد بن الوليد الذي كان سببًا في انتصار غزوة أحد، انضمَّ إلى المعسكر الإسلامي، وكان مكسبًا كبيرًا جدًّا، وإضافة هائلة للدولة الإسلامية.. وعمرو بن العاص وهو من أعظم دهاة العرب، فقدت قريش قوته وأضيفت قوته للمسلمين، وكذلك عثمان بن طلحة ليس من الفرسان الأشداء فقط، ولكنه من بني عبد الدار، وحامل مفتاح الكعبة، وإضافته للدولة الإسلامية إضافة في غاية القوة.
3 - واجب المسلمين الأخلاقي والديني والسياسي في القيام بفتح مكة
كان هناك واجب أخلاقي وقانوني وسياسي على المسلمين في أن يقوموا بفتح مكة، هناك واجب أخلاقي برفع الظلم عن المظلومين؛ فخزاعة ظُلمت ولا يجب أن تترك هكذا، ثم إن هذا الواجب ليس أخلاقيًّا فقط، بل هو واجب شرعي وقانوني؛ أي فُرض على المسلمين أن يساعدوا خزاعة، لأنه التزام إسلامي مؤكد في صلح الحديبية.
وعلى الفور اختارت قريش أبا سفيان ليذهب إلى المدينة المنورة ويطلب العفو من النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبو سفيان هو سيد مكة وزعيمها، وهو ليس مجرد سفير ترسله مكة، ولكنه زعيم مكة، وزعيم بني أمية، وله تاريخ طويل وحروب متتالية مع المسلمين. وهنا يتنازل أبو سفيان عن كبريائه، وعن كرامته، ويذهب إلى المدينة المنورة، ويطلب من الرسول صلى الله عليه سلم أن يطيل الهدنة مع قريش.
خروج الجيش
وظهور بشريات النصر
ولكن مجيء أبي سفيان لم يغير من الأمر شيئًا.. خرج المسلمون بالفعل من المدينة المنورة، وكان هذا الخروج في العاشر من رمضان سنة 8ه، واتجهوا مباشرة إلى مكة المكرمة، وفي الطريق بدأت بشريات النصر تهبُّ على المسلمين؛ إذ لقي المسلمون العباس بن عبد المطلب عم الرسول صلى الله عليه وسلم ومن أحب الناس إلى قلبه مهاجرًا قبل أن يصل الرسول صلى الله عليه وسلم إلى مكة المكرمة؛ وذلك أسعد الرسول صلى الله عليه وسلم ، وسُرَّ سرورًا عظيمًا برؤية العباس، وانضم العباس إلى قوة المسلمين، وسوف يكون له دور إيجابي في فتح مكة المكرمة.
وأكمل الرسول صلى الله عليه وسلم الطريق فوجد المسلمون أبا سفيان بن الحارث وعبد الله بن أمية، أحدهما ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والثاني ابن عمة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وكانا من أشد الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجاءا من مكة المكرمة إلى المدينة ليعلنا إسلامهما بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم .. ومن شدة إيذائهما للرسول صلى الله عليه وسلم رفض في البداية أن يقابلهما، ولولا أن السيدة أم سلمة رضي الله عنها -و كانت مصاحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتح - قد توسطت لهما، فقابلهما وأعلنا التوبة الكاملة بين يديه.. وهذه كانت بشريات لفتح مكة.
دخول مكة وعفو الرسول |
ثم دخلت الجيوش الإسلامية مكة من كل مكان، ولم تلق قتالاً يذكر إلا عند منطقة في جنوب شرق مكة اسمها منطقة الخندمة، وتزعم صفوان بن أمية أوباش قريش، وقاتلوا في هذه المنطقة خالد بن الوليد بفرقة قوية من الفرسان، ومع كون خالد صديقًا قديمًا وحميمًا لعكرمة بن أبي جهل ولصفوان، إلا أنه كان متجردًا تمام التجرد، وقاتل قتالاً شديدًا رائعًا تطاير من حوله المشركون، وما هي إلا لحظات حتى سارت الفرقة المشركة ما بين قتيل وأسير وفارٍّ، وهرب صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل من مكة المكرمة، وخمدت المقاومة تمامًا، وفتحت مكة أبوابها لخير البشر - عليه الصلاة والسلام - يدخلها آمنًا مطمئنًا عزيزًا، ويضرب الرسول صلى الله عليه وسلم للعالم مثلاً إسلاميًّا في الصفح يبقى إلى يوم القيامة، قال: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن ألقى السلاح فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن».
ومن عبقرية الرسول صلى الله عليه وسلم إعلاء شأن أبي سفيان عند فتح مكة؛ إذ خص الرسول - عليه الصلاة والسلام - أبا سفيان بخصيصة تجعله متميزًا على أقرانه من أهل مكة، وأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا بلا خسارة، ويكسب قلب أبي سفيان بإعطائه شيئًا يفخر به، وهو شيء ينفع ولا يضر.
ولعل هذه هي لحظات السيرة النبوية التي مسحت آثار رحلة طويلة من المعاناة والألم، وهي اللحظة التي انتظرها المسلمون أكثر من عشرين سنة.. وسار الموكب المهيب الجليل حتى دخل صحن الكعبة؛ ليبدأ الرسول - عليه الصلاة والسلام - ومن اللحظة الأولى في إعلان إسلامية الدولة، وربانية التشريع، وليرسِّخ القاعدة الأصيلة {إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ}، (الأنعام الآية 57).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.