يبدو أنّ الرؤية الاقتصادية الجديدة أصبحت بوادرها تلوح في الأفق، والنظرة الشمولية الناجعة لاقتصاد قوي بعيداً عن قطاع المحروقات باتت قاب قوسين أو أدنى، ومعادلة تنويع مصادر الدخل الوطني تأتي برقم صعب، وهذه المرة من بوابة تندوف بالجنوب الغربي الكبير. ديناميكية اقتصادية جديدة كشفت عنها الصخور السوداء المترامية على عشرات الكيلومترات بصحراء غار الجبيلات، حملت تحت سوادها وهج غدٍ مشرق في القضاء على التبعية للمحروقات وإيجاد بديل لها لتنويع الاقتصاد الوطني. فبحسب التقارير الأولية لمكاتب الدراسات الموجودة حالياً بمنطقة غار الجبيلات، فإنّ المنجم يحتوي على ما مقداره 2 مليار طن من الحديد تضم 57 % من الحديد الخالص، وهو رقم يجعل الجزائر تتربّع على رأس قائمة أهم احتياطات الحديد في العالم هذا دون الحديث على منجم “مشري عبد العزيز” المجاور له، فالشركة الوطنية للحديد والصلب “فيرال” تُشرف اليوم على دراسة المنجم بهدف تحديد الكمية الدقيقة من الحديد المتواجدة به عبر العديد من عمليات التنقيب والحفر التي باشرتها الشركة منذ فترة، كما ستشرف الشركة التي تأسّست خصيصاً للمنجم على عمليات الاستغلال، النقل، التحويل والتسويق. وفي هذا الإطار، أكّد “الحاج مولاي” مدير الصناعة والمناجم بولاية تندوف في حوار خص به “الشعب”، أنّ المنطقة ستستفيد من عديد الهياكل القاعدية المرافقة للمشروع، والتي سيكون لها الأثر البالغ على المنطقة، حيث سيتم إنجاز سكة حديدية على مسافة 900 كلم تمتد بين ولايتي تندوف وبشار لنقل الحديد الخام لمركب بلارة، وأضاف المتحدث أن المشروع من شأنه توفير حوالي 05 آلاف منصب شغل مباشر و15 ألف منصب غير مباشر، ولمواكبة هذه الحركية والإعداد لهذا التحول الاقتصادي عكفت السلطات المحلية بولاية تندوف وإدارة التكوين المهني والتمهين على التفكير في استحداث تخصصات تتماشى واحتياجات المنجم بكل من مركزي التكوين المهني والتمهين، كما أكّد والي الولاية في هذا الإطار أن المعهد الوطني المتخصص في التكوين المهني، والذي سيفتح أبوابه قريباً بتندوف سيضم هو الآخر تخصصات ذات صلة بمنجم غار الجبيلات، في محاولة من السلطات المحلية توفير يد عاملة متخصصة من أجل تسيير المنجم والحرص على استغلاله بشكل جيد. من جهة أخرى، تشير بعض الوثائق والتقارير الموجودة بأرشيف مديرية الصناعة والمناجم بولاية تندوف، أن منجم غار الجبيلات بقي عصياً على شركات التنقيب الفرنسية خلال الحقبة الاستعمارية لعقود، فبالرغم من اكتشاف الثروة المنجمية بغار الجبيلات منذ سنة 1952، إلاّ أنّ الاحتلال الفرنسي لم يتمكّن من استغلاله واقتصرت محاولاته على عمليات الاستكشاف والتجارب التي أجراها بالموقع قادتها العديد من شركات التنقيب الفرنسية على مراحل، ليقرّر المستعمر حينها بناء مصنع التجارب سنة 1961، والذي لا يزال شاهدا إلى اليوم على جشع المستعمر ومخططاته لنهب الثروات.