موازاة مع الاهتمام الذي يخص به القطاع الخاص المنتج للثروة لتقديم الإضافة المطلوبة للنمو، لا يزال الرهان قائما على القطاع الاقتصادي العام، ليواصل دوره كقاطرة لا تتوقف في كافة المجالات التي تنشط فيها مؤسسات ومجمعات، تواجه تقلبات السوق وتواكب من خلال التزام عمالها وإطاراتها المستجدات والتطورات. يندرج في هذا الاتجاه قرار مجلس مساهمات الدولة بوضع المجمعات والمؤسسات الاقتصادية العمومية تحت وصاية الوزارة الأولى التي تحتفظ بحق موافقتها المسبقة على أي تعيينات أو إقالات. تمثل النجاعة الاقتصادية أكبر تحديا يواجهه القطاع العام لمواجهة التداعيات العسيرة الناجمة عن تراجع إيرادات المحروقات ولذلك كان لزاما الحرص على ضبط منظومة رأس المال التجاري للدولة مشكلا من المجمعات والمؤسسات العمومية على وتيرة النمو التي تحتاج إلى مناخ شفاف يساعد على تجسيد أهداف المرحلة وتجاوز المنعرج باتجاه التنافسية التي تزداد شدتها في المستقبل. لذلك فان الانسجام ضمن النسيج المؤسساتي العمومي عامل حيوي يساعد على ضبط معادلة استقلالية المؤسسة الاقتصادية مع ضرورة التزامها بورقة الطريق المتعلقة بكسب معركة الإنتاج والاستثمار الخلاق للثروة وترشيد النفقات. ولا يمكن لمؤسسة مهما كانت أن تنطلق بأكبر حظ في النجاح إذا لم تشتغل بروح الانتماء إلى فضاء الاقتصاد الوطني وتتناغم مع التوجهات التي يفرضها السوق محليا وعالميا. إن ما تفرضه شروط البقاء في السوق محليا والطموح لامتلاك موقع متواضع عالميا أن تضبط المجمعات والمؤسسات العمومية عقاربها على ساعة التنافسية من خلال تجنيد كل الموارد وتوظيف كافة الطاقات المادية والبشرية بروح التكامل وليس المنافسة ضيقة الأفق التي تعطل سرعة العمل. ومن هذا المنطلق يكون إشراف الوزارة الأولى على متابعة دواليب الجهاز الاقتصادي صمام أمان لضبط الحركية داخله ومعرفة كل المعطيات من اجل تدقيق الرؤية إلى الأفق. ويندرج هذا المسعى في سياق التزام الدولة بانجاز البرامج الاستثمارية والرفع من سرعة التنمية ولو بالقليل من الوسائل والإمكانيات، وكان لزاما، دون التدخل في التسيير العادي للمؤسسات والمجمعات، الوقوف على وضعية القطاع من كافة الجوانب للتأكد من ثقله في الساحة والعمل عند الضرورة على مستوى تدعيم الجوانب الهشة وتصحيح تلك التي تعاني من تعثر في النتائج، بحيث يجب أن تتحول المؤسسات الاقتصادية العمومية إلى عناصر فاعلة في السوق. ويوفر المناخ اليوم أكثر من أي وقت مضى الفرصة ليستعيد القطاع الاقتصادي العام في كل المجالات توازنه في السوق من خلال تنمية روح المبادرة الاستثمارية وفقا لمعايير الجدوى والنجاعة والاستعمال العقلاني للموارد من جهة وفتح المجال أمام الدفع بالكفاءات الخلاقة إلى تولي إدارة المشاريع وتسيير البرامج في الميدان، حيث تتقاطع المؤسسات العمومية مع نظيرتها الخاصة التي تملك سمعة في السوق ولديها مصداقية دولية لانجاز الوثبة من خلال تأسيس شراكة إنتاجية تحكمها قواعد الشفافية والوضوح.