نجح رئيس ريال مدريد، فلورنتينو بيريز بخطف أفضل لاعب في العالم سنة 2000 لويس فيغو من عرين النادي الكتلوني وجلبه إلى مدريد بطريقة جعلت الكتلان مذهولين تماما لما حدث وما تبع هذه الصفقة من انحدار كبير في مستوى النادي الكاتالوني وتحقيق مدريد للعديد من الألقاب.. حيث تعد أشهر الصفقات الكروية عبر التاريخ، وهي الصفقة التي انتقل بموجبها البرتغالي لويس فيغو من ناديه برشلونة إلى الغريم التقليدي ريال مدريد، صفقة لا زالت ذكراها تشكل حسرة بالغة في الشارع الكاتالوني بالنظر إلى قيمة النجم البرتغالي وعشق الكاتالونيين له، وإلى الظروف التي رافقت تعاقد النادي الملكي معه. ميكن فيغو هو أول من يرتدي قميص قطبي الكرة الإسبانية ولا آخرهم، كما إنه لم يكن أول لاعب يُوصم ب"الخيانة الكروية العظمى"، لكن وبالرغم من ذلك فقد بقيت هذه الصفقة تشكل المثال التاريخي الأبرز لكل الصفقات المشابهة. الصفقة الغامضة بقي الكثير من تفاصيلها طي الكتمان لسنوات عدة، قبل أن تتكشف الأمور رويدا رويدا حول الآلية التي تمكن الرئيس المنتخب الجديد فلورنتينو بيريز من خلالها خطف لويس فيغو من قلب النادي الكاتالوني "برشلونة"؟ !. فيغو وانتقاله بالصدفة إلى برشلونة لمع اسم البرتغالي لويس فيغو مع ناديه سبورتنغ لشبونة ومنتخب شباب البرتغال، بعدما توّج معهما بألقاب عدة أبرزها كأس العالم للشباب عام 1991، ما جعله قُبلة للعديد من أندية العالم وفي مقدمتها أندية الكالتشيو الإيطالي الدوري الأقوى في العالم آنذاك. لكن فيغو ضيّع حلمه بالإنتقال إلى الكالتشيو بعدما وقع عقدين مبدئيين مع كل من جوفنتوس وبارما، ما جعل الاتحاد الإيطالي يتخذ قراراً بحرمانه من اللعب لأحد الأندية الإيطالية لمدة عامين، ليغتنم برشلونة الإسباني الفرصة ويسحب فيغو من بيته البرتغالي بصفقة قدرت ب 5,3 ملايين دولار فقط.. وجد فيغو في برشلونة بيته الثاني، فحقق مع الفريق 7 ألقاب في خمسة مواسم، من بينها لقب بطولة الدوري مرتين وكأس الكؤوس الأوروبية مرة واحدة.. ووصل العشق المتبادل بين الطرفين لأن يصبح فيغو الكابتن الثالث في الفريق بعد غوارديولا وسيرجي.. وفي هذا السياق لابد من ذكر إحدى عبارات فيغو للتأكيد على مدى الارتباط الذي كان بينه وبين البارسا حيث قال ذات مرة: "حلمي منذ الصغر كان برشلونة.. كنت أصلي كل يوم وليس يوم الأحد فقط لكي أنضم إلى هذا الفريق.. أنا موجود فيه الآن ولن أفرط بذلك أبدا".. فيغو يراوغ جماهير برشلونة ويؤكد بقائه مع اقتراب صيف العام 2000، بدأ الشارع الكاتالوني يشتم رائحة أزمة داخل البيت البرساوي، فرئيس النادي خوان غاسبارت يكثر الحديث عن الضائقة المالية التي يمر بها الفريق، في الوقت الذي يطالب فيه لويس فيغو برفع أجره السنوي بنحو مليون دولار 8,2 إلى 8,3 ملايين دولار.. وبعد أخذ ورد، استجاب غاسبارت لطلب فيغو ورفع أجره، ليخرج فيغو إلى العلن قائلاً: "أنا لاعب برشلونة ولن أترك البارصا ما حييت.. وسأوقع العقد الجديد على بياض دون شروط مسبقة"..أثلجت كلمات فيغو قلوب عشاق البارصا، وطمأنتهم على نجمهم المحبوب، ولكن لمدة أسبوع واحد فقط. بيريز يراهن على جلب فيغو في حملته الإنتخابية بعد أيام قليلة فقط، خرج المرشح لرئاسة نادي ريال مدريد بتصريح بدا أشبه بقنبلة نووية رمى بها في وسط العاصمة الكاتالونية، حين أكد أنه سيجلب لويس فيغو أحد أفضل لاعبي العالم في تلك الحقبة إلى ريال مدريد.. وعد قلب موازين القوى في الإنتخابات المدريدية على نحو أشبه بالخيال، إذ كانت الترشيحات قبل هذا الوعد تشير إلى أن الرئيس الحالي للنادي لورنزو سانز سيتمكن من البقاء في منصبه بنسبة 89%، لكن استطلاعات الرأي أشارت بعد ذلك إلى تفوق بيريز بنسبة 91%. انتظرت جماهير البارصا خروج رئيسها غاسبارت بتصريح يدحض فيه أحلام بيريز، أو مؤتمر للويس فيغو يؤكد أنه من جديد متمسك بالقميص الكاتالوني.. لكن لا هذا حصل ولا ذاك، ليفوز بيريز بالانتخابات ويقدم فيغو بالقميص الأبيض الذي حمل الرقم 10 في الرابع والعشرين من تموز عام 2000 وسط ذهول ودهشة وغضب الشارع الكاتالوني الذي طالب بإقالة غاسبارت بتهمة الخيانة.. الإتحاد الإسباني وتورطه في قضية الخيانة لم تكن الملايين ال60 التي دخلت خزينة برشلونة هي السبب الرئيسي وراء إتمام صفقة انتقال فيغو إلى الريال، بالرغم من الضائقة المالية التي كان يمر بها الفريق الكاتالوني.. فبعد سلسلة من المظاهرات الغاضبة من جماهير البارصا أمام مقر النادي، خرج الرئيس غاسبارت ليدافع عن نفسه وليكشف عن عدم دخوله في مفاوضات مع فيغو الذي قام بكسر العقد من خلال دفع قيمة البند الجزائي المنصوص عليها في العقد وقال: "لم أقابل فيغو منذ أن أعلنت له عن موافقتي لرفع أجره السنوي.. بعد ذلك لم أجد سوى ثلاث أوراق من الإتحاد الإسباني تفيد بأن الريال كسر العقد ودفع قيمة البند الجزائي.. فقمت برفع تظلم للإتحادين الإسباني والأوروبي لكنهما رفضا..ووعد غاسبارت بتعويض رحيل فيغو فاستقدم أوفرمارس، بوتي، جيرارد لوبيز وألفونسو.. لكن أياً من هؤلاء لم يستطع ملء الفراغ الذي تركه رحيل المرعب فيغو. حقيقة العقد المبدئي الذي وقعه فيغو وهو في برشلونة في العام 2008 كشف وكيل أعمال لويس فيغو السابق خوسيه فيغا عن تفاصيل أخرى حول هذه الصفقة من خلال تصريحات نشرتها صحيفة سبورت الكاتالونية.. حيث أكد فيغا توقيعه لاتفاق مسبق مع المرشح فلورنتينو بيريز في مارس من العام 2000 ينص على انتقال فيغو إلى برنابيه في حال فوز بيريز بالإنتخابات مع وجود بند في الإتفاق ينص على دفع فيغو ووكيل أعماله لمبلغ 30 مليون أورو في حال الإخلال بالاتفاق والإنسحاب من الصفقة لأي سبب كان. وذكر فيغا أن حديثاً دار بينه وبين لاعبه لويس فيغو عقب فوز بيريز بالانتخابات حيث سأله الأخير: "ماذا ستفعل الآن"؟! فأجاب فيغا: "لدينا ثلاثة خيارات" إما أن تبقى لاعباً في برشلونة وندفع 30 مليون أورو لبيريز. وإما أن نتغاضى عن الدفع وأدخل السجن ويتم إيقافك عن اللعب، أو الخيار الثالث أن نمضي قدماً فنكسر العقد مع البارصا وتنضم إلى ريال مدريد. لم يكن أمام فيغو في واقع الأمر سوى خيار واحد، وهو الإنضمام للريال، إذ إنه أدرك سلفاً أن جماهير البارصا لن تسامحه حتى ولو دفع 30 مليونا لبيريز بسبب تجرئه على التفكير بالإنتقال إلى الريال وتوقيعه لاتفاق مبدئي معه. الإستقبال الشهير في كامب نو بالطماطم والبيض حقق لويس فيغو مع ريال مدريد حلمه بالفوز بلقب دوري أبطال أوروبا في العام 2002، كما فاز بلقب بطولة الدوري مرتين وبألقاب عدة أخرى، من بينها كأس أندية العالم الانتركونتيننتال عام 2002 على حساب أولمبيا الباراغوياني في طوكيو، لكن زيارة واحدة في الموسم إلى ملعب الكامب نو كانت كافية لتحويل جنة النعيم التي يعيش بها إلى جهنم تكويه بنارها من الناحيتين النفسية والبدنية لأيام وأسابيع..أتاحت إدارة الريال الفرصة أمام فيغو لعدم لعب مباراة الكلاسيكو في "الكامب نو" أو أن يبدأ كاحتياطي فيها، لكنه رفض وطلب مواجهة برشلونة.. وقد تم استقبال النجم البرتغالي بالحجارة والطماطم والبيض من قبل مجموعة بوكسيوس نويز المتعصبة على باب الفندق..بعد ذلك انتقل لاعبو الريال إلى الملعب الذي بدا أشبه ببركان ثائر وذلك قبل ساعتين من مباراة الكلاسيكو... لم يشارك فيغو زملاءه المران إلا قبل دقائق معدودة فتدرب بشكل خفيف قبل أن يعاود الدخول لاحقاً لبدء المباراة وسط أجواء مشتعلة وصافرات استهجان تصم الآذان ولافتات أغلبها حمل كلمة "Judas" وهي تعني باللاتينية اليهودي والمقصود بها "الخائن"، في حين قام العديد من مشجعي البارصا بحرق صور فيغو على المدرجات.. ورغم تقدم البارسا في تلك المباراة بهدفين، لكن ثائرة المشجعين الكاتالونيين لم تهدأ طوال الدقائق التسعين، وكان المشهد الأكثر رسوخاً في الذاكرة هو قيام أحد المشجعين برمي رأس خنزير إلى أرض الملعب أثناء محاولة فيغو تنفيذ ركلة ركنية، وهذا الرأس موجود في أحد متاحف ألمانيا وتحديداً في مدينة إيسين، حيث تم شراؤه بالمزاد العلني. فيغو يهاجم جماهير البارصا ويصفهم بالأغبياء لم يتمالك فيغو أعصابه، وقال بعد المباراة: "جمهور برشلونة أغبياء.. لا يعرفون معنى الاحتراف.. لقد ذهبت إلى النادي الأقوى وهو ريال مدريد، وسأرد لهم الدين في سانتياغوبرنابيه، وسننتصر عليهم هناك وهذا وعد مني. وفّى فيغو بوعده وسجل أحد هدفي فريقه في مباراة الإياب التي انتهت بنتيجة 2-0، ليحرز الريال في ذلك الموسم لقب الليغا..سنوات عدة مرت بعد ذلك، تبادل خلالها فيغو والبارصا الإنتصارات والهزائم، واللكمات من تحت الحزام، لكن هذه السنوات لم تنسِ جماهير برشلونة خيانة فيغو لهم، وترجم ذلك أحد المشجعين المعروفين بهوايته في اختراق المستطيل الأخضر عندما دخل إلى ملعب لالوز في العاصمة لشبونة خلال نهائي يورو 2004 ليقذف لويس فيغو بوشاح برشلونة في وجهه من أجل تذكيره دوما بما اقترف في صيف العام 2000. الأقدار شاءت أن يعود فيغو إلى الكامب نو قبل بضعة أشهر ولكن بصفة إدارية مع ناديه الأنتر الذي تمكن من العبور إلى المباراة النهائية لدوري الأبطال رغم هزيمته 0/1 وليتوج لاحقاً باللقب على حساب بايرن ميونيخ.