رغم أن الكثير من ولايات الجنوب والجنوب الكبير على غرار تمنراست، أدرار، إليزي، وتندوف تعرف حركة تنقل واسعة للعمال والموظفين من هذه الولايات نحو الشمال لاعتبارات مرتبطة بنمط الحياة، وفي أحيان أخرى غياب وسائل الاستقرار وغلاء المعيشة وصعوبة التأقلم الذي تشكو منه شريحة من العمال والموظفين والإطارات، تسجل ذات الولايات توافد الإطارات والموظفين من مختلف المستويات والرتب، ولا يختلف في ذلك المسؤولين المعيّنين بمراسيم أو موظفون في الإدارات والعمال المهنيون، ولا تمس الظاهرة قطاع دون آخر، إلا أن قطاعات الصحة والتربية والمحروقات تستقبل أكبر نسبة من هؤلاء العمال. امتيازات التقاعد أهم الأهداف المرجوة... ففي الوقت الذي يبدأ الكثير من الأعوان العموميون في مختلف الأسلاك في منظومة الوظيفة العمومية أو في المؤسسات الاقتصادية والخدماتية مشوارهم المهني بالمنطقة الجنوبية للوطن، تسجل كذلك نسبة معتبرة من هؤلاء ممن يلتحقون للعمل بالجنوب في أواخر مسارهم الوظيفي، وأحيانا في الخمس سنوات الأخيرة من مدة خدمتهم أو هم على مشارف التقاعد، حيث يعتبر منصبهم بتلك الولايات آخر مشوارهم الوظيفي، والقاسم المشترك بين أغلب الوافدين هو الحصول على الامتيازات الممنوحة للعمال بالجنوب بعد الإحالة على التقاعد، رغم أن عدد من هؤلاء تستقر بهم الأمور ليبقوا بالمنطقة حتى بعد خروجهم من الوظيفة.
"م.مصطفى" إطار متقاعد في قطاع التربية: هدفي تحسين ظروفي المالية بعد التقاعد عمل مديرا لثانوية بولاية الطارف قبل أن يطلب التحويل إلى إحدى بلديات ولاية تمنراست، وأحيل على التقاعد منذ الفاتح من شهر أوت الماضي، يعتبر مصطفى بأن تحويله إلى العمل بالمنطقة الجنوبية، كان شبه مغامرة في بداية الأمر بسبب جهله لظروف الحياة والعمل بأقصى الجنوب في، بيد أنه رسم هدفا لتحسين ظروفه والاستفادة من الامتيازات الممنوحة للموظفين بالولايات الجنوبية، بعد الإحالة على التقاعد، حيث لم يكن يتقاضى قبل قدومه إلى المنطقة سوى 32 ألف دينار، قبل أن يتضاعف هذا الأجر بفضل الامتيازات الخاصة بالمنطقة، حيث عاش مصطفى عامه الخامس والأخير بالجنوب بعيدا حتى عن أولاده وأسرته التي تركها بمدينة عين العسل التابعة لولاية الطارف، بعد أن فضل أولاده العودة إلى الشمال، وهو يتقاضى اليوم بعد الإحالة على التقاعد قرابة 47 ألف، في حين كان سيتقاضى قرابة نصف هذا المبلغ لو بقي بالمنطقة التي قدم منها، ويقول مصطفى إن الصعوبة في التأقلم مع ظروف الجهة وغلاء المعيشة، إحدى التحديات التي واجهها بكل صبر في بداية الأمر، حيث أكد أنه نجح في مهمته من خلال ترتيب الثانوية التي كان يديرها ضمن أفضل المؤسسات، من حيث نتائج البكالوريا العام الفارط بالولاية، ويضيف مصطفى إن العمل بالمنطقة فرصة ذهبية للموظف بالنظر إلى الكثير من الامتيازات التي يوفرها المنصب بالجنوب من خلال المنح الخاصة بالمنطقة والمقدرة ب35 من المائة من منحة المنطقة و90 من المائة من منحة الجنوب، وكلها خاضعة لاقتطاع صندوق التقاعد، والتي تعود عليه بالفائدة بعد انتهاء المسار المهني والإحالة على التقاعد.
"ك.علي" متقاعد من مؤسسة سوناطرو: الحياة عادية بالجنوب والنتيجة أفضل بعد التقاعد عمل عمي "علي" بموسسة سوناطرو بجنوب ولاية إليزي، وتحديدا بمدينة جانت، علي عبّر عن إعجابه بالحياة في المنطقة، بعد أن نسج علاقات طيبة مع الكثير من سكان المدينة، يقول إنه عمل 16 عاما بالمنطقة كسائق لإحدى مركبات الأشغال العمومية في العديد من المشاريع في قطاع الطرقات، منها مشروع عصرنة مدرج مطار جانت بولاية إليزي، علي يصرح أنه وبعد مسيرته المهنية، أصبح مضطرا على العودة إلى مسقط رأسه، ليرعى أولاده بمنطقة العامرية بولاية عين الدفلى، علي أفادنا بأن المعاش الذي يتقاضاه من عمله بالجنوب قرابة الضعف لما يتقاضاه زملاؤه العاملين بالشمال وتحديدا على مستوى المقر الرئيسي للمؤسسة، والواقع بولاية بومرداس، والذين لم تكن لهم فرصة العمل بالجنوب، وفضلا عن ذلك سمح له العمل بالجنوب ببناء بيته والذي يسكن فيه بعد التقاعد.
"م.عباس" أستاذ متقاعد من قطاع التربية: عانيت في بداية مشواري لكنني جنيت ثمار جهدي عمل أستاذ علوم الطبيعة والحياة بثانوية إحدى بلديات إليزي، يصرح عباس المنحدر من ولاية تيارت باختلاف معاش التقاعد بين الموظفين الذين عملوا بولايات الجنوب، وخصوصا الجنوب الكبير، وباقي المناطق الواقعة في الشمال، حيث يعتبر أن الفرق شاسعا، فضلا عن ذلك، يقول عباس، فإن الترقية في السلم بولايات الجنوب أسرع بالمقارنة مع ولايات الشمال بحكم الإجراءات التي تمنح امتياز أقدمية الجنوب، حيث أن عمل الموظف لعام واحد بالمنطقة تمنحه زيادة في الأقدمية بنصف عام إضافي، وهو ما يسهم في تثمين أجر الموظف العامل بهذه الولايات في فترة وجيزة، بالمقارنة مع نفس الرتبة بالشمال، كان هدف عباس ضمان معاش يحفظ لأولاده الخمسة أهم المصاريف خلال فترة الخدمة، لكن يبقى أهمها نيل الحقوق المترتبة على المعاشات الممنوحة للمحالين على التقاعد بالمنطقة بعد أكثر من ثلاثين سنة من العمل في قطاع التربية، حيث أكد لنا عباس أنه قاسى ظروف منهكة في السنوات الأولى من عمله بالجنوب، حيث كان يؤجر سكنا لدى أحد الخواص قبل أن يمنح له سكن وظيفي، "لكنني جنيت ثمار جهدي".
الفروق الشاسعة في معاش التقاعد، بعد صبر وتفان... هذه العينات التي اتصلت بها "الشروق" منها من يوجد بعيدا عن المنطقة في الوقت الحاضر، تعتبر نموذجا عن ظاهرة اجتماعية لعمال وموظفين وإطارات أفنوا أعمارهم في الخدمة بالولايات الجنوبية للوطن من أجل لقمة عيش تحفظ كرامتهم أثناء فترة الخدمة وبعدها، حيث يعتبر الإقبال على العمل بولايات أقصى الجنوب أو في حالات كثيرة إنهاء للمسار المهني بالمنطقة هدفه الاستفادة من المزايا الممنوحة بموجب العديد من المراسيم والتشريعات على غرار المرسوم التنفيذي 95 / 28 الذي أقره رئيس الحكومة الأسبق مقداد سيفي منذ 1995 والقاضي بمنح بعض الامتيازات للإطارات العاملة بالجنوب الكبير وتحديدا ولايات تمنراست، تندوف، أدرار، وإليزي، والذي أقر تحفيزا يخص التعويض النوعي للمنصب تتراوح نسبته بين 80 و90 من المائة تختلف بين مقر الولايات ومقرات البلديات، وتعويض 50 من المائة، ومنح أخرى على غرار منحة المنطقة المقدرة في حدود 35 من المائة من الأجر، يضاف ذلك إلى ما تمخض عن تطبيق السلم الجديد للأجور الناجم عن قانون الوظيف العمومي لسنة 2006، بالنسبة للموظفين العاديين والمسؤولين الذين تحتسب لهم بعض المنح على أساس منصبهم الأصلي في الوظيفة رغم توّليهم منصب المسؤولية، حيث تتراوح معاشات بعض الإطارات الذين شغلوا مناصب سامية بالجنوب بموجب مرسوم على غرار المدراء التنفيذيون بالولايات بعد الإحالة على التقاعد بين 80 و180 ألف دينار شهريا حسب الرتبة والمنصب النوعي للموظف، حيث يتقاضى هؤلاء معاشاتهم من خزينة صندوق التقاعد الخاص بالإطارات السامية بنسبة 80 من المائة من أجرهم خلال فترة الخدمة، وهو الإجراء الذي يخص الإطارات التي قضت خمس سنوات الأخيرة من مسارهم المهني في المنطقة، وكذا 15 سنة من التعيين بالمرسوم خلال الفترة الأخيرة من الخدمة، والنسبة ذاتها بالنسبة للإطارات المتوسطة ومختلف الرتب الأخرى للوظيفة العمومية الخاضعين لإجراءات الصندوق الوطني للتقاعد، فيما يستفيد العمال العاديون بالمؤسسات الاقتصادية بالمنطقة من جملة من المنح الخاضعة أيضا للاقتطاع لصندوق التقاعد، وتمثل هذه التحفيزات مجتمعة أهم الأسباب الجاذبة للعمل بالجنوب.