لا يختلف اثنان على أن مياه الينابيع والمعدنية أصبحت اليوم أكثر مطلبا من طرف المستهلكين من أي وقت مضى، بل ضرورة ملحة لاستعمالها اليومي في الشرب، كونها خالية من المواد الكيميائية الضارة بعد ما قاطعوا بالجملة مياه الحنفيات، هذه الأخيرة التي اصبح هؤلاء لا يثقون فيها ويخشون شربها خوفا على صحتهم من أمراض قد تفتك بهم نظرا لتغير طعمها تارة ولونها في كثير من الحالات، وهي التي ظلت طوال سنوات مضت المصدر الأول لتزويد المواطنين بمياه الشرب رفقة مياه الينابيع والآبار. تعددت تسميات المياه المعدنية والينابيع بالجزائر مع ولوج بعض المستثمرين هذا المجال الذي أصبح الطلب عليه يتضاعف من سنة لأخرى من طرف المستهلك، فرارا من الأمراض وحفاظا على سلامته وأبنائه حتى أنها أصبحت ضرورة للرضع بعد ما تخلى الأولياء عن طريقة غلي الماء التقليدية وخلطه بحليب الرضاعة قبل منحه للرضع، بل وتعدت استعمالات هذه المياه لتتحول إلى أهم المواد التي تُحمل ضمن "قفة عيادة المريض".. وان ظلت كل من "سعيدة" و"موزاية" أهم المنتجات التي تربعت على عرش السوق المحلية طيلة عقد من الزمن قبل أن يفرض الاستيراد الدعوة للاستثمار ورفع طاقة الإنتاج وتنوعه بمناطق عديدة من الوطن.. .لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا تخلى المستهلك الجزائري عن مياه الحنفيات؟ هل تعتبر غير صالحة للشرب؟ أم أن مياه السدود غير معقمة بطريقة علمية بسبب اللون والرائحة، أو أن الأمر يتعلق بإضافة المواد الكيمائية؟ وهل تعتبر المياه المعدنية بالمقابل أكثر صحية ومطابقة للمقاييس؟ التجار: "نبيع المياه المعدنية أكثر من الحليب" جولتنا لبعض المحلات التجارية، استوقفتنا عند مدى الطلب الذي تعرفه هذه المياه، فكان رد اغلب التجار أنها تحولت وفي ظرف وجيز إلى أهم المواد الاستهلاكية، بل الأكثر طلبا من طرف الزبائن المستهلكين، ويتضاعف الطلب على هذا النوع من الماء خلال فصل الصيف سواء بالنسبة للعائلات أو المصطافين وحتى الفنادق والمطاعم بشكل مضاعف، بل وصل ببعض التجار إلى نعت هذه المياه المعلبة بالذهب الأزرق عندما أكدوا انه أصبح مستهلكا أكثر من الحليب رغم أن هذا الأخير يحتوي على فيتامينات كثيرة من بينها الماء، إلا أن الطلب عليه يتضاءل مقارنة بالمياه المعدنية حتى أن المشروبات بكل أصنافها لا يمكن أن تحل محل ما يتم بيعه يوميا من "فاردوات" رغم الثقل المادي الذي يقع على عاتق المواطن من مصاريف إضافية. تغير اللون والمذاق.. والأوساخ وغسل السيارات بالسدود سبب العزوف نسبة كبيرة من المواطنين الذين تحدثت إليهم "الشروق"، تؤكد أنها هجرت مياه الحنفيات، بل تكاد تستعملها للغسيل أو الطهي في أحيانا كثيرة، وعن سبب هروب الكل من تلك المياه التي يجبرون على تسديد فواتيرها كل فصل دون استغلالها للشرب، وهي التي ظلت المنبع الأول لهم طيلة السنوات الماضية، بل كان الطلب بأضعاف مضاعفة على هذا المورد خلال سنوات التسعينات بعد الجفاف الذي عرفته حنفيات مختلف مناطق الوطن أكثرها بالجهة الغربية وما لازمها من ظواهر سلبية ما جعل حتى بعض الفنانين يستغلون الأوضاع لإطلاق العنان لمؤلفاتهم التي تصب في هذا الاتجاه لوضع المشهد صوب الأعين، بطريقة تهكمية وأخرى دراماتيكية قابلها وقتها غياب مشاريع السدود، تصريحات أخرى لمواطنين عزفوا عن شرب مياه الحنفيات أرجعت السبب إلى المشاهد التي وقفوا عليها حين زيارتهم للسدود منهم من يقصد المنطقة لغسل سيارته ومنهم من يلعب بمياهها، في حين لا تزال صور تجمع الأوساخ والقاذورات لا تفارق مخيلتهم. أكدت أنها تضمن مراقبة نوعية وفقا للمقاييس.. "سيال": من هنا تأتي مياه الحنفيات.. وهذه أسباب تغير اللون والطعم تؤكد تصريحات كل من مدير استغلال مياه مؤسسة "سيال" سليمان بونوح ومديرة المخبر ليلى فراح ل"الشروق"، أن المياه المعالجة الموزعة للزبائن، مراقبة بطريقة ممنهجة وبطريقة آلية لمدة 24سا/24سا من نقطة تجميع المياه سواء مياه جوفية أو من محطات المعالجة إذا تعلق الأمر بالمياه السطحية، كما تتم مراقبة إضافية على مستوى محطات الضخ بالخزانات وأبراج المياه، فضلا عن شبكات التوزيع إلى غاية عدادات الزبون. تحاليل واختبارات الكلور تجرى يوميا من قبل وكلاء الجودة ل"سيال" بغية ضمان نوعية جيدة للمياه الموزعة، حيث تضمن الشركة من خلال مخبرها المركزي المعتمد وفق معيار "17025 ISO"، تضمن مراقبة نوعية للمياه وفقا للتنظيمات والقوانين الجزائرية، فمتوسط 20 ألف مراقبة يضمنها المخبر المركزي، وأضاف المتحدثان أن المياه الموزعة من قبل "سيال" مطابقة لمقاييس مياه الشرب بنسبة 100 بالمائة. أما عن ظاهرة تغير لون ورائحة المياه من فترة لأخرى، فذكر هؤلاء أن مؤسستهم مثلها مثل باقي الشركات المنتجة للمياه، حيث تسجل مثل هذه الحالات تزامنا وارتفاع درجات الحرارة الشديدة والتي لها علاقة بنمو الطحالب الموسمية، خاصة في فصل الصيف، فرغم الطعم الذي تتركه، إلا أن ذلك لا يؤثر على الصحة. وأرجع هؤلاء تغير اللون في بعض الأحيان إلى وجود الأتربة الناتجة عن أشغال أنابيب الشبكة أو يعني وجود معدن المنغنيز بسبب انخفاض مستوى السد وهنا وجب حشد طبقات من المياه المنخفضة مع مستويات أعلى من المنغنيز، معتبرين أن الظاهرة تتأتى عند انخفاض مستوى السدود مع ارتفاع درجات حرارة مياه السدود، وأن معدن المنغنيز لا يشكل أي خطر على صحة الإنسان. وللقضاء على مشكل الطعم والرائحة واللون، تقوم "سيال" بتعديل عملية المعالجة، يليها تنظيف جميع خزاناتها وشطف شبكة التوزيع بأكملها. وعن مصدر مياه الحنفيات، أكد المتحدثان أنها مختلفة باختلاف المنطقة، فيمكن أن تكون من محطة تحلية البحر، جوفية تحت الأرض "ينابيع أو آبار"، من الجداول المائية، كما يمكن أن تكون مياها سطحية من السدود، وقد تكون مزيجا بين كل من المياه السطحية والجوفية ومياه البحر المحلاة، وبشأن المواد التي تضاف لمياه الحنفيات فتستعين "سيال" بالمعالجة المسبقة بالكلور لمنع مختلف الأمراض المتنقلة عن طريق المياه. المديرية العامة للجزائرية للمياه ADE: مياهنا صالحة للشرب وخاضعة للمعايير القانونية طمأن المدير العام للجزائرية للمياه حسين زعير، الزبائن، أن كل المياه الموزعة من طرفهم صالحة للشرب وتخضع للمقاييس الصحية والقانونية الرسمية المتعامل بها، مؤكدا انه ليس لها أي تأثير غير مرغوب فيه على صحة المستهلك. من جهة أخرى، تؤكد المؤسسة وعلى لسان بلخوجة، مسؤول بالمؤسسة، أن المياه التي توزع تجاه حنفيات الزبائن تعتمد بدرجة اكبر على المياه الجوفية بنسبة 46 بالمائة، 38 بالمائة مياه سطحية، في حين تبقى 16 بالمائة الأخيرة فهي من مياه تحلية البحر، مصدر آخر من المؤسسة يؤكد أن الطعم أو اللون حين يتغير يكون سببه الكلور، فحين تغلق الحنفية على سبيل المثال يتراكم الكلور وعند فتحها يشاهد المستهلك تغير اللون أو الذوق ما يفتأ أن ينجلي بعد أقل من دقيقتين على فتح الحنفية. الفدرالية الوطنية لحماية المستهلك: 60 بالمائة من الجزائريين يفضلون المياه المعدنية.. ومياه الحنفيات بالجنوب غير صالحة للشرب أكد رئيس الفيدرالية الوطنية لحماية المستهلك زكي حريز في تصريح ل"الشروق"، أن نحو 60 بالمائة من الجزائريين فروا نحو المياه المعدنية في استعمالاتهم اليومية للشرب بعد ما هجروا مياه الحنفيات، في حين تتضارب أرقام البقية ما بين استغلال مياه الآبار أو الينابيع والمياه المحلاة مثلما هو متعامل به في بعض أحياء مدينة وهران، مشيرا أن اغلب مدن الصحراء، حسب ما وقفت عليه الفيدرالية من تحاليل وفق الشكاوى التي وصلتها غير صالحة للشرب، بل يكاد السكان يستعملونها للغسيل فقط حتى أن كثرة البيكاربونات به تجعل من يغتسل به يفر إلى أنواع أخرى من المياه التي يقتنونها بأموالهم، حتى أن التجربة تؤكد استحالة تشكيل رغوة بالصابون إذا اختلط بهذه المياه، وهو ما سجلته الفيدرالية بمنطقة وادي سوف نظرا لنوعية المياه.. ورقلة، أدرار هي الأخرى تعاني حنفياتها من مياه غير صالحة للشرب نتيجة ارتفاع نسبة الكلس مقابل قلة المشاريع التي تهم محطات التصفية. وعن مطابقة المياه المعدنية المحلية للمقاييس، أكد حريز أن كل التحاليل التي وقفت عليها الفيدرالية ومعهد "باستور" الذي يقوم بالمراقبة الدورية، تؤكد مطابقتها، في حين لم يسجل أي خرق أو تلوث سوى لعلامة واحدة منذ سنتين تم الإعلان عنها، وعاد رئيس الفيدرالية الوطنية لحماية المستهلك للحديث عن طريقة نقل المياه المعدنية المعبأة بالقارورات في ظروف غير صحية والمعرضة منها لأشعة الشمس، حيث تمثل – حسبه – اكبر عدو للصحة/ أين تتحلل مادة "البوليمار" من البلاستيك لتنفذ في المياه، مسببة أعراضا صحية خطيرة وعلى رأسها مرض السرطان. الينابيع والمياه المعدنية بديل سكان البويرة عن الحنفيات رغم توفر ولاية البويرة على طاقة استيعاب مائية هائلة بفضل سدودها الثلاثة، ورغم بلوغ نسبة الربط بشبكات الماء الشروب بالولاية درجات متقدمة، إلا أن المواطن البويري يسجل عدم رضاه عن جودة المياه المقدمة وسلامتها في كل مرة، بل ويشك في تلوثها أحيانا وتغير رائحتها، فضلا عن خطورة المواد المستعملة في تطهيرها رغم تطمينات مصالح المياه المتكررة حول جودتها وسلامتها، لترتفع في المقابل معادلة نفور المواطن منها ولجوئه إلى مياه الينابيع بالأرياف والمياه المعدنية رغم تكلفتها. ويرجع الكثير من سكان البويرة نفورهم من شرب مياه الحنفيات إلى سببين اثنين، أولهما تغير ملحوظ في رائحة وطعم المياه التي تصل حنفياتهم منذ بداية ربطها بمياه السدود لاسيما الجهة الشرقية المربوطة بسد تالسديت، حيث يشتكي سكان المنطقة من رائحة غريبة بالمياه تتسبب حسبهم في كثير من الأحيان في حدوث إسهال وأعراض أخرى لمستهلكيها، أما السبب الثاني حسبهم فهو تلوث الشبكات في أماكن مختلفة ومنها ما هو مختلط بشبكات الصرف الصحي جراء قدمها واهترائها أو ما تعانيه من تسربات كثيرة ومتعددة، فيما يرجع بعض السكان أسبابه إلى خشيته من تأثير المواد المستعملة في تطهير المياه على صحته وسلامته لاسيما مادة الكلور المرتفعة، إضافة إلى نوعية بعض الشبكات القديمة المصنوعة من مادة الأميونت المسببة للسرطان. مواطنون يؤكدون: "عناء جلب مياه الينابيع وتكاليف المياه المعدنية خير من عناء الأمراض وتكاليف علاجها" هذا الوضع دفع بهؤلاء السكان إلى مقاطعة مياه الحنفيات واللجوء إما إلى مياه الينابيع المنتشرة بالخصوص في الأرياف، والتي تعتبر مياهها أكثر صحية وطبيعية، حيث يلاحظ تجمع العشرات منهم يوميا، خاصة في الفترة المسائية أمام تلك الينابيع وأحيانا في شكل طوابير بدلائهم رغم بعد مقرات سكناتهم للحصول عليها واستعمالها في الشرب كبديل عن مياه الحنفيات، وهو ما أكده لنا عمي رابح صاحب 58 سنة، حيث يقطع مسافة 5 كلم يوميا لجلب مياه منبع " تالاوقني" المشهورة بعذوبتها وخلوها من الكلس عكس مياه الحنفيات التي سببت له كما قال أحجارا صغيرة بكليته كلفته عملية جراحية، مضيفا آخر بأن أبناءه يصابون بإسهال في كل مرة يشربون مياه الحنفيات بحيهم المعروف بانتشار نقاط تسربات للشبكة واحتمال اختلاطها بمياه الصرف الصحي المهترئة بدورها. أما صنف آخر من ميسوري الحال أو ممن يصعب عليه التنقل إلى تلك الينابيع يوميا، فيلجأ إلى المياه المعدنية كبديل رغم تكاليفها، حيث ازداد رواج تلك المياه بالمحلات وبمختلف التسميات والأصناف كلما زاد توسع شبكة الربط بالمياه الشروب، وهي معادلة غريبة، حسب ما أبرزه لنا صاحب محل للمواد الغذائية الذي كشف بأن رواج المياه المعدنية سواء القارورات بسعة 1 لتر أو 5 لتر في ارتفاع مستمر ويبيع منها العشرات يوميا رغم فصل الشتاء الذي تقل فيه نسبة استهلاك المياه، ليضيف لنا أحد الزبائن، وهو إطار في مصلحة عمومية بأنه يخصص ميزانية هامة من أجرته لاقتناء المياه المعدنية، معتبرا إياها أكثر صحية مقارنة بمياه الحنفيات التي قال بأنها تتسبب في عدة آثار صحية منها تلوث الأسنان وتساقطها بسرعة بسبب ارتفاع مادة الكلور بها، مضيفا بأن عدة دول تخلت عن هذه المادة في تطهير المياه لخطورتها. عائلات بسيدي بلعباس قاطعت مياه الحنفيات منذ سنوات طويلة أضحت الكثير من العائلات بولاية سيدي بلعباس، تجبر على إنفاق مصاريف اقتناء قارورات المياه المعدنية كل شهر، بسبب مخاوفها من المضاعفات الصحية التي قد تلحق بها، بمجرد تناولها لمياه الحنفيات ذات اللون البني والرائحة الكريهة أحيانا. فضلا عن فاتورة استهلاك المياه، التي تدفعها بانتظام، أصبحت الكثير من العائلات بمختلف مناطق ولاية سيدي بلعباس، تنفق بين 1200 إلى 1500 دج شهريا، لاقتناء قارورات المياه المعدنية، لتفادي إنفاق ما هو أكبر في حالة إصابتها بالأوبئة والأمراض المتنقلة عن طريق المياه التي تصل حنفياتها، والتي تحمل رائحة كريهة واللون البني أحيانا، منذ سنوات طويلة، وإن كانت الجهات المسؤولة قد خففت في العديد من المناسبات من مخاوف المواطنين، وطمأنتهم بشأن تناول المياه الموزعة على مساكنهم، باعتبار أنها مياه معالجة باستعمال مختلف المواد المطهرة، إلا أن ذلك لم يدفع الكثير من العائلات للعدول عن قرار مقاطعتها لتناول مياه الحنفيات، وهو الوضع الذي لم تتحمله العائلات المحدودة الدخل، وجعلها تبحث عن بدائل أخرى تعفيها من إنفاق مصاريف إضافية للحصول على كميات من ماء – صالح للاستهلاك – باعتمادها على جلبها من مختلف المناطق التي تعرف تدفق مياه الينابيع الطبيعية، على غرار منطقة العطوش بأعالي جبال تسالة، وبلدية عين البرد، وإن كانت السلطات المحلية بهذه البلدية، اعتمدت نظام توزيع جديد، بعد ما أصبحت المنطقة قبلة للبعض الذين حولوا مياهها إلى سلعة تسوق على المواطنين، الذين يتعذر عليهم التنقل إلى المكان الذي يبعد عن عاصمة الولاية بنحو 32 كلم.