السيدة منصوري تترأس أشغال الدورة ال 38 لاجتماع لجنة نقاط الاتصال الوطنية للآلية على المستوى الأفريقي    الفريق أول شنقريحة يشرف على مراسم التنصيب الرسمي لقائد الناحية العسكرية الثالثة    اجتماع تنسيقي لأعضاء الوفد البرلماني لمجلس الأمة تحضيرا للمشاركة في الندوة ال48 للتنسيقية الأوروبية للجان التضامن مع الشعب الصحراوي    العلاقات الجزائرية الصومالية "متينة وأخوية"    وزارة التضامن الوطني تحيي اليوم العالمي لحقوق الطفل    فلاحة: التمور الجزائرية تصدر إلى أكثر من 90 دولة    وزير الصحة يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    غزة: ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 44056 شهيدا و 104268 جريحا    المجلس الأعلى للشباب ينظم الأحد المقبل يوما دراسيا إحياء للأسبوع العالمي للمقاولاتية    رفع دعوى قضائية ضد الكاتب كمال داود    الأسبوع العالمي للمقاولاتية بورقلة:عرض نماذج ناجحة لمؤسسات ناشئة في مجال المقاولاتية    صناعة غذائية: التكنولوجيا في خدمة الأمن الغذائي وصحة الإنسان    منظمة "اليونسكو" تحذر من المساس بالمواقع المشمولة بالحماية المعززة في لبنان    كرة القدم/ سيدات: نسعى للحفاظ على نفس الديناميكية من اجل التحضير جيدا لكان 2025    فلسطين: غزة أصبحت "مقبرة" للأطفال    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    "صفعة قانونية وسياسية" للاحتلال المغربي وحلفائه    الجزائر متمسّكة بالدفاع عن القضايا العادلة والحقوق المشروعة للشعوب    بحث المسائل المرتبطة بالعلاقات بين البلدين    حج 2025 : رئيس الجمهورية يقرر تخصيص حصة إضافية ب2000 دفتر حج للأشخاص المسنين    قمة مثيرة في قسنطينة و"الوفاق" يتحدى "أقبو"    بين تعويض شايل وتأكيد حجار    الجزائرية للطرق السيّارة تعلن عن أشغال صيانة    تكوين المحامين المتربصين في الدفع بعدم الدستورية    90 رخصة جديدة لحفر الآبار    خارطة طريق لتحسين الحضري بالخروب    المجلس الوطني لحقوق الإنسان يثمن الالتزام العميق للجزائر بالمواثيق الدولية التي تكفل حقوق الطفل    ارتفاع عروض العمل ب40% في 2024    40 مليارا لتجسيد 30 مشروعا بابن باديس    طبعة ثالثة للأيام السينمائية للفيلم القصير الأحد المقبل    3233 مؤسسة وفرت 30 ألف منصب شغل جديد    مجلس الأمن يخفق في التصويت على مشروع قرار وقف إطلاق النار ..الجزائر ستواصل في المطالبة بوقف فوري للحرب على غزة    ..لا دفع لرسم المرور بالطريق السيار    الشريعة تحتضن سباق الأبطال    الوكالة الوطنية للأمن الصحي ومنظمة الصحة العالمية : التوقيع على مخطط عمل مشترك    دعوة إلى تجديد دور النشر لسبل ترويج كُتّابها    مصادرة 3750 قرص مهلوس    فنانون يستذكرون الراحلة وردة هذا الأحد    رياضة (منشطات/ ملتقى دولي): الجزائر تطابق تشريعاتها مع اللوائح والقوانين الدولية    خلال المهرجان الثقافي الدولي للفن المعاصر : لقاء "فن المقاومة الفلسطينية" بمشاركة فنانين فلسطينيين مرموقين    الملتقى الوطني" أدب المقاومة في الجزائر " : إبراز أهمية أدب المقاومة في مواجهة الاستعمار وأثره في إثراء الثقافة الوطنية    رئيس الجمهورية يشرف على مراسم أداء المديرة التنفيذية الجديدة للأمانة القارية للآلية الإفريقية اليمين    سعيدة..انطلاق تهيئة وإعادة تأهيل العيادة المتعددة الخدمات بسيدي أحمد    ارتفاع عدد الضايا إلى 43.972 شهيدا    فايد يرافع من أجل معطيات دقيقة وشفافة    القضية الفلسطينية هي القضية الأم في العالم العربي والإسلامي    حقائب وزارية إضافية.. وكفاءات جديدة    تفكيك شبكة إجرامية تنشط عبر عدد من الولايات    انطلاق فعاليات الأسبوع العالمي للمقاولاتية بولايات الوسط    ماندي الأكثر مشاركة    الجزائر ثانيةً في أولمبياد الرياضيات    هتافات باسم القذافي!    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الشروق‮ اليومي‮ تقضي‮ ليلة‮
نشر في الشروق اليومي يوم 20 - 05 - 2007

إذا كان أغلبية الناس يتقززون من مهنة الزبال وينفرون منها فإنها عند الحكماء من أشرف المهن وفي نظر الدعاة وعلى رأسهم الداعية الكبير عمر عبد الكافي فإن الزبال أفضل عند الله من مدير بنك، لأن الأول يقوم بإماطة الأذى عن الطريق فينال الراتب والأجر معا، بينما الثاني‮ يتعامل‮ بالربا‮ المحرم‮ شرعا‮. ويكفي‮ الكناس‮ فخرا‮ أنه‮ يقدم‮ أنبل‮ خدمة‮ للمجتمع‮ ولولاه‮ لاستحالت‮ الحياة‮ في‮ المدن‮ وهلك‮ الناس‮.‬
من‮ هذا،‮ فضلت‮ "‬الشروق‮ اليومي‮" النزول‮ إلى‮ الميدان‮ وقضاء‮ ليلة‮ كاملة‮ مع‮ الكناسين‮ لتفقد‮ أحد‮ أبسط‮ وأعقد‮ وأقدم‮ مهنة‮ عرفها‮ البشر‮.‬ البعض يدعوه الزبال ويربط مهنته مباشرة بالزبالة، والبعض الآخر يسميه الكناس نسبة للمكنسة، ولتلطيف العبارة يدعونه عامل النظافة. وباختلاف نظرة الناس تتجلى أهمية هذا العنصر الاجتماعي الذي لا يمكن في كل الأحوال الإستغناء عنه باعتباره عاملا مهما في معادلة الحياة، فلو تصورنا مدينة بدون زبال فأكيد أن الهلاك سيحل بسكانها.
والمعروف في كل دول العالم أن أخطر إضراب هو إضراب الزبالين، ففرنسا مثلا لا تعير اهتماما كبيرا لإضراب عمال الإدارات أو الشركات، لكن عندما يتعلق الأمر باحتجاج الزبالين فالحكومة بكاملها تهتز ولا تقعد حتى تجد لهم حلا وتلبي طلباتهم دون نقاش، لأن الجميع يعلم بأن هذه الفئة المحقورة إذا تحركت واحتجت فإنها قادرة على زعزعة أركان الدولة. نعم كل هذا يمكن أن يأتي من فئة تخطاها الناس ولم يعيروا لها أي اهتمام. ولفتح هذه النافذة المغلقة دوما، نزلنا ليلا بمدينة العلمة لقضاء ليلة مع عمال النظافة وبالضبط مع السيد سليم عقون، البالغ من العمر 44 سنة، متزوج وأب لثلاثة أطفال (أمين 16 سنة، شافية 13 سنة، أميرة 5 سنوات)، وهو يعمل بمصلحة النظافة ببلدية العلمة منذ 16 سنة وبمجرد أن التقيناه وعرضنا عليه فكرة مصاحبته في عمله، رحب بالفكرة وأبدى موافقته بكل تفاخر، مؤكدا بأنه يحب عمله ويعتز به، فبالإضافة إلى كونه عامل بالبلدية ويذهب في نهاية كل شهر إلى مركز البريد لتقاضي أجرته فإنه في نفس الوقت يشعر بأنه سيد الرجال، لأنه يخدمهم ويدفع عنهم شرا كبيرا اسمه القاذورات، ومن هذا المرجع بدأت رحلتنا‮ مع‮ محترف‮ مهنة‮ النظافة‮ فكانت‮ الإنطلاقة‮ من‮ مسكنه‮ الكائن‮ بحي‮ 400‮ مسكن‮.
‬وللكناسين‮ أيضا‮ نظامهم
الساعة الآن تشير إلى 02:30 سا صباحا، انه موعد استيقاظ سليم الذي اعتاد على مفارقة فراشه كل يوم في مثل هذا التوقيت، ففي بداية سنوات العمل كانت هذه العملية صعبة للغاية، لكن مع مرور الوقت أضحت حركة آلية لا يحتاج فيها إلى منبه ولا الى شخص آخر يوقظه. وبينما كل سكان العمارة غارقون في النوم يخرج سليم في هدوء باتجاه الشارع الرئيسي لمدينة العلمة وعند الوصول إلى محطة البنزين لصاحبها شيدا، يستدير ناحية اليمين للتوجه إلى حظيرة البلدية، لكن قبل ذلك العبور يكون بالمقهى القريب من المحطة، أين يلتقي سليم رفقة زملاء المهنة لإرتشاف قهوة الصباح بحضور رئيس المصلحة عز الدين، والملفت للانتباه أن الجلسة حميمية للغاية، لا فرق فيها بين الكناس البسيط ورئيس الفرقة، وكأن عمال النظافة خلقوا ليكونوا بسطاء ومرتاحو البال، فأغلبية الحديث عن الرياضة ومولودية العلمة والوفاق مع خليط من المزاح الخفيف، وعلى عجالة تنتهي جلسة المقهى ويتوجه الجميع إلى الحظيرة. الساعة الآن تمام الثالثة صباحا والوجهة مباشرة إلى غرف تغيير الملابس، وهنا يقول سليم انه لا يوجد اي مشكل مع بذلات العمل، فالبلدية توفرها لكل العمال رفقة القفازات وهناك كذلك معاطف خاصة عاكسة للضوء تسمح للعمال بالظهور ليلا وتقيهم من الحوادث، وبعد ارتداء البذلة يلتقي الجميع بساحة الحظيرة، وعلى رئيس المصلحة أن يتفقد الحضور وسط جو من الإنضباط، فكل عامل على دراية بما هو مطلوب منه، وطريقة العمل هنا منظمة جدا وتخضع لنظام المجموعات. فالبلدية تضم 230 عاملا في النظافة تتقدمهم مجموعة الليل التي نحن معها الآن والمكلفة بحمل القمامة من كل أحياء المدينة، ولذلك فهي مقسمة إلى فرق وكل فرقة تتولى تغطية حي معين تعمل فيه طيلة أيام السنة، وبالنسبة لسليم فهو في الفرقة الخاصة بحي بلعلى المشهور بمحلاته التجارية المختصة في بيع الألبسة، خاصة النسوية. وفور الاستعداد وتسخين الشاحنة تنطلق فرقة سليم المكونة من 4 عمال وسائق باتجاه حي بلعلى. الركوب طبعا في الجهة الخلفية للشاحنة ومن حسن الحظ هذه الليلة لم تكن باردة، حيث يقول سليم بأنه في فصل الشتاء العمال مرغمون على تحمل برودة الطقس وفي بعض الأحيان يبحثون عن القمامة تحت الثلوج وسط ظروف صعبة للغاية كما كان الشأن في شتاء هذا العام، أين استمرت البرودة لمدة طويلة، لكن يستدرك سليم ويقول بأن هذا لا يعني أن العمل في فصل الصيف يكون أسهل، بل العكس في فترة الحر تزداد كمية الفضلات، والكناسون يبذلون‮ مجهودا‮ أكبر،‮ لأن‮ الناس‮ يرمون‮ اكثر‮ مما‮ يستهلكون،‮ كما‮ تكثر‮ الأعراس‮ والحفلات‮ التي‮ تخلف‮ وراءها‮ كمية‮ هائلة‮ من‮ بقايا‮ المأكولات‮.‬
زبالة‮ 5‮ نجوم‮ وأخرى‮ لا‮ تستحق‮ التفقد
وفي هذه الليلة يبدو أن النشاط كان معتبرا بالنسبة لتجار بلعلى بالنظر للعدد الهائل من الأكياس البلاستيكية التي تحوي علب الألبسة والأحذية، وهذا لأننا مع دخول فصل الصيف وتغير في درجة الحرارة وبالتالي فإن الناس يضطرون إلى اقتناء ملابس صيفية جديدة وبالتالي فإن الحركة اليوم كانت مكثفة. وأما فيما يخص نشاط المطابخ فيبدو أن هذه الليلة كانت حيوية للغاية، فالوجبات كانت متنوعة وتم رميها بكميات معتبرة مما يوحي بأن سكان بلعلى من الطبقة الغنية إلى حد ما. فأغلبية السكنات من نوع فيلات ومعظم القاطنين بها من فئة التجار أو من مؤجري المحلات التي يصل ثمن كرائها إلى 3 ملايين سنتيم في الشهر، لذلك فالبذخ يظهر من خلال ما تبقى من الوجبات الغذائية. والملاحظ كذلك أن القمامة تعطي فكرة عن الوضعية الاقتصادية والقدرة الشرائية للمواطن والتي تبدو أيضا أنها منتعشة هذه الليلة، حيث عرفت أسعار الخضر بعض التراجع، فمثلا البطاطا انخفضت إلى سعر 30 دج والطماطم إلى 30 دج. والملاحظ أن الأغلبية تناولت فاكهة الموز الذي تراجع سعره من 140 دج إلى 100 دج لذلك فقشوره متوفرة في أغلبية الأكياس والدلاء، والملفت للانتباه أن مثل‮ هذه‮ الأحياء الحيوية يتوجه إليها زبالون من الدرجة الأولى ومن ذوي الاقدمية، لأن العمل بها مكثف ويتطلب تعاملا خاصا مثلها مثل حي دبي المعروف بتجارته وحيويته والذي يقصده أيضا "زبالون" من ذوي الخبرة، لأن الزبالة بهذا الحي من نوع 5 نجوم ولا يقدر عليها إلا قدماء وعمداء الكناسين الذين في بعض الأحيان يحالفهم الحظ فيعثرون على أشياء تعد ثمينة بالنسبة إليهم، فمثلا أحدهم عثر على لعبة للأطفال فأخذها وأسعد بها أبناءه، وعثر آخر على مزهرية بها خلل بسيط فتحولت إلى تحفة داخل منزله، بل يحكى أن أحد الزبالين في ضواحي ولاية عنابة عثر في القمامة على كيس من المصوغات الذهبية، فكانت تلك الليلة آخر ليلة يقضيها في مهنة الزبالة، حيث اعتزل الحرفة وفرَّ إلى الخارج، أين أضحى في أحسن حال دخل بذلك عالم الأثرياء عبر القمامة وأصبح أغنى زبال بالمنطقة.
وأما‮ بالنسبة‮ لسليم‮ فيقول‮ بأنه‮ ذات‮ مرة‮ اتصل‮ به‮ سباك وأخبره بأنه ضيع علبة المفاتيح التي يعمل بها، فقام سليم وزملاؤه بالبحث عنها في اليوم الموالي في القمامة العمومية وتمكنوا من العثور عليها ولما أعادوها له كانت فرحته كبيرة. وفي موطن آخر أخبرهم أحد المواطنين أن ابنه الصغير وضع مبلغ 5 ملايين سنتيم في كيس القمامة‮ الذي‮ أخرجه‮ بالأمس‮ فقام‮ سليم‮ وأصدقاؤه‮ بعملية‮ بحث‮ واسعة،‮ لكنهم‮ للأسف‮ لم‮ يعثروا‮ على‮ أثر‮ لهذا‮ المبلغ‮. نحن دائما بحي بلعلى والساعة تقترب من السابعة صباحا، كل من مر من هنا قبل أربع ساعات ما كان ليصدق بأن المكان سينظف بهذا الشكل وبأن كل تلك الفضلات أممت بالطريقة التي أرادها سليم ومن معه، وبانتهاء الأكياس تكون فترة العمل قد انقضت، فهي العودة إذن إلى الحظيرة التي يوجد بها مرش خاص بالعمال وبالتالي فإن الاستحمام يكون مباشرة عند إنهاء المهمة، لكن بالنسبة لسليم فهو يفضل الاستحمام في المنزل ويكون ذلك في حدود الساعة 7:30 سا، أين يجد زوجته في انتظاره بعدما حضرت له كل لوازم الحمام، وهنا يؤكد لنا سليم بأن زوجته تتفهم جيدا طبيعة مهنته وتفتخر به كرجل مخلص في عمله ويجني قوت عياله بعرق جبينه، ونفس الشيء بالنسبة لأبنائه الثلاثة الذين يحبون والدهم كثيرا ولم يتعقدوا إطلاقا من مهنته. والملفت للانتباه أن كل من يعرف سليم يشهد له بأداء واجبه تجاه عائلته وبتربيته الناجحة لأبنائه لدرجة أن مدير المدرسة استدعاه ذات مرة و هنأه على سلوك ابنته شافية واجتهادها في الدراسة، وهي التلميذة التي لما سئلت عن مهنة أبيها أجابت بكل اعتزاز بأنه منظف بالبلدية، فكانت عبرة لكل من لم يقدر هذه المهنة.
وللزبالين‮ شهداؤهم‮ وقضايا‮ وصلت‮ إلى‮ العدالة‮
وأما عن معاناة عمال النظافة، فتكمن أساسا في عدم تفهم الناس لطبيعة عملهم ولذلك فجل المشاكل تكون مع السكان، فلا تكاد تمر ليلة إلا و يقع شجار بين كناس وصاحب منزل في حي ما، فبعضهم يشبع الكناس سبا، لأنه أزعجه بصوت محرك الشاحنة وهي من الأسباب الرئيسية التي ينشب من أجلها خلاف مع السكان، وهنا يتساءل سليم كيف يمكننا أن نعمل بشاحنة من هذا الحجم دون إحداث أي صوت، مع العلم أن البعض يبالغ في تحديد حجم الإزعاج، كما أن الخلاف ينشب أيضا بسبب محاولة البعض إرغام الكناس على حمل بقايا ومخلفات الترميم والبناء التي عادة ما تكون قطعا من الآجر أو الإسمنت والتي لا يعقل أن يحملها الكناس، لأنها قد تسبب عطبا في الشاحنة التي يفوق سعرها ال 1 مليار سنتيم. والمثير للتقزز أن البعض يقوم برمي الفضلات بطرق عشوائية، فلا يحترم مكان وضع القمامة ولا توقيت إخراجها، بل أن هناك من يتعمد الإنتظار حتى تمر شاحنة البلدية، ثم يخرج كيس الفضلات، وهناك من يرمي بالكيس من الشرفة وخلف العمارة، ولسنا ندري من يستحق تسمية الزبال في هذه الحال. والغريب أن البعض يقوم بمثل هذه التصرفات، ثم يسب عمال النظافة، ويذكر سليم أن أحدهم قام بشتمهم ودخل بعدها مباشرة إلى المسجد لأداء‮ صلاة‮ الصبح‮.‬
هذه الخلافات لم تتوقف عند حد الشتم والسب فقط، بل وصلت في العديد من الأحيان إلى التشاجر العنيف الذي أضحى من "ليليات" الكناسين الذين أجبروا على الدخول في شجار لأسباب لا تخرج عن إطار صوت الشاحنة المزعج، أو عدم حمل بقايا البناء، ومن أخطر هذه القضايا تلك التي حدثت منذ حوالي 3 سنوات بوسط المدينة، أين دخل كناس في شجار مع احد المواطنين فاعتدى عليه هذا الأخير بواسطة خالع المسامير "اراش كلو" فأصابه بجروح بليغة، وظل هذا الكناس متأثرا بالحادثة لمدة طويلة إلى أن فارق الحياة، فاعتبره زملاؤه شهيد المهنة التي تكتنفها بعض المخاطر، ومن يدري قد نصل في يوم ما إلى تكوين منظمة خاصة بضحايا الزبالين ولن تقل أهميتها عن باقي المنظمات، فحسب محدثنا فإن العديد من قضايا الشجار خلفت إصابات خطيرة وإعاقات وصلت في بعض الأحيان إلى المحاكم في غياب أدنى الحماية للكناس. وأما بالنسبة لمرافقنا سليم، فإن الوضع لم يصل إلى هذا الحد، لأنه بكل بساطة كناس واع ويسعى دوما إلى ضبط النفس وتعقيل الناس وفي غالب الأحيان يتنازل عن حقه تجنبا للمشاكل. ويجب التذكير أن الكناسين من الفئة التي عانت الويلات في العديد من الولايات أثناء العشرية الحمراء، أين تعرض العديد منهم لإعتداءات متكررة من طرف الإرهابيين الذين كانوا يتعمدون أيضا الاستيلاء على شاحنات البلدية وحرقها، وقد سجلت تلك الحقبة سقوط ضحايا وتشريد عائلات بكاملها.
والجدير بالذكر أنه أثناء حقبة اللاأمن وفترات حظر التجول في العاصمة وما جاورها، كان الزبالون يعملون في صمت وسط ظروف خطيرة دون أن تعيرهم الجهات المعنية أي اهتمام، بل إن الناس كانوا ينامون والزبالة مرمية بالقرب من منازلهم ولما يستيقظون لا يعثرون لها على اثر دون أن يحسوا بأن هناك "زبالين واقفون" أدوا واجبهم على أكمل وجه وهم من الفئة القليلة التي لم تنسحب من الميدان‮ وظلت‮ تكافح‮ ليلا‮ والناس‮ نيام‮.‬
القمامة‮ عند‮ الغرب‮ ثقافة‮ وصناعة‮ وعندنا‮ مجرد‮ زبالة
ينبغي الإشارة إلى أن مسار التعامل مع الزبالة في الجزائر مبتور، لأنه يتوقف بمجرد رمي الفضلات في القمامة العمومية والتي أصبحت مصدر قوت، حيث يؤكد الزبالون بأنهم في كل مرة يتصادفون مع أناس يعيشون في الزبالة، حيث اعتادوا يوميا على قلب الفضلات بحثا عن أي شيء يمكن استغلاله أو استهلاكه، ونشاط هؤلاء إمتد إلى شوارع المدينة، أين يتم فرز الأكياس قبل حملها في شاحنة البلدية، وهي الظاهرة التي تكثر، خاصة في الأحياء الراقية، فمثلا هناك فرق كبير بين زبالة حيدرة بالعاصمة وزبالة براقي أو بن طلحة، وهذه الظاهرة على قذارتها أصبحت تزعج الزبالين، لأنهم يجدون أنفسهم مرغمون على إعادة لملمة محتويات الأكياس التي أفرغها رواد المزابل. وإذا كانت محدودية استغلال المزابل تتوقف عند هذه القذارة فإنه في الدول التي تحترم نفسها أصبحت تطلق على القمامات العمومية اسم "المناجم الحضرية" لما تحتويه من ثروات تستغل بطرق حديثة، حيث أصبحت القمامات مصدرا لصناعات متعددة وذلك بإعادة رسكلة عدة منتجات كالبلاستيك والزجاج والنحاس والألمنيوم والورق، كما ان بقية الفضلات تستغل في إنتاج الطاقة مما يعني ما نسميه نحن احتقارا بالمزابل، أصبح عند الدول الغربية مصدرا لصناعات كبرى تدر ملايير الدولارات. وتشير الدراسات أن القمامة الجزائرية من أغنى القمامات في العالم لما تحتويه من مكونات يمكن أن تقوم عليها صناعات كبرى، وتؤكد ذات الدراسات أن واحد طن من القمامة يمكن أن يوفر فرص عمل ل 8 أشخاص في عمليات الجمع والفرز والتصنيع، فماذا‮ لو‮ تم‮ استغلال‮ قمامة‮ الجزائر‮ العاصمة‮ التي‮ تفرز‮ يوميا‮ آلاف‮ الأطنان‮.‬
والمثير للانتباه أن عملية استغلال القمامة في بلادنا لازال لم يتجاوز بعد عتبة التفكير، وعوض أن يطرح هذا المشروع على أعلى المستويات، ظل يتداول باحتشام في علاقات التوأمة التي تنشأ بين البلديات الجزائرية والأوروبية كما هو الشأن مع بلدية سطيف التي أنشأت توأمة مع مدينة ران الفرنسية، وطرحت معها فكرة الإستفادة من تجربة إعادة استغلال القمامة، إلا أن الأمر لازال مجرد أفكار متطايرة، ونفس الشيء بالنسبة للتوأمة التي نشأت بين بلدية الخروب بولاية قسنطينة وبلدية تولوز والتي لم تتوج سوى باستفادة الخروب بسلات لرمي الأوساخ. وأما البعد الحقيقي لإستغلال القمامة وإعادة رسكلة محتوياتها، فمازال لم يدخل حيز التجسيد. وفي كل الأحوال، القمامة عند الغرب هي ثقافة وصناعة تنضح بالملايير، أما عندنا فهي مجرد زبالة لازال البعض يرمي بها من شرفات العمارات وما هي إلا أكوام قذرة تتراكم يوميا دون أدنى‮ استغلال‮.‬
روبورتاج‮: سمير‮ مخربش


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.