يضع رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، في أول لقاء له مع مديري ومسؤولي مؤسسات إعلامية، حضرته “الشروق”، النقاط على حروف عدّة قضايا داخلية وخارجية، تشغل الرأي العام الوطني، إذ تحدث الرئيس عن المشاورات وتعديل الدستور لتحقيق مشروع “الجزائر الجديدة”. وأعلن الرئيس عن تنظيم انتخابات تشريعية ومحلية، مسبقة، قبل نهاية السنة، تعكس الإرادة الشعبية، مشيرا إلى استمرار المشاورات مع شخصيات وطنية وسياسية أخرى، يرتقب أن تشمل الرئيس الأسبق اليامين زروال، الذي لم يستبعد التنقل إلى بيته بباتنة للقائه إذا تعذر عليه القدوم إلى العاصمة. كما تحدث الرئيس عن أجور الجزائريين وقدرتهم الشرائية ومعاشات المتقاعدين منهم، وطمأن باستمرارية الدعم الاجتماعي، كما التزم بإصلاحات عميقة للمنظومة التربوية وواقع المدرسة الجزائرية، واستقطاب الكفاءات المهاجرة، والبدائل الاقتصادية المتاحة، وكذا ملف الاستيراد، و”الحراقة” ومستقبل الإعلام وواقع الصحفيين، ومحاربة الفساد واسترجاع الأموال المنهوبة واستلام الفارين من العدالة بالخارج. وفي الشق الدولي، سلط الرئيس الضوء على العلاقات الجزائرية الفرنسية، والأزمة الليبية، واتحاد المغرب العربي، وقضية الصحراء الغربية، ومساعي الجزائر لاستعادة أدوارها كاملة كقوة إقليمية في المنطقة. باشرتم السيد الرئيس، سلسلة من اللقاءات مع شخصيات وطنية وقيادات حزبية، متى وكيف ستنتهي هذه المشاورات؟.. هل بندوة وفاق وطني، أم بلائحة مقترحات شاملة حول مشروع “الجمهورية الجديدة”؟ وهل تم بلورة أفكار المدعوين في التعديل الدستوري القادم؟ رئيس الجمهورية: أولا، المشاورات ستستمر، حيث سأستقبل شخصيات أخرى لاحقا.. وهذه المشاورات تشمل شخصيات ذات تجربة، أو تلك التي مارست وظائف أكسبتها خبرة، أو تلك التي تعرّضت إلى الإقصاء في وقت سابق.. سنأخذ برأيهم ونظرتهم بشأن أمهات القضايا المطروحة والتي تهم الرأي العام. المشاورات تهدف من بين ما تهدف إليه، إلى تحضير مسودة أولية للدستور الجديد، حيث ستؤخذ كلّ المقترحات بعين الاعتبار، وقد تمّ لهذا الغرض تشكيل لجنة لصياغة مقترحات تعديل الدستور، مشكلة من خبراء وأخصائيين في المجال، ومن صلاحيات هذه اللجنة إعداد مسودة مبنية على المشاورات والمقترحات. من الضروري الاستماع لمختلف الأصوات والأطراف، بما فيها المسؤولين السابقين.. نحن لا ننفرد بالرأي، وقد تجد في النهر ما لا تجده في البحر، ولذلك يجب الأخذ بعين الاعتبار كل الآراء.. وفي هذا المقام، أنا شاكر لكلّ من وُجهت له الدعوة واستجاب لها. وهل تم توجيه الدعوة إلى الرئيس الأسبق السيد اليامين زروال للمشاركة في هذه المشاورات؟ في الحقيقة، أكنّ للرئيس الأسبق، اليامين زروال، مكانة خاصة.. عندما تتكلم عن زروال، فإنك تتكلم عن جزائري حرّ.. هو إنسان نزيه ووطني، وطوال عمره لم يعرف الخداع، وفي أيّ مرحلة من المراحل. أشهد له أنه رجل يعطف على البسطاء، وهذه شهادة حيّة وواقعية تمتدّ إلى نحو 35 سنة على مرّ الماضي. لا يُمكن للرئيس زروال، في الوقت الراهن، التنقل إلى العاصمة، لظروف خاصة، لكنني تكلمت معه هاتفيا، عدة مرات، وهو يقدم لي تشجيعاته في مهمتي.. سأستقبل زروال في مقرّ الرئاسة، عندما تسمح له ظروفه، وإذا لم تسمح، فإنني سأنتقل إليه إن شاء الله في مقرّ إقامته لاحقا. ومع ذلك، جمعتني بالرئيس زروال مكالمات هاتفية، تبادلنا فيها الكثير من الآراء، فهو طبعا جزء لا يتجزأ من المشاورات، كقائد عسكري ورئيس سابق للجمهورية. هل تدخل هذه الاستقبالات والمشاورات مع الشخصيات الوطنية والسياسية في اطار الاستماع لمطالب الحراك وتطلعاته؟ لقد وعدت في مرحلة من المراحل خلال الحملة الانتخابية، باستكمال ما طلبه الحراك المبارك.. هناك طبعا ما تحقق، وهناك ما يتحقق آنيا، وهناك آفاق سياسية لمواصلة تلبية مطالب الحراك الشعبي. سألبي كلّ مطالب الحراك، تعديل الدستور، جزء من المهمة، من أجل تأسيس جمهورية جديدة، وأخلقة العمل السياسي وبناء ديمقراطية حقيقية. في هذا الإطار، أفضل أن أتعامل مع الشخصيات التي استقبلتها، انطلاقا من قيمتها في المجتمع. صحيح البعض من هؤلاء، متخوّف، مثلهم مثل بعض المواطنين، بأن قرار تعديل الدستور، هو عملية لا تختلف عن التغييرات السابقة. الدستور الحالي أثبت عجزه عن مسايرة التغيير، وقد أثبتت الأحداث المرتبطة بالحراك السلمي، هذه المقاربة. الدستور الجديد، سيضمن التلاحم والانسجام الوطنيين، وسيتضمن دفاعا شرسا عن الوحدة الوطنية، شعبا وترابا.. هويتنا واضحة، لا نقاش فيها، ولا تتطلب أيّ تطرف لا من هذا أو ذاك. أقول، أن هناك من غيّر الدستور في وقت سابق، لحاجة في نفس يعقوب.. لكن، نعمل الآن على تغييره لإبعاد البلاد من أيّ أزمات لا قدّر الله مستقبلا… سيلزم الدستور الجديد، كلّ مسؤول، بما فيهم رئيس الجمهورية بحدود لا ينبغي تجاوزها، وسيكرّس الدستور الجديد مبدأ الابتعاد عن الحكم الفردي. متى يتم تعديل الدستور، ومتى تجرى الانتخابات التشريعية المسبقة، وهل هناك انتخابات محلية مسبقة أيضا؟ في انتظار أن تسلّم لجنة تعديل الدستور، المسودة الأولية، بعد انتهاء أشغالها وفق الآجال المحددة لها، فضلنا أن ينطلق العمل من قاعدة مشاورات، ليتم بعدها توزيع تلك المسودة، على كلّ الفئات والهيئات، كالمحامين والقضاة والمجلس الإسلامي الأعلى والأطباء والأساتذة والطلبة والنقابات ومختلف التنظيمات، ولهم واسع الحرية في دعم المقترحات أو مراجعتها أو حذفها أو إضافة ما يرونه ناقصا. هذه الخطوة تهدف لأن يكون تعديل الدستور القادم، تعديلا شاملا بناء على رؤية وأفكار كلّ فئة في المجتمع.. بعدها ستكون لقاءات تشاورية كعملية جراحية، وليست تجميلية فقط.. هذه المشاورات لن تكون بالمعنى المباشر للفئوية، ولكن الغرض هو أن يجد الجميع من الجزائريين صوتهم في الدستور الجديد. بعد هذه المرحلة، تجتمع لجنة الخبراء، مجددا، من أجل تعديل المسودة، حسب التنقيحات والمقترحات الجديدة، إمّا بالحذف أو التعديل أو الإثراء، وذلك بتلبية مقترحات كلّ الأطراف التي تسلمت النسخة الأولى من المسودة. وبعد إحالة “المشروع” على البرلمان، يمرّ مباشرة إلى الاستفتاء الشعبي.. لقد فضلت إحالته على الهيئة التشريعية انطلاقا من أن النقاش يعطي للمواطنين فرصة أخرى لملامسة توضيحات وإيضاحات أكثر في إطار صراع الأفكار. الاستفتاء الشعبي، سيكون تحت إشراف السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات.. إذا رغب الشعب في مضمون الدستور الجديد، فمرحبا، وإذا رفضه فمرحبا أيضا، فكلمة الفصل له في هذا الاستفتاء. أؤكد، الدستور الجديد، ليس دستورا على المقاس.. لا هو دستور سلطة ولا دستور رئيس ولا دستور فئة.. سيكون بإذن الله، من أحسن الدساتير، لكن الأهم من ذلك، هو تطبيقه واحترامه. يجب التنويه، بأن الدستور الجديد بعد دخوله حيذ التنفيذ، سيجعل أغلب القوانين القديمة غير دستورية وغير مطابقة، وبالتالي وجب تغييرها لاحقا.. عمل شاق ينتظرنا، حيث سيتم فتح ورشات لتغيير القوانين من خلال تكليف مختصين وخبراء. سيكون قانون الانتخابات، في الدرجة الثانية، بعد الدستور، لأن الانتخابات أصبحت محلّ شك بين هؤلاء وأولئك، سواء عن حقّ أو غير حقّ، وهناك حديث عن التزوير والتلاعب بإرادة الناخب وكذا شراء المقاعد.. لذلك، ولتصحيح الوضع، ينبغي سنّ قانون انتخابات صارم. سنعمل على الدفع لخلق طبقة سياسية جديدة، ولي شخصيا ميل إلى الجيل الصاعد من الشباب والكفاءات والإطارات ممن يتمتعون بروح وطنية عالية ونزاهة ولم يتلوثوا بالأمراض المعروفة في الوقت السابق. وماذا عن التشريعيات والمحليات المسبقة؟ بعد أن تكون النسخة النهائية للدستور الجديدة، جاهزة في غضون أربعة أشهر تقريبا، أي بعد شهر رمضان المعظم، بحول الله تعالى، يتم الانتقال إلى قانون الانتخابات.. هذا القانون يقتضي بالضرورة انتخابات برلمانية ومحلية جديدة، ستكون قبل نهاية السنة الجارية. وهنا، أؤكد أن عهد شراء المقاعد، في البرلمان والمجالس المحلية المنتخبة، قد انتهى، وسيتم أيضا تجريم مزاوجة المال بالسياسة والانتخابات.. سنشجع الشباب على دخول الاستحقاقات القادمة، والدولة مثلما التزمت سابقا، ستتكفل بمصاريف الحملة الانتخابية لهؤلاء المترشحين. ركزتم السيد الرئيس على المشاورات السياسية، وخطوات صياغة مشروع الدستور، فيما غابت حسب البعض ولحدّ الآن القرارات الاقتصادية، هل يعود هذا لصعوبة الوضع الاقتصادي، أم أنكم تعبدون الطريق لذلك عبر الإصلاح السياسي؟ بطبيعة الحال، السياسة هي التي تغذي القرارات الاقتصادية.. إن إعادة بناء الاقتصاد الوطني عمل شاق.. هناك قرارات استعجالية وأخرى على المدى المتوسط والمدى الطويل. حاليا، اقتصادنا قتل المنتج الوطني، وهو مبني على الاستيراد والتجارة فقط.. يجب أن يكون الاقتصاد أساس الثروة، والاقتصاد الذي لا يخلق ثروة هو اقتصاد سياسي لا نحتاجه وهو يخدم أشخاصا فقط… والاقتصاد يتطلب تحضير أرضية صلبة من خلال الكفاءات الوطنية، والاقتصاد الحقيقي هو ذلك الذي يخلق مناصب شغل. ينبغي تجاوز المرحلة الحالية، والتخلص من منطق انتظار سعر البترول فقط.. هذه نعمة آيلة للزوال، والله كتب على الجزائر البقاء.. يؤسفني أن هناك طاقات كانت هنا بالجزائر، وبسبب الأبواب الموصدة هاجروا للخارج، وأصبحوا الآن ناجحين، ومنهم من يصدّر للجزائر. لقد طلبت من وزيري الصناعة والتجارة تنظيم لقاء وطني، حول التوجهات الاقتصادية الجديدة، تحضيرا لاتخاذ إجراءات عملية. أؤكد، أن المرحلة تقتضي رفع التحدي من الجميع، فالمصلحة الوطنية فوق كل المصالح الأخرى، ويجب الإشارة إلى أنه إذا لم تكن قويا داخليا لا يُمكنك أن يكون صوتك مسموعا خارجيا. يجب محاربة الذهنيات المتخلفة، وهنا أقول أن “فخ العجلات” مثلا، هو ليس اقتصاد.. من جهة أخرى، أنا ضد الاستثمارات الثقيلة، بسبب إبقائها للبلد رهينة للدراسات الأجنبية، وهي أيضا تتطلب وقتا طويلا في الإنجاز والتنفيذ، وتبقى بذلك الدولة في تبعية أبدية للخارج. لا أقول علينا أن ننطلق من الصفر، لكن علينا إدخال الأخلاق واعتماد الأسعار الحقيقية في التعاملات الاقتصادية، كما ينبغي تفادي تغيير القوانين بطريقة عشوائية، وذلك بهدف طمأنة المستثمرين من خلال استقرار القوانين وديمومتها على الأقلّ لمدة 10 سنوات، بدل تغييرها كلما تغيّرت الحكومة. بعيدا عن السياسة، المواطن ينتظر تغييرا جذريا وشاملا على المستوى الاقتصادي والاجتماعي.. ماذا عن قيمة الدينار، والأجور والقدرة الشرائية والتوظيف واستيراد السيارات أقلّ من 3 سنوات؟ قيمة الدينار، لها علاقة مباشرة بوضعية الاقتصاد.. هناك ميكانيزمات كلاسيكية، يجب تنمية الاقتصاد، وتخليص الاستيراد غير المجدي.. لن أقلّص الاستيراد لحرمان المواطن من كذا وكذا.. الاستيراد يجب أن يكون مكملا.. فالدينار تأثر أيضا بما سمي بالتمويل غير التقليدي خلال السنوات الماضية.. الأرقام مرعبة… حاليا، الدينار مستقرّ، وهناك انتعاش طفيف في احتياطي الصرف. بشأن استيراد السيارات المستعملة، حسب ما تضمنه قانون المالية لسنة 2020، شخصيا لست ضد القرار، لكن العملية تتطلب تنظيما، والقضية المطروحة، هي امكانية دخول لوبيات على الخط، يكون المواطن ضحية لها ولتزويرها.. فيجب إذن، توفر إطار تنظيمي وتقني ضامن في البلد الذي سيصدّر للجزائريين هذه المركبات، حتى لا نستورد الخردة. الباب إذا بالنسبة لاستيراد السيارات المستعملة، مفتوح، ولنترك العمل لوزارتي الصناعة والتجارة. أما بخصوص القدرة الشرائية، دعوني أقول، بأن الوضع المالي ليس عاديا، لكنه في نفس الوقت ليس مزريا.. هو في تحسن مستمرّ والحمد لله.. كذلك، بدأ الدخل الجبائي يتحسن.. لكن، سيتم لاحقا مراجعة بعض الجبايات المتضمنة في قانون المالية 2020، نحو الأحسن، لكن ليس بصفة شعبوية، بما يجنبنا التضخم أو نزيفا ماليا.. سنتوجه إلى إجراءات تحفيزية جديدة، من خلال قانون مالية تكميلي لاحقا. سيتم مثلما وعدت والتزمت بإدخال إعفاء الأجور الأقلّ من 30 ألف دينار من الرسوم وكذا مراقبة الأسعار بما يدعم القدرة الشرائية للمواطنين. إننا نرفض رفضا مطلقا الفقر المدقع وسط أي جزائري، سنحارب الفقر وعدم توازن الدخل الفردي. رفع القدرة الشرائية للمواطنين، سيكون بإزالة كلّ الضرائب والرسوم عن ذوي الدخل الضعيف، وكذلك، من خلال التحكم في أسعار السوق. أقول أن المضاربين في أسعار المواد الاستهلاكية الواسعة، مثل الحليب وغيره، والذين يمسّون جيب الفقير بالجشع، سيُدرجون في خانة الخيانة.. إنني أحذر هؤلاء.. فعندما ينحرف دعم الدولة لأسباب مرتبطة بالمضاربة والجشع، فهذا يعني الدخول في الخانة الحمراء. وماذا بشأن ملف الغاز الصخري بالصحراء كاستثمار جديد السيّد الرئيس؟ ملف الغاز الصخري، كتجربة أولى، كانت مفاجئة بالنسبة للمواطن، حيث لم يتم إعلامه ولا تحضيره نفسيا في ذلك الوقت، بما أثار التأويلات وحتى الشعوذة… القضية مطروحة للأخصائيين والمواطنين معا.. لكن الغاز الصخري ثروة نائمة، تتطلب فتح نقاش وطني جاد وشفاف من أجل استغلالها دون أخطار بالنظر إلى تجارب البلدان السباقة في هذا المجال. لكن، إذا اقتضى الأمر، مستقبلا، فسيتم التوجه إليه بعد فتح نقاش وطني، فهل يتساءل البعض، هل من المعقول مثلا، أن نتفادى الغاز الصخري، ونلجأ بالمقابل إلى المديونية الخارجية؟ كيف تنظرون السيّد الرئيس إلى ملف التحويلات الاجتماعية؟ أقولها بكل وضوح، التحويلات الاجتماعية والتكفل الاجتماعي، مكسب لن يمسّ أبدا، وبأي شكل من الأشكال.. حاليا هذه التحويلات متوازنة تقريبا مع حجم استيراد الخدمات.. وأطمئن المتقاعدين، بأن معاشاتهم في مأمن، وأنه لا خوف على حقوقهم.. فالدعم مضمون في إطار أسس الدولة الديمقراطية الاجتماعية، وهذا لا رجعة عنه، مثلما تضمنه بيان الفاتح نوفمبر.. لكن، يجب اعتماد العدل والمساواة، بين الفقراء والأغنياء، في الاستفادة من هذا الدعم الاجتماعي… من الضروري والعدالة رفع الدخل عن ذوي الدخل الكبير. سيتم لاحقا فتح نقاش وطني حول ملف الدعم، في إطار بناء الجزائر الجديدة، والبحث عن الآليات الناجحة والممكنة، ودراسة التجارب الموجودة. عادت الهجرة غير الشرعية مؤخرا لتحتل صدارة وسائل الإعلام، كيف تتصوّرون الحلّ لهذه الظاهرة؟ أتألم ككلّ الجزائريين لظاهرة “الحراقة” ولمثل هذه الحالات الانتحارية عبر البحر.. الأكيد، أن هناك أسبابا مختلفة، فلكل “حراق” سببه.. عندما يكون السبب مرتبطا بتذمر سياسي أو بفقر، يُمكن أن يُعالج. لكن هناك حالات مرتبطة أيضا بقهر عائلي أو ظلم المجتمع.. هناك أطباء “يحرقو” رغم المكانة الاجتماعية لهذه المهنة، ونفس الحالة بالنسبة لموظف وزوجته ركبا قوارب الموت رفقة رضيعهم، وهو ما يفتح الباب للتساؤل عن الأسباب الحقيقية لهذه الظاهرة.. هي مشكلة معقدة وحلولها قد تكون معقدة أيضا. سنجد إن شاء الله، الحلّ لبعض المشاكل المحرضة على الهجرة غير الشرعية، مثل التوظيف والعدالة الاجتماعية ومحاربة التمييز والمفاضلة بين المواطنين. من الطبيعي، أن تطبق بلدان استقبال “الحراقة” قوانينها الداخلية عليهم، لكننا لا نقبل إهانة أيّ جزائري بالخارج. تطالب أسرة الإعلام منذ سنوات طويلة بإعادة الاعتبار للصحفي كمهنة وللصحافة كنشاط: حرية ومنظومة قانونية واجتماعا واقتصادا.. وكنتم قد وعدتم بأن برنامجكم الإصلاحي سيولي أهمية خاصة لهذا الموضوع.. هل بالإمكان تنوير الرأي العام بالخطوات العملية التي تنوون إطلاقها؟ وعدت بحرية كاملة للصحافة، باستثناء ما يتعارض مع الأخلاقيات وتقاليد المهنة، او استعمال أسلوب التجريح والقذف والإساءة.. اجتماعيا، للصحفيين الحقّ في التنظيم للدفاع عن حقوقهم.. هناك أجور بعض الصحفيين هزيلة، ولا تغطية اجتماعية لهم، وهو ما سنحاربه في كلّ القطاعات العمومية والخاصة. توجد 160 جريدة.. بعض الصحف قوية وفرضت نفسها داخليا وخارجيا، وبعضها يحاول البروز.. وهناك بعضها من لا يمكنها دفع أجور محترمة لسحبها البسيط.. هناك بعض المؤسسات الإعلامية تملك عقارات تتباهى بها، بينما صحفيوها يشتكون. بالنسبة لي، لا فرق بين صحفي القطاع العام والخاص.. مستعدّ لمساعدة الصحفيين إلى أقصى حدّ، وهنا أدعوهم مثلا إلى خلق نواد، كما يجب الإشارة هنا إلى عدم وجود نقابة تنظيمية جامعة.. “والله العظيم لن يكون هناك إقصاء إلاّ لمن أقصى نفسه”. ما هي إستراتيجيتكم الإصلاحية لقطاع التربية؟ أعتقد أن كل الجزائريين يطالبون بتغيير جذري في المدرسة الابتدائية.. سيتمّ إعادة النظر في البرامج التعليمية، وهنا أشدّد على أنه يمنع منعا باتا إدخال الإيديولوجية في المدرسة. يجب تخفيف البرنامج التعليمي وفق مقارنة تلقين المتمدرسين بالتدريج، فالوضعية الحالية نفرت التلاميذ من الدراسة بسبب كثافة البرامج والكتب، بما حوّل التعليم إلى ما يشبه الأعمال الشاقة، وهنا السؤال المطروح: ما الذي يمنع اختزال الكتب في اللوحات الالكترونية، ضمن مسعى عصرنة التعليم. المطلوب أيضا تكوين المعلمين في هذا المجال، ضمن الدخول الشامل في مسعى التغيير.. لا نبالي بالأغلفة المالية المرصودة للتعليم، لكن يجب أن تكون هناك نتيجة في آخر المطاف. أتفق مع المعلمين حول مشاكلهم المعروفة، وملتزم بحلها تدريجيا.. لكن، ليس لي خاتم سليمان ولا عصا موسى.. انتظروا عمل الحكومة التي بدأت حديثا، لكن لا لاستخدام التلاميذ والضغط بهم من خلال الإضرابات. ينبغي إعادة النظر بطريقة شاملة في مقررات الابتدائي والمتوسط والثانوي والتعليم العالي.. أقول “الله لا يسامحكم” لأولئك الذي يعذبون التلاميذ في المناطق المعزولة، بتغييب النقل والإطعام المدرسي، وهنا ستتخذ عقوبات صارمة ضد المعنيين. من غير المسموح الاستمرار في تقديم وجبات باردة للتلاميذ في عز الشتاء، “هذا حرام ولن أسمح به”.. البعض يستفيد من الملايير، والتلاميذ لا يجدون ماذا يركبون أو ماذا يأكلون. المطلوب تنظيم جلسات وطنية حول التعليم ومشاكل المدرسة، وكل شركاء القطاع يطرحون مقترحاتهم لإصلاح المدرسة والمنظومة التربوية. ما هي الاجراءات القانونية لاسترجاع اموال الدولة المنهوبة، وتسلم المطلوبين من العدالة الجزائرية الموجودين بالخارج، وهل تواصل العدالة مكافحة الفساد بنفس القوة السابقة، أم لديكم طرح آخر؟ بخصوص استرجاع الأموال المنهوبة، أنتظر الإشارة الخضراء من العدالة، وكذا تحديد حجم الأموال المنهوبة.. العقارات معروفة، لكن لا يُمكنها أن تحصّل الكثير.. الأموال مخبأة هنا وفي جنيف وفي الملاذات الآمنة.. سنسترجع الأموال المنهوبة إمّا عن طريق المحامين، أو وفق الاتفاقيات مع الدول المعنية. أؤكد أن محاربة الفساد ستتواصل بلا هوادة وبأقصى العقوبات.. وهنا الأمر يتعلق أيضا بالرشوة التي تستهدف القدرة الشرائية للمواطن.. يجب أخلقة المجتمع كذلك، لقطع دابر الفساد. من المقترحات الجاهزة، نشر كاميرات في كل مكان.. في الجمارك ومراكز الشرطة والإدارات والبلديات لمحاربة “الحقرة” والرشوة إن وُجدت من طرف البعض، وذلك في إطار تدابير وقائية.. وهنا أذكركم بأنني عندما كنت وزيرا للسكن، اكتشفنا 16 ألف شهادة إقامة مزورة على مستوى العاصمة فقط، حيث تم اللجوء إلى العدالة في القضية. أما بشأن تسليم المطلوبين والهاربين من العدالة، فالمعروف أنه إذا كنت قويا داخليا بقوانينك، ستستجيب لك الدول المعنية.. لكن الأمر صعب بالنسبة للدول التي ليس لنا اتفاقيات تسليم معها… غير أنني أجزم بأن تسليم المطلوبين في قضايا اختلاسات في النهاية أكيد. تزخر الجالية الجزائرية في الخارج بالعديد من الكفاءات وقد أبديتم اهتماما كبيرا واتخذتم قرارات في الأيام الأولى من عهدتكم.. إلى أي حد تسعون للاستفادة من كفاءاتنا بالمهجر؟ سأعمل على استقطاب الكفاءات المتواجدة بالخارج بغضّ النظر عن البلد الذي يقيمون فيه.. ليس لي مانع في عودة الإطارات، وأين الضرر لو تم تعيين جزائري “مزدوج الجنسية” مديرا لمصنع ما؟.. أهلا بجميع كفاءاتنا أينما كانوا، شريطة أن لا يكونوا من المتورطين في ملفات تتعارض مع المصالح العليا للدولة وأمنها. عدتم سيادة الرئيس من برلين، حيث مثلتم الجزائر في مؤتمر دولي حول ليبيا.. إلى أي مدى لمستم تجاوبا لدى أطراف النزاع الداخلية وكذا الخارجية المعنية بالملف الليبي مع مقاربة الحل الجزائري، وأي دور منتظر للجزائر في الملف الليبي؟ هناك إجماع حول مقترحات الجزائر التي لا تبحث عن تقوية نفوذها في المنطقة، بل هناك شعب شقيق يعاني، فالدولة الوطنية في خطر.. وما حدث عندنا في التسعينيات يجعلنا ندرك المخاطر الأمنية التي تتربص بالشقيقة ليبيا. خطورة وتشعّب الوضع في ليبيا، يجعلاني أشير إلى أن الرئيس الفرنسي، في قمة برلين، الأحد الماضي، كانت له الشجاعة واعترف بأن فرنسا هي التي تسببت في ما لحق بليبيا.. هناك أيضا، تصريحات من قبل الأطراف المتنازعة في ليبيا، مثلما ورد على لسان السراج وحفتر وأطراف أخرى، مشجعة، بعد تأكيدهم بأن الجزائر هي القوة القادرة على حلّ الأزمة الليبية. أضيف في الموضوع، أن كل الأطراف الليبية تطلب وساطة الجزائر لإقرار الحلّ السياسي، علما أن السلم في ليبيا يساوي السلم في الجزائر… أنا متفائل بالنسبة لحلحلة الأزمة في ليبيا خلال الأيام القادمة.. هناك مساع جادة تبذل، وإن شاء الله ستكون البشرى السارة قريبا بالنسبة للإخوة الليبيين. من جهة أخرى، سيتم استعادة الجزائر للملف المالي، من أجل إقرار تسوية سلمية بين الأطراف المتنازعة. استقبلتم وزير الخارجية الفرنسي، والتقيتم قبلها ببرلين بالرئيس ماكرون، بعد ما لوحظ في الآونة الأخيرة ما يمكن اعتباره شبه انعدام للاتصال والتواصل الرسمي بين الجزائروفرنسا، خلافا لما كان معهودا، ورغم الحركية الدبلوماسية الكبيرة التي تشهدها البلاد، منذ توليكم مقاليد الحكم والمباحثات الجارية مع مختلف الدول، تم استثناء باريس من ذلك، هل هذا يعود إلى برودة في العلاقات بين البلدين، وهل هناك نية لمراجعة مسار العلاقات وإعادة تقييم الشراكة بين البلدين؟ العلاقات بين الجزائروفرنسا، عرفت فتورا بسبب ما اعتبره الجزائريون تدخلا في شأنها الداخلي، خاصة خلال الحراك الشعبي.. لا نقبل بأي وصاية، لسنا محمية لفرنسا ولا لغيرها. الجزائر دولة سلمية ومسالمة.. أعتقد أنهم فهموا الموضوع، وقد طلبوا طي الصفحة.. نحن الجزائريين من أبسط مواطن إلى أعلى مسؤول، حساسين جدا بشأن السيادة الوطنية، وقد فهموا هذه الرسالة.. “تحترمني أحترمك، لا تحترمني لا أحترمك”، ومن حقك الدفاع عن مصالحك، لكن لا تمنعني من الدفاع عن مصالحي. أعتقد أن الأمور صفيت.. وأقول هنا، أن المشكل في اللوبيات، فهناك لوبي فرنسي يغذي الكراهية ضد الجزائر خدمة لمصالحه.. ليس لنا أيّ لوبي، لنا سيادتنا واستقلالنا وحرية قرارنا.. لا يمكننا إرضاءهم على حساب 45 مليون جزائري، لكن أعتقد أن الأمور بدأت تعود إلى نصابها. يعرف اتحاد المغرب العربي الذي ينظر إليه على انه متنفس الشعوب بالمنطقة، تأخرا كبيرا في تجسيد هذا الحلم، هل هناك من مبادرة لتحقيق الوحدة المغاربية؟ صحيح.. الكثير يتكلم عن الحلم.. العالم بالأمس واليوم مبني على التكتلات، فالاتحاد الأوروبي مثلا هو القوة الثالثة عالميا اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا. بشأن اتحاد المغرب العربي، التفرقة لا يمكنها أن تخدم شعوب المنطقة، لكن لا للشتم ومحاولة فرض الأمر الواقع.. لم نشتم أبدا الشعب المغربي الشقيق، لا رسميا ولا غير رسمي، فالدول لا تبنى بالشتم. الجزائر وقعت 37 اتفاقية بشأن اتحاد المغرب العربي، بينما لم يوقع البعض سوى 7.. كذلك، بناء الاتحاد لا يكون بالوساطة الأجنبية.. ليس لنا مشاكل مع غيرنا، مشكلتنا مع البناء والتنمية وخدمة البلاد والعباد.. لنا دول صديقة تفرح لمّا نفرح وتحزن عندما نحزن، ونترك الباقي للمستقبل. هناك دول افريقية فتحت تمثيليات قنصلية لها في مدينة العيون المحتلة، وهذا يعتبر بمثابة خرق للشرعية الدولية، ما هو موقف الجزائر، خاصة بعد قرار الكنفدرالية الإفريقية لكرة القدم تنظيم تظاهرة رياضية هناك؟ جمهورية الصحراء الغربية، تبقى عضوا مؤسسا للاتحاد الافريقي.. ما حدث بشأن منافسة العيون هو طعنة في الظهر، وهذا ضد الشرعية الدولية، وهذا خرق لكلّ الوثائق الأساسية للاتحاد الإفريقي وهيئة الأممالمتحدة.. مهما كانت الضغوطات والشتائم، فإن قضية الصحراء الغربية هي قضية تصفية استعمار، وقد قالها الرئيس الزعيم الراحل هواري بومدين، بأننا لن نخضع أبدا لسياسة فرض الأمر الواقع. شكرا السيد الرئيس على هذا اللقاء.