لم يهضم قادة الكيان الصهيوني الموقفَ الجزائري القويّ الرافض قطعا ل"صفقة القرن"، فكتب إيدي كوهين، المستشار في مكتب رئيس وزراء الاحتلال، تغريدتين على حسابه ب"تويتر" هاجم فيهما الجزائرَ بشدّة، وأكّد هذا اليهوديُّ ذو الأصل المغربي وقوف الاحتلال والولايات المتحدةالأمريكية إلى جانب المغرب في قضية الصحراء الغربية، كما هاجم الرئيسَ عبد المجيد تبّون واتّهمه بالتراجع عن السعي إلى استرجاع الأموال المنهوبة التي أودعها مسوؤلون بنظام بوتفليقة في بنوكٍ فرنسية وغربية، والاكتفاءِ بالسعي إلى استرجاع جماجم شهداء المقاومة الشعبية الجزائرية، لأنه "لا يرى الجزائر وطنا بل مقبرة"؟! التغريدتان تعبِّران عن مدى الألم الذي يشعر به كوهين، ومن ورائه جميع قادة الاحتلال، من الموقف الجزائري القويّ والواضح باتِّجاه "صفقة القرن" الأمريكية، فربَّما كانوا ينتظرون أن تباركها الجزائر نفاقا وتزلفا لترامب، كما فعل العديدُ من القادة والمسؤولين العرب الذين زعموا أنها تنطوي على "عناصر إيجابية للفلسطينيين؟" مع أنها لا تمنحهم سوى "دولة" مفككة الأوصال بلا قدس ولا أقصى ولا جيش ولا سيادة… لكن الجزائر خرجت عن صفّ المهرولين ورفضت الصفقة الخاسرة قطعا، وأكدت وقوفها إلى جانب الفلسطينيين، ودعمَ حقوقهم، ولم تلزم حتى الصمت خوفا من الجبّار الأمريكي، وهو ما جعل الصهاينة يتميّزون غيضا ويسارعون إلى خطب ودِّ المغرب وتجديد عرضهم له بانتزاع اعتراف أمريكا ب"سيَّادته" على الصحراء وفتح قنصليةٍ فيها، مقابل تطبيع مغربي كامل مع الاحتلال، فضلا عن حشر أنفهم في مسألة جماجم شهدائنا وأموالنا المهرّبة إلى الخارج. قلناها من قبل ونعيدها: قد يكون لتحيّز أمريكا للمغرب في مسألة الصحراء الغربية –إذا حدث- بعضُ الوقعِ والوزن والتأثير، لكنه لن يكون تأثيرا حاسما كما يحاول الصهاينة تصويرَ الأمر للمغاربة لاستدراجهم؛ فحلُّ القضية بيد الأممالمتحدة، وليس بيد أمريكا وحدها. وإذا قبل المغرب الابتزاز الصهيوني فسيكون الخاسرَ الوحيد وسيخون القضية الفلسطينية مجانا ولن يحصد إلا الريح، ونأمل أن لا يقع "أمير المؤمنين" في هذا الفخّ وإلا بقي وصمةَ عارٍ في جبينه وتاريخِ بلده. أمّا استعادةُ الأموال المنهوبة وجماجم الشهداء، فهما حقٌّ سيادي للجزائر، والأمر يتعلق بإجراءاتٍ وطول نَفس وما ضاع حقٌّ وراءه مُطالب.. جماجمُ الشهداء يجب أن تعود لتُدفن في أرض الشهداء، وإذا كان نظام بوتفليقة قد طالب بها باحتشام ثم تراجع، مثلما تراجع عن سنّ قانون لتجريم الاستعمار الفرنسي، لحاجةٍ في نفسه، فإن تبّون يبدو مصرّا على استعادتها، ولا يسعنا إلا أن نشدَّ على أيديه في هذه النقطة ونطالبه بالثبات عليها. من حسن الحظ، أنّه في زمن التسابق العربي المُهين على الخيانة والهرولة والانبطاح الذليل للاحتلال، لا تزال بوصلة الجزائر، قيادةً وشعبا، متّجهة إلى فلسطين، وإذا كانت هناك حالاتٌ يمكن أن تُفهم في سياق التطبيع، فهي فرديةٌ ومعزولة، ومع أنّ أصحابها قد نُبذوا رسميا وشعبيا كما حدث مع رئيس اللجنة الأولمبية الجزائرية مصطفى برّاف، إلا أنّ الحؤول مستقبلا دون تكرار ما حدث، يدعو إلى التفكير في ضرورة سنّ قانونٍ لتجريم كافّة أشكال التطبيع.