يجمع عارفو الاقتصاد على أن مشروع الدستور الجديد المتواجد على طاولة مجلس الأمة، وإن لم يفصّل بشكل كبير في الجوانب الاقتصادية، إلا أنه تضمن تعميق وجود مجلس المحاسبة وتوسيع صلاحياته وتفعيل المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، الذي بقي شبه جامد لعقود من الزمن. ويرتقب أن تساهم هذه الخطوة في ضبط السياسات العمومية والوقوف كحجر اعتراض أمام طغيان الفساد المالي، وجماعات "الأموال القذرة"، وأكد الخبراء بالمقابل أنه لا بديل أيضا عن الرقابة البرلمانية والمجتمع المدني لمحاصرة جماعات المصالح. ويؤكد الخبير الاقتصادي وأستاذ الاقتصاد بجامعة مستغانم كمال سي محمد أن أهم الإيجابيات التي تضمنها الدستور الجديد المتواجد على طاولة مجلس الأمة، الحفاظ على طابع السوق الاجتماعي، وتفعيل هيئات مكافحة الفساد الموجودة عبر منحها صلاحيات أكبر للتصدي لكل الخروقات المسجلة إلا أنه دعا أيضا إلى المساواة بين المتعامل العمومي والخاص، والحفاظ على الحريات الفردية للمبادرة. واعتبر المتحدث في تصريح ل"الشروق" أنه لا يمكن تحقيق تقدم اقتصادي دون محاربة الفساد، وتأكيد دور فعال لمجلس المحاسبة لمراقبة الجماعات المحلية وضبط المال العام عبر قنوات الموازنة العامة. ويصرح من جهته، الخبير الاقتصادي عبد الرحمن مبتول، أن الدستور يفترض أن يشمل عدة مسائل، أهمها تحديد الدور المستقبلي للدولة بوضوح في مجال التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والتأكيد على الدور الضابط لها، وتقنين التحول الرقمي مع مراعاة مسألة الجرائم الإلكترونية، وتجريم الفساد الذي عرف مستوى لا مثيل له منذ الاستقلال لدرجة تشكيله خطرا على الأمن القومي. ويدعو مبتول إلى ضرورة العمل على مكافحة الفساد وتطبيق شفافية تامة في استخدام الأموال العامة ويتعلق الأمر بالإنفاق العام وإيرادات سوناطراك واحتياطيات النقد الأجنبي، وتوحيد المؤسسات الرقابية المستقلة عن السلطة التنفيذية، وإعطاء صلاحيات واسعة لمجلس المحاسبة، موازاة مع الرقابة البرلمانية ورقابة المجتمع المدني، اللذين لا بديل عنهما. وشدد الخبير على ضرورة التفريق بين الفساد وبين فعل التسيير، من أجل تجنب شل مبادرة المديرين، وذلك عبر إلغاء تجريم فعل التسيير، مع احترام الاتفاقيات الدولية في مكافحة غسل الأموال "القذرة"، في حين ألح على ضرورة ضمان الملكية الخاصة كحق غير قابل للتصرف، وتقنين اقتصاد السوق التنافسي لغرض اجتماعي، ووضع المشاريع المحلية والدولية الخاصة والعامة على قدم المساواة، لتعزيز الاقتصاد المنتج خارج المحروقات وقوانين الجهوية الاقتصادية، بإنشاء أقطاب رئيسية تجمع بين الجامعات ومراكز البحوث والقطاعات المصرفية والقطاعات الاقتصادية الضريبية – الإدارة. وبالمقابل، يشدد البروفيسور في مجال الحوكمة الاقتصادية، عبد القادر بريش أن مشروع تعديل الدستور تضمن دسترة عدة أمور متعلقة بالشق الاقتصادي، بدءا بالتأكيد على الطابع الاجتماعي للدولة وهذا من خلال ديباجة الدستور، حيث إن طبيعة النظام الاقتصادي المتبنى في مشروع تعديل الدستور هو نظام الاقتصاد الحر أو اقتصاد السوق مع ضمان بقاء دور الدولة في الجانب الاجتماعي من خلال التكفل بجوانب الرعاية الاجتماعية التي تبقى على عاتق الدولة. ويقول بريش إن مشروع تعديل الدستور أعطى أهمية لمجلس المحاسبة باعتباره هيئة دستورية رقابية تسهر على رقابة صرف المال العام وآلية هامة من آليات الحوكمة الاقتصادية بالإضافة إلى دسترة المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي باعتباره هيئة استشارية ترافق الحكومة والسلطات العمومية في تقييم السياسات العمومية، وهو ما يعتبر خطوة هامة للمرحلة المقبلة.