يؤكد الأمين العام لاتحاد علماء المقاومة الشيخ ماهر حمود، أن التطبيع مع الكيان الصهيوني حرام شرعا، ووصف الشيخ ماهر في هذا الحوار مع "الشروق"، من يفتي للحاكم بجواز التطبيع أنه "عالم مزعوم" يبحث عن مصلحته الخاصة، ويحكم الهوى. ويستعرض الشيخ الموقف مما يسمى "لجنة القدس" التي يرأسها الملك محمد السادس، وموقف جبهة العدالة والتنمية في المغرب التي تقود الحكومة بعد تطبيع العلاقات مع الصهاينة، ويؤكد أن مواقف الجزائر والرئيس عبد المجيد تبون أفضل من غيرها. ما هو الموقف الشرعي والسياسي لهيئتكم من "التطبيع" مع الكيان الصهيوني؟ إن التطبيع مع الكيان الصهيوني حرام شرعا، وليس خاضعا للاجتهاد إلى حد أن نقول: لا اجتهاد في مورد النص، كما أنه خيانة وطنية، وهو كذلك مخالفة واضحة للمفهوم الإسلامي لقضية فلسطين، فعندما تتخذ جهة ما قرار التطبيع مع العدو الصهيوني، فمعنى ذلك أنها تعترف للصهاينة بحقهم المزعوم في أرض فلسطين، كما أنها تنفي أن للفلسطينيين، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق، حقا في العودة إلى أرضهم. ومن جهة أخرى، فإن ذلك التطبيع لا يأخذ بعين الاعتبار أوصاف بني إسرائيل المفصلة في القرآن في سور متعددة، وهذه المواصفات تتوافق مع صفات الصهيونية المعاصرة، كما أن التطبيع لا يأخذ بعين الاعتبار ما أنبأ الله به عن مصير بني إسرائيل في أول سورة الإسراء، فمن المؤكد أن الذين يسيرون في التطبيع لا يعتمدون على مرجعية القرآن ولا الإسلام ولا المصالح الوطنية المفترضة. هل تعتقدون، وفق إطلاعكم، أنّ من يبرّرون، من المحسوبين على العلماء، الخيارات السياسية في العلاقة بالكيان الصهيوني يستندون فعلا إلى رؤية شرعية اجتهاديّة قابلة للنظر، وفق مفاهيم التعايش والسلام، أم أن "فتاويهم" تصدر عن الأهواء مع سبق الإصرار؟ بالتأكيد لا يعتمد العلماء المزعومون الذين "يفتون" للحكام بالتطبيع أو يسايرونهم أو يحاولون إيجاد مبررات لهم، لا يعتمدون إلا على الأهواء والمصالح الشخصية، أو أنهم ليسوا علماء بالمعنى الحقيقي، فهم غير مطلعين على حقائق الأمور، أو ينظرون إلى الأمر من زاوية ويتركون زوايا أخرى، كما قال الشاعر (علمت شيئا وغابت عنك أشياء)، ولطالما حصل هذا في التاريخ الإسلامي، وكان الكثيرون ممن يُسمّون علماء يسيرون مع الحكام ويمالئونهم، فيما أن كبار العلماء وأئمة الفقه (وكانوا قلة بالنسبة للآخرين) كانوا دائماً يقفون في وجه أي انحراف، ويدخلون بسبب ذلك إلى السجون أو ينفون أو يقتلون في سبيل إحقاق الحق وإبطال الباطل، والأمثلة كثيرة، يكفينا مثلاً موقف العز بن عبد السلام في وجه التتار، وعز الدين القسام في وجه الاحتلال البريطاني والهجرة الصهيونية. البعض يقول إنّ فتوى حرمة التطبيع مع الصهاينة سياسية لا شرعية، ويستدلون لذلك بعدة دول تحتل مناطق إسلامية من دون أن تصدر فتوى مماثلة من العلماء كضم الصين لتركمنستان الشرقية واستمرار ضم روسيا للشيشان وداغستان وغيرها، فما جواب ذلك؟ أولا: يجب تصحيح مفهوم العلاقة بين السياسة والشريعة، فالسياسة بالمعنى الأصلي، قبل أن تصبح من خلال الممارسة تعني الألاعيب السياسية والمهارة المعتمدة على الخبث والدهاء وما إلى ذلك، قبل هذا كانت هذه الكلمة تعني إدارة الأمور وتوجيه الأمة إلى الاتجاه الصحيح، وبالتالي فإن واجب العلماء أن يساهموا في تصحيح المسار وأن يقفوا في وجه الانحرافات السياسية، خاصة عندما تلامس المسلمات العقيدية، والأضرار المحققة التي يمكن أن تعم المجتمعات. ثانيا: لا يمكن من جهة أخرى مقارنة فلسطين وما تعنيه في الشريعة والواقع، وما تختزنه من أبعاد حضارية ودينية عميقة الأثر بأية قضية أخرى، هذا لا يعني أننا نستخف بأية قطعة أرض يسكنها مسلمون في حال استيلاء الآخرين عليها ولكن في نفس الوقت لا تقارن فلسطين بغيرها، فهي القبلة الأولى ومسرى رسول الله وثالث الحرمين الشريفين. ماذا تقرأ في المبررات التي ساقتها الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، لتبرير التطبيع؟ لا نقرأ في هذه المبررات إلا التبعية والسخف السياسي وبيع المقدس بالمدنس، والحرص على المصالح الخاصة على حساب مصالح الأمة المحققة، وتذكرنا أقوالهم المرفوضة بمبررات أو أعذار الكفار في مواجهة الإيمان كما ساقها القرآن الكريم، ومنها مثلاً قوله تعالى على لسان المشركين: {وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا …} (سورة القصص 57)، وقوله تعالى: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} (سورة المائدة 52). هل يختلف الأمر في تطبيع المغرب هذه المرة، خاصة وأن الملك محمد السادس يرأس لجنة القدس في منظمة التعاون الإسلامي؟ لا أظن، لأن الحسن الثاني كان على علاقة مع الإسرائيليين منذ أكثر من 40 عاما، كما أنه وضع أجهزة تنصت على القمة العربية في الرباط عام 65 لصالح الإسرائيليين، ولم يصدق أحدٌ في يوم من الأيام أن ما سمي "لجنة القدس" كانت فاعلة، أو أنها كانت ذات قيمة حقيقية، ولم تتعد كونها مهزلة إعلامية. إسلاميو المغرب ونقصد بهم حزب العدالة والتنمية الذي يرأس الحكومة، ابدوا موقفا داعما للملك محمد السادس، ولم يعترضوا على خطوة التطبيع، كيف تقرأ هذه الأمر منهم؟ كل الحركات الإسلامية، وخاصة تلك المنبثقة عن حركة الإخوان المسلمين، تحتاج إلى إعادة تأهيل، كما تحتاج إلى التذكير بالمبادئ التي أعلنوها طوال عقود من الزمن ومارسوا عكسها تماما، لطالما أدينوا لذلك من خلال قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ (3) } (سورة الصف 2 – 3)، وبنظرة سريعة إلى تاريخ الممارسات السياسية للحركات الإسلامية نجد أنها بشكل عام لم توفق في اتخاذ المواقف المناسبة في كافة المراحل، ولطالما ناصرت الباطل في وجه الحق الواضح، ولطالما تم تحريف الحقائق للوصول إلى أهداف دنيئة كما في سوريا على سبيل المثال. ونستثني طبعا المقاومة في فلسطين وعلى رأسها حركة حماس، وهذا الأمر يحتاج إلى توسيع في مناسبات أخرى. وما نقوله عن الحركات الإسلامية، ينطبق على "الإسلاميين" في المغرب. ماذا عن المزاعم بأن التطبيع لن يكون على حساب فلسطين وحق الفلسطينيين في إقامة دولتهم؟ ذلك يذكرنا بقول الشاعر: ألقاه في اليم مكتوفا وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء هذا كذب واضح لا يستحق الرد عليه. قال الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون إنه لا يبارك ولن يهرول نحو التطبيع، كيف ترى هذا الموقف من الجزائر تجاه فلسطين؟ باعتبار أن مواقف الرئيس الجزائري أفضل من مواقف غيره، وباعتبار تاريخ الجزائر الطويل في دعم القضية الفلسطينية، نفضل أن نكتفي بأن نقول هي حالة ضعف وارتباك، نتمنى أن يتم التراجع عنها بأسرع وقت. قبل خطوة التطبيع، كانت هنالك بعض المؤشرات التي توحي بتحول العلاقة بين أقطاب العالم الإسلامي والكيان الصهيوني، على سبيل المثال، زار الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الشيخ محمد العيسى، ما يسمى بمعسكر الإبادة الجماعية لليهود في بولندا إبان الحرب العالمية الثانية أوشفيتز، وذلك بالتزامن مع إحياء ذكرى "الهولوكوست"، كيف قرأتم هذه الزيارة؟ من الواضح أنها كانت مقدمة للتطبيع، تمت إدانتها في وقتها، ولا نجد تحليلا مقنعا يبين لنا سبب تأخر إعلان السعودية عن انخراطها في التطبيع، بل اتخاذ بعض الخطوات المعاكسة كتصريح الأمير تركي الفيصل، الذي يدين فيه التطبيع، ومنع الطائرات الإسرائيلية الذاهبة إلى الإمارات بالمرور فوق الأجواء السعودية، بالتأكيد أن هذا التردد السعودي ليس من باب الوطنية ولا من باب البحث عن الأفضل للأمة، بل هنالك اعتبارات لا بد أن تكشف قريبا، ولعل الأرجح انتظار بداية ولاية بايدن، فقد تحمل من المتغيرات ما يناسب السعودية أكثر. على خلاف الأنظمة التي اختارت ركوب قطار التطبيع، لا تزال الشعوب ترفض هذا الأمر، كيف يمكن لها مواجهة الأنظمة المطبعة؟ لا بد أولا من زيادة الوعي الشعبي والتأكيد على خيار المقاومة والعمل الدءوب على نشر الثقافة الإسلامية الصحيحة، ودعوة الحركات الإسلامية المزعومة إلى مراجعة حساباتها وأخذ دورها المفترض، ولا بد من الخروج من المذهبية البغيضة التي ليست إلا صنف من أصناف العصبية الجاهلية، وهذه المذهبية حالت دون الاستفادة من الموقف السياسي الجهادي المقاوم للجمهورية الإسلامية في إيران.