في وقت انتشرت فيه الأمراض البكتيرية والالتهابات، لم يعد لبعض المضادات الحيوية تأثير يذكر للقضاء عليها، وهو ما جعل الأطباء يدقون ناقوس الخطر مطالبين بترشيد سياسة وصف المضادات الحيوية للأطفال والبالغين، لأن الإفراط في تناول المضادات الحيوية، منح قوة مقاومة للبكتيريا. تدق عدة هيئات طبية، بما فيها منظمة الصحة العالمية والاتحاد الأوروبي، ناقوس الخطر من المقاومة التي أصبحت تبديها بعض الأمراض الميكروبية والالتهابات للمضادات الحيوية، وهو ما يجعل المرض يتفاقم وينتشر عبر جسم المريض، وتستدعي حالته دخول المستشفى لأخذ جرعات أقوى من المضاد الحيوي، تحقن عن طريق الوريد بدل الفم. ونادت منظمة الصحة العالمية بترشيد استهلاك المضادات الحيوية، بعدما أثبتت الأبحاث أن العقاقير المطهِّرة، قد تكون سبباً رئيسياً في اكتساب البكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية، وهو ما يمهِّد ربما لانتشار حالات التسمم البكتيري في المستشفيات. ومن أسباب نُقص فاعلية المضادات الحيوية حسب الباحثين، هو الإفراط في تعاطي هذه الأدوية أو إساءة استخدامها، كما أن البكتيريا التي تتعرَّض لنفس المضاد الحيوي، تخلق نوعا جديدا من البكتيريا المقاوِمة، لا ينفع معها التعاطي المفرط للمضادات الحيوية. وفي السياق نفسه، دعا مختصون في طب الأطفال، خلال ملتقى علمي عُقد بالجزائر العاصمة مؤخرا، إلى الاستهلاك المتوازن للمضادات الحيوية للأطفال، حيث طالب مصطفى حملاوي رئيس مصلحة طب الأطفال بالمؤسسة الإستشفائية نفيسة حمود (بارني سابقا)، السلطات العمومية بترشيد سياسة وصف المضادات الحيوية "لأن الإفراط في وصفها، يؤدي إلى مقاومة الجراثيم لهذه الأدوية، وجعلها غير ناجعة"، وأبدى أسفه لغياب تنسيق بين المخابر الميكروبيولوجية وأطباء الأطفال، مُشدّدا على ضرورة تنظيم وتبادل المعلومات بينهما، لغرض تخفيف وصف واستهلاك المضادات الحيوية لدى الأطفال، والتي تُصنف في المرتبة الثانية من حيث التكلفة بالجزائر بعد الأمصال. وفي مداخلة لرئيس مصلحة الاستعجالات الطبية للأطفال بالمستشفى الجامعي بجنيف "ألان جارفاكس"، أكَّد على صعوبة تحديد أسباب إصابة الطفل بالحمى، داعيا إلى استعمال التقنيات الحديثة للتحاليل الطبية، ومنها جُرعات "بروتين بالدم" التي تسهِّل الكشف عن الجراثيم وبالتالي وصف العلاج المناسب. وأوضح المختص السويسري أن استعمال هذه التقنية ساهم في تخفيض استعمال المضادات الحيوية بالمؤسسة التي يشتغل بها بنسبة 20 بالمائة خلال سنتين. وتأسف المتدخلون لغياب دراسات وبائية بالجزائر، ما يُصعّب تحديد نوعية المضادات الحيوية الواجب وصفها. وللقضاء على مقاومة الجراثيم، يُشدّد المختصون على المرضى، عدم استهلاكهم المضادات الحيوية، إذا كان مصدر المرض فيروسياً، لأنها لا تفيد في هذه الحالة، خاصة وأن 90 % من مسببات التهابات الحنجرة ونزلات البرد مصدرها الفيروسات، عكس التهابات الحلق البكتيرية أو التهابات الجهاز البولي أو الأذن التي مصدرها بكتيري، وعلينا كمرضى عدم الضغط على الطبيب لإعطائنا مضادات حيوية في مثل هذه الحالات، لأن تناولها المفرط له مخاطر على الصحة. وبدلاً من الضغط على طبيبك أو شرائك المباشر للمضادات الحيوية من الصيدليات، اسأل طبيبك عن السلوكات والأدوية التي تخفف حدة مرضك ما عدا المضادات الحيوية، لأن هناك بعض الأدوية تنفع حالتك ولا تسبب أية مضار، لأنه كلما زاد أخذك للمضادات الحيوية بدون داعٍ، كلما زاد احتمال إصابتك بالتهابات مستقبلية لا تفيد معها المضادات الحيوية. كما يطالب المختصون الصيادلة بعدم وصف مضادات حيوية للمرضى من دون وصفة طبية. ويؤكد الأطباء أن أنجح طرق العلاج تتمثل في تبني أسلوب صحي، يتمثل في غسل اليدين والتأكد من الطهي، مع الانتباه إلى أماكن الالتهاب.