أخفقت الحكومة في إقناع بنك الجزائر، بضرورة مراجعة قيمة منحة السياحة، رغم أن الملف خضع للدراسة على مستوى وزارة المالية، وشكل محور نقاش على مستوى الجهاز التنفيذي لأكثر من مرة، إلا أنه عاد ليحبس في الأدراج، كما صمت بنك الجزائر عن ملف مراجعة هامش الربح المرتبط بالتجارة الرسمية للعملات لتمكين الخواص الراغبين في ممارسة تجارة العملة، من فتح مكاتب رسمية للصرف كخطوة تحفيزية من شأنها توفير البديل للسوق السوداء للعملة الصعبة. كشفت مصادر من بنك الجزائر، أن ملف مراجعة قيمة منحة السفر إلى الخارج الذي أحالته الحكومة من خلال وزارة المالية منذ مدة للدراسة والفصل، لم يجد تجاوبا لدى القائمين على شؤون هذه المؤسسة المالية، وفضل البنك اعتماد سياسة الصمت عوض الرد على مقترح الحكومة برفع قيمة منحة السفر التي تبقى دون المستوى المقبول، ليستمر بذلك مسلسل تقاذف وزارة المالية وبنك الجزائر مسؤولية مراجعة منحة السياحة المقدرة قيمتها ب130 أورو، والتي يعود عمر إقرارها إلى 20 سنة.
ومن مبررات بنك الجزائر رفض مراجعة قيمة المنحة السياحية، حسب مصادرنا فالخزينة العمومية غير ملزمة بدفع تكاليف التسلية والترفيه الخاصة بالمواطنين بالعملة الصعبة، إلا أن هذا المبرر يسقط في الماء عندما نقارن الوضع المالي للجزائر وجيرانها بما يقره هؤلاء لمواطنيهم من حق في منحة السفر، إذ إن السلطات التونسية تقر منحة بقيمة 3600 أورو سنويا، مقابل 4000 أورو بالنسبة إلى المغرب. ورغم أن الحكومة فتحت ملف رفع المنحة السياحية، منذ قرابة السنتين إثر تصريحات وزير الداخلية السابق دحو ولد قابلية، الذي قال إن مصالحه لن تحارب السوق السوداء للعملة الصعبة مادامت هي الوجهة الوحيدة لتغطية حاجة الجزائريين من العملة في غياب صرافات قانونية، إلا أن الترتيبات التي اتخذتها الحكومة لمراجعة قيمة ال130 دولار التي تصفها بعض الجهات بمنحة "العار"، ورغم أن مراجعة منحة السفر تعد أحسن وسيلة لتقليص حجم السوق الموازية، التي تعيش على التحويلات الصغيرة، ذلك لأن تراجع الطلب سيؤدي إلى تراجع العرض إلا أن مقاومة داخلية من أصحاب المصالح و"مافيا" العملة الصعبة تحول دون مراجعة المنحة وكذا دون تقنين سوق العملة الصعبة. تجميد مشروع مراجعة قيمة منحة السفر يفرض الإجابة عن مجموعة من الأسئلة أهمها القرارات التي أعلن عنها محافظ بنك الجزائر محمد لكساصي بخصوص مراجعة هامش الربح المرتبط بالتجارة الرسمية للعملات لتمكين الخواص الراغبين في خوض تجارة العملة، من فتح مكاتب رسمية للصرف كخطوة تحفيزية من شأنها توفير البديل للسوق السوداء للعملة الصعبة. لماذا لا يطبق النص التشريعي المتعلق بمكاتب الصرف الرسمية لإقرار مبدإ المنافسة بينها، ولماذا لا تراجع هوامش الربح المرتبطة بالعملات، والتي لا تتعدى وفق القانون الحالي نسبة 1 بالمائة، والتي يبدو أنها نسبة غير جذابة لممارسة هذا النوع من النشاط الذي يخضع للتعليمتين (08 / 96 و13 / 97) المتعلقتين بتنظيم شروط وقواعد ممارسة نشاط شراء وبيع العملات في مكاتب رسمية، سارية المفعول. بنك الجزائر الذي اعتمد 40 مكتب صرف رسميا للعملة الصعبة، قبل أن يسحب التراخيص من العديد منها بسبب مخالفة أصحابها لأحكام القانون الذي يعتبر قانونا متطابقا مع القوانين الدولية في هذا المجال، بقي عاجزا عن الفصل في مراجعة هامش ربح هذه الوكالات لتنظيم وتقنين نشاط تحويل العملة. السوق السوداء التي تعتبر ملاذ الجزائريين لتلبية حاجاتهم، حتى وإن كانت تشكل مخاطر كبيرة كتهريب رؤوس الأموال والتهرب من الضريبة، إلا أنها تبقى واقعا في الجزائر التي لا تحصي أي مصرف قانوني إلى حد الساعة، لتبقى مافيا العملة تفرض قانونها وتتحكم في رقاب الجزائريين واحياجاتهم حتى وإن كانت ظرفية للعملة الصعبة.