بعد 5 سنوات من الإعلان عن المشروع المتعلق باستحداث رخصة السياقة بالتنقيط، في عهد وزير النقل السابق عمار تو، سنة 2011، الذي اعتبر حينها بمثابة انتقال تدريجي من الإجراءات الردعية إلى الصيغة البيداغوجية في توعية المواطنين والحد من إرهاب الطرقات، وبعد إصدار أولى رخص السياقة بالتنقيط سنة 2013 بولاية سكيكدة، تراجعت وزارة النقل بشكل مؤقت عن هذا المشروع ليتم إلغاؤه رسميا على لسان وزير القطاع عمار غول. فما هي الأسباب التي دفعت الوزارة إلى إلغاء هذا المشروع الذي كان مطلبا شعبيا ورسميا للحد من حوادث المرور والتعسف في السحب الفوري لرخص السياقة وإنهاء معاناة المواطنين مع عقوبات غير عقلانية تعتمد على غرامات جزافية وسحب الرخصة لمدة تصل إل نصف عام..
يدفعها "الزوالية" ويستثنى منها المسؤولو ن وأصحاب "المعريفة" إلغاء رخصة السياقة بالتنقيط للحفاظ على 4000 مليار سنويا! أكد مصدر موثوق بوزارة النقل أن رخصة السياقة بالتنقيط باتت من الماضي، ويستحيل الرجوع إليها لعدة أسباب منها ما هو معلن على غرار تأجيل إصدار رخصة السياقة البيومترية وافتقاد الجزائر في الوقت الراهن نظاما إلكترونيا متطورا لإصدار بطاقات رمادية رقمية وغياب الإمكانات لاستحداث نظام وطني إلكتروني لتسجيل مخالفات المرور، ما يجعل التعامل برخصة السياقة بالتنقيط مستحيلا. وبالنسبة إلى الأسباب الخفية لإلغاء رخصة السياقة بالتنقيط، كشف مصدرنا أنها تتعلق بإجراءات التقشف التي كشفت عنها الحكومة مؤخرا، والتي تتعلق بتعزيز وتنويع منابع إنعاش الخزينة العمومية. وهذا ما أدى إلى عدم إلغاء قسيمة السيارات التي تنعش الخزينة ب700 مليار سنويا، "في حين تعتبر غرامات مخالفات المرور من أهم مصادر تمويل الخزينة والتي تقدر بمئات الملايير سنويا، ولا يمكن للدولة أن تتخلى عن هذه الملايير في وقت تعرف إيرادات الجزائر من المحروقات تراجعا رهيبا، ما يجعل إلغاء رخصة السياقة بالتنقيط أمرا محتما في الوقت الراهن". وتجدر الإشارة أن مصالح الأمن الوطني أعلنت سنة 2014 على لسان المكلف بالوقاية في الطرقات بالمديرية العامة للأمن الوطني، العميد الأول للشرطة أحمد نايت الحسين أنها حررت 704.061 غرامة جزافية وسحب 159.648 رخصة سياقة خلال نفس الفترة، في حين إن مصالح الدرك الوطني حررت في نفس الفترة أزيد من 400 ألف مخالفة. وهذا ما يجعل عدد المخالفات سنويا يتعدى مليون مخالفة، تتراوح قيمتها ما بين 2000 و6000 دج. وفي عملية حسابية بسيطة، فإن ضرب معدل المخالفات المقدر ب 4000 دج في مليون مخالفة، فإن خزينة الدولة تتدعم سنويا على الأقل ب4000 مليار جراء عائدات الغرامات المتأتية من مخالفات المرور. وحسب ما هو معلوم من الواقع فإن المواطن البسيط هو وحده من يدفع غرامات مخالفة المرور التي يستثنى منها المسؤولون وإطارات الدولة والأسلاك الأمنية وأصحاب النفوذ و"المعريفة".
طالبت بالإسراع في اعتماد رخصة السياقة بالتنقيط مصالح الأمن: السحب الفوري لرخصة السياقة غير منصف أكد المكلف بالوقاية في الطرقات بالمديرية العامة للأمن الوطني، العميد الأول للشرطة أحمد نايت الحسين، في حديث سابق للإذاعة الجزائرية بداية العام الجاري نشر على الجريدة الرسمية، أن تطبيق نظام رخصة السياقة بالنقاط ومراجعة الإجراءات العقابية لقانون المرور يندرجان ضمن الشروط الأساسية للتقليص من عوامل خطر وقوع حوادث المرور. وبعد التذكير بأن نظام العقوبات الحالي المطبق على السائقين المخالفين يقوم أساسا على السحب الفوري لرخصة السياقة ودفع غرامات جزافية، اعتبر العميد الأول نايت الحسين أن هذا النظام يعد "غير منصف" مع السائقين الذين يرتكبون مخالفة لأول مرة عن غير قصد "لأنه تسلط عليهم عقوبات مماثلة لتلك المسلطة على السائقين المخالفين المعودين لقانون المرور". وفيما يخص عدد حوادث المرور المسجلة من قبل مصالح الأمن الوطني على مستوى المناطق الحضرية سنة 2014 أشار المسؤول إلى إحصاء 17.383 حادث مرور تسبب في وفاة 828 شخص وجرح 20.717 آخر، معلنا عن وضع 20.755 مركبة بالحظيرة وتحرير 704.061 غرامة جزافية وسحب 159.648 رخصة سياقة خلال نفس الفترة.
محمد العزوني: من غير المعقول اختفاء رجال الأمن وراء الأشجار لتحرير المخالفات أكد محمد العزوني، رئيس جمعية السلامة المرورية، بأن كثرة القوانين والنصوص الموضوعة من طرف وزارة النقل منذ الاستقلال تقتل القانون، معلقا أنه بعد تنصيب وزير نقل، يأتي هذا الأخير بقانون جديد ليبرهن على قدراته في الحكومة، والمشكل يكمن في عدم تطبيق هذه القوانين من طرف مصالح الأمن على غرار المواطنين، فهم معنيون باحترامه لأنه وجد لصالح الجميع، وأوضح العزوني أنه رغم سحب مئات الآلاف من رخص السياقة وتحرير مئات الآلاف من المخالفات المسلطة على منتهكي قانون المرور، إلا أنه لم يسجل انخفاض في حوادث المرور، لهذا أقترح على المسؤولين إعادة النظر في الكفاءات الجزائرية، متمنيا إشراكها في حل المشاكل لأنها قادرة على ذلك، وقال المتحدث، إنه على مصالح الأمن أن يكونوا متشبعين بالأسلوب البيداغوجي والتربوي على عكس الأسلوب الردعي، معيبا على بعض رجال الأمن تصرفهم بالاختباء وراء الأشجار وتسجيل المخالفات، حيث إنهم بذلك يعرضون أنفسهم للخطر، مشيرا إلى أنه من المفروض أن يكون دورهم في الطريق التوعية، التربية والتحسيس، وبالنسبة لإلغاء تطبيق سحب رخصة السياقة بالتنقيط، أكد العزوني أنه قرار صائب، كون هذه العملية لا يمكن إنجاحها في الجزائر، مشيرا إلى أنها فشلت في أوروبا وهي غير قابلة للتطبيق في الجزائر.
رئيس الاتحادية الوطنية لمدارس تعليم السياقة زين الدين عودية: يستحيل إلغاء رخصة السياقة بالتنقيط؟ أفاد رئيس الاتحادية الوطنية لمدارس تعليم السياقة زين الدين عودية، أنه يستحيل إلغاء رخصة السياقة بالتنقيط دون إصدار أي قرار رسمي، بل يستحيل إلغاء هذه الرخصة، لأنه من الواجب على السلطات الجزائرية أن تتقدم وليس أن تعود إلى الوراء، وأردف المتحدث بأن السلطات قررت تجميد العمل برخصة السياقة بالتنقيط لغياب سجل وطني يحمل بيانات ومعلومات حول أصحاب الرخصة المسلمة في كل دائرة مماثل للسجل الوطني لبطاقات التعريف الذي تم إنجازه مؤخرا، فهذا السجل يضيف عودية سيسمح بالتعرف حتى خارج الولاية على عدد المخالفات المرتكبة ويتم خصم النقاط بسهولة وبطريقة مباشرة، وعن أهمية هذه الرخصة، ذكر عودية بأنها ستعمل على التقليل من حوادث المرور بنسبة 70 بالمائة، ضاربا مثالا: عند ارتكاب المواطن مخالفة ويتم نزع النقاط منه وإجباره على دفع غرامة مالية يمارس رقابة ذاتية حتى يتفادى خصم النقاط في كل مرة، مواصلا بأن رخصة السياقة بالتنقيط تقلل من الواسطة أي "المعريفة" لاستعادة رخص السياقة، لأن خصم النقاط يكون فوراومباشرة في عين المكان، وهو الإجراء الذي سيدر أموالا كثيرة على الخزينة العمومية.
رئيس لجنة النقل بالبرلمان جعدي ل"الشروق": لا يمكن للوزير إلغاء رخصة السياقة بالتنقيط دون إصدار أي قانون استبعد رئيس لجنة النقل والمواصلات والاتصالات السلكية واللاسلكية بالبرلمان، منور جعدي، فكرة إلغاء رخصة السياقة بالتنقيط بقرار وزاري دون صدور قانون جديد يحدد ويوضح كل الجوانب المتعلقة بهذه الرخصة، ومن جهة أخرى يرى أن تطبيق آلية رخصة السياقة بالتنقيط لا يكون إلا بعد صدور رخصة السياقة البيومترية وتوحيد البطاقة الرمادية حتى يمكن رصد المخالفات في كل نقاط الوطن والتي يرتكبها سائقو المركبات. وقال جعدي، في تصريح ل"الشروق"، إن تعديل مشروع 14.01 في سنة 2008، نص على ضرورة إصدار رخصة السياقة بالتنقيط ورخصة السياقة البيومترية، ولكن بعد دراسة عميقة للقضية تبين عدم فعالية تطبيق سحب رخصة السياقة عن طريق التنقيط لأن الكثير من السائقين يملكون رخصتين لبطاقة السياقة العادية، ومن خلال ذلك يمكنهم الإفلات من القانون.
المحامي حسان ابراهيمي: بعض الحقوقيين يشككون في مدى دستورية قانون المرور الحالي صرح المحامي "حسان ابراهيمي"، أن المشرع حاول استدراك بعض النقاط السلبية التي تضمنها قانون المرور الحالي، باستحداث نظام قانوني جديد لا يقوم على الردع فقط وإنما يقوم على مبدأ بيداغوجي ردعي في الوقت نفسه، يتمثل في ما يعرف دوليا برخصة السياقة بالتنقيط، التي لا تلجأ إلى العقوبات الردعية والقصرية، إلا بعد تكرارالسائق للمخالفات، وفي نفس الوقت خضوعه لساعات تدريبية في السياقة، لأنه لا يعقل معاقبة شخص على فعل يجهله أساسا والأصل التكوين قبل العقوبة، مؤكدا أن هذا النظام ورغم صدوره في الجريدة الرسمية بقي مجرد حبر على ورق. وأعطى "ابراهيمي" مثال القرار الوزاري المؤرخ في 18 فيفري 2013، الذي يحدد كيفيات إعداد التكوين الخاص لسائقي السيارات، من أجل استرجاع عدد النقاط الضائعة من الرخصة بالتنقيط، بوجوب خضوعه لبرنامج تحسيسي لأسباب وقوع حوادث المرور على مدى ثلاثة أيام متتالية بمعدل ساعي قدره 30 ساعة. واعتبر المتحدث ذاته قانون المرور الحالي قانون عقوبات بامتياز، بل قال إنه تجاوز قانون العقوبات من حيث ميله للعقوبة الصارمة أكثر من اللزوم، بالرغم من أن أي قانون يفترض أن تكون فيه العقوبة من نفس جنس العمل، إضافة إلى احتوائه على إجراءات يشكك الكثير من الحقوقيين في مدى دستوريتها مثل إجراء الاحتفاظ الفوري برخصة السياقة التي تصل إلى 10 أيام، قائلا إنه وكأن عون الأمن أصبح يمارس صلاحيات قضائية، حيث يعاين المخالفة ويطبق العقوبة في نفس الوقت، وهذا يدخل ضمن تداخل صلاحيات السلطات ويخالف المبدأ الأساسي الذي تقوم عليه الدولة، وهو الفصل بين السلطات، مضيفا أنه يحمل عقوبات غير إنسانية وأعطى مثالا عن الدوران الممنوع الذي تصل عقوبته إلى حرمان السائق من الرخصة مدة ستة أشهر، متسائلا كيف إذا كان "كلونديستان" ورب عائلة مصدر رزقهم الوحيد هذه الحرفة؟