عندما تتسلّل الشبهة أيضا إلى المساجد، فتُمنع عملية جمع تبرعات بناء بيوت الله، ويُقاطع المصلون صناديق الزكاة، وتصبح الجوامع للصلاة فقط والعبادة والدعوات، فمن الضروري دقّ ناقوس الخطر، وإشعال النار في قلوب ميّتة، لم تعد تعطي لدور الإمام مكانته ونفوذه. قد يكون تسونامي الفساد والإفساد، وتفريخ المفسدين والفاسدين، واحد من الأسباب المباشرة والعنيفة، التي أدخلت الشكّ إلى نفوس الناس، فأصبح الجزائري الذي كان ومازال مضرب المثل في فعل الخير والمساعدة والتضامن، مشكاكا خائفا من تحويل إعاناته إلى غير الوجهة التي تبرّع بها لها ونواه في سبيل الله! نتذكر جميعا، كيف كانت لجان المساجد تنتقل من قرية إلى قرية، وتزور المساجد في مشارق الأرض ومغاربها، وتعود محمّلة بالمال الحلال المقتطع من تبرعات وصدقات المحسنين، من أجل بناء مسجد، أو مساعدة فقير، أو إطلاق "تويزة" في دشرة مضطهدة وتعيش خارج التاريخ ! لكن، "يا حسراه" بين البارح واليوم، فقد اختف الكثير من هذه اللجان، واستقال الكثير من المتطوّعين، ويكاد والعياذ بالله "ينقرض الخير" ويتضاءل أهل الخير، لأسباب لو تمّ تدقيقها وجردها بتمعّن وموضوعية، لوجدنا فيها الكثير ما يبرّر هذا التحوّل المرعب والمقلق في عقليات الجزائريين! لقد شوّه الدخلاء و"الباندية" العمل التطوّعي، وحوّلوه في كثير من الأحيان، إلى "تجارة مربحة"، وإلى بزنسة وسمسرة لجمع الأموال بطرق احتيالية، والمصيبة أنهم يستعملون اسم الله وبدعوى بناء المساجد وإسكان الفقراء وتزويج اليتامى ومساعدة الأرامل، فلا حول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم. نعم، لقد أضحى الخير في مقاومة الشرّ، وتحت ذريعة "اتقوا الشبهات"، اختار العديد من الجزائريين الكرماء والشرفاء والنزهاء "مقاطعة" أيّ عمل خيري وتطوّعي، ما لم يرون بأعينهم مصير تبرعاتهم ووجهة صرفها "دورو بدورو"، ليس من باب الشحّ والبخل، لكن لتطمئن قلوبهم! ليس غريبا أن نصل إلى هذا الوضع المؤسف والمحزن، فسرقة صناديق الزكاة، وتحويل مواد بناء المساجد لتشييد فيلات شخصية، وإدخال الأيدي إلى "بيت مال المسلمين"، والنتف من حصيلة التبرّعات، كلها مبرّرات نفّرت الجمع وأقنعتهم، ولو بالخطأ، بجدوى الانقطاع ووقف الاندفاع أمام "الشكاير" والصناديق المخصّصة للنشاط الخيري والتطوّعي المتعدّد ! كذلك، فإن تورط الوزير والمدير والمير وسائق الحمير، في فضائح فساد، دفن الثقة والمصداقية، وألّب "أولاد الحلال" على البحث عن طرق أخرى أكثر ضمانا لفعل الخير بعيدا عن اللجان والرسميات والقيل والقال!