هذا عالمٌ جليل من علماء الجزائر، عرفه الأجانب، ونكره الأقارب وبالرغم من علمه الغزير، وشهرته الذائعة فلم يحفظ لنا التاريخ لا يوم مولده، ولا شهره، ولا حوله، وأما وفاته فقد كانت في مدينة فاس بالمغرب الأقصى، في سنة 930ه (523/ م)، وتدل نسبته »المغراوي« على أنه من قبيلة مغراوة، التي تتوزع مضاربها على مناطق عديدة بالغرب الجزائري. اشتهر المغراوي بعلمه الواسع في التفسير، والحديث النبوي الشريف، والفقه المالكي، والبلاغة، فكان - كما وصف - »مرجعا لكبار الفقهاء، والعلماء والمربين« وصار مضرب المثل في ذلك، فقيل فيه: »كل طويل خاوي غير النخل والمغراوي«، أي كل طويل فارغ ماعدا النخل والمغراوي. وبالرغم مما في هذا المثل من غلو ومبالغة، فهو يدل على نظرة معاصريه إليه، وهي نظرة إعجاب وتقدير، وإن كان فيها بخس لغيره من علماء عصره. ترك المغراوي - إضافة إلى تلاميذه الكُثْر- مجموعة من الأعمال العلمية، هي دون سعة علمه، وغزارة معارفه، ولكنها - بما اشتملت عليه من أفكار صائبة، وآراء سديدة - دليل على ذلك الرسوخ العلمي، والنضج الفكري. ومن تلك الأعمال »الجيش المكين في الكَرِّ على مَن يكفر عوام المسلمين«، و»رسالة في الرد على دعاة الهجرة من الأندلس: فقد كان على غير أي كثير من الفقهاء الذين كانوا يدعون مسلمي الأندلس إلى الهجرة، ومنهم الإمام الونشريسي، صاحب »المعيار«. أما المغراوي فقد كان يرى أن يصبر المسلمون في الأندلس، ويصابروا، ويرابطوا. ويوحدوا صفوفهم ويستمروا في جهاد عدوهم، وقد سمى بعض الدارسين المعاصرين رسالة المغراوي هذه »فقه المقاومة«، ولو أخذ برأيه لكان للتاريخ مسار آخر. أما أشهر أعمال أحمد المغراوي فهو كتابه »جامع جوامع الاختصار والتبيان فيما يعرض بين المعلمين والصبيان«. وهو يتناول العلاقة بين المعلمين وأولياء التلاميذ، وحقوق المعلمين المادية والمعنوية، وواجباتهم نحو تلاميذهم ومجتمعهم بصفة عامة. لقد أثار المغراوي في كتابه هذا عدة قضايا ما تزال محل اهتمام خبراء التربية والتعليم، وقد اعتبر الدكتور عبد الهادي التازي -محقق هذا الكتاب - أن المغراوي طرح حلولا لبعض المشاكل التي يتخبط فيها المشرفون على أجهزة التربية (ص25). واللافت للنظر أن المغراوي كان من دعاة تعليم البنت، بالرغم من أن الناس - علماء ودهماء - في عصره كانوا يعتبرون تعليم البنت إحدى الكُبر، وشاع بينهم قول الشاعر: علِّموهن الغزل والنسيج والرُّدْن فصلاة الفتاة بالحمد والإخلاص وخلُّوا كتابة وقراءة تجزي عن يونس وبراءه وقد كان المغراوي فقيها بروح الإسلام ومقاصده، ولهذا خالف العلماء الذين قالوا بعدم تعليم أبناء غير المسلمين، فكان من دعاة ما صار يسمى »حق الإنسان في العلم« بصرف النظر عن دينه وعرقه. وكان في دعوته إلى تعليم غير المسلمين يستند إلى حديث نبوي شريف هو: »لأن يهدي الله بك رجلاً خيرٌ لك مما طلعت عليه الشمس« وفي رواية: »خير لك من حمر النعم«. والأمر الآخر اللافت للنظر في المغراوي أنه كان - رغم أمازيغيته - يدعو إلى الاقتصار على اللغة العربية في جميع مجالات الحياة، وهو يدعو إلى ذلك من باب الجدوى والفائدة العملية، فاللغة العربية هي لغة مشتركة بين جميع القبائل الأمازيغية ذات اللهجات الكثيرة، إضافة إلى أن اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم، وحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا مطمع في فهمهما إلا بالتمكن في اللغة العربية.