اليتيمة وحدها في مواجهة دكاكين الفتنة في مصر أظهر الفضاء السمعي البصري الجزائري محدودية كبيرة في تسيير الأحداث التي سبقت وتزامنت وأعقبت "المقابلة الرياضية" التي جرت بين الفريق الجزائري ونظيره المصري برسم التصفيات المؤهلة لكأسي الأمم الإفريقية والعالم 2010. وبينت الأحداث أن التلفزيون الجزائري بقناة واحدة كان يدافع عن سمعة وصورة الجزائر ليس ضد مجموعة من القنوات المصرية العمومية والخاصة بل كان يلعب ضد قمر صناعي بأكمله، كما يعتقد الخبراء إلى الأمس القريب إنه قمر صناعي عربي يمثل إضافة للعرب وليس أداة لإعلان الحروب المفتعلة ضد الشقيق قبل العدو. * لم تتأخر القناة الفضائية المصرية الرسمية أو قنوات تلفزيون "النيل" العمومية أيضا، وقناة "دريم" و"مودرن سبور" و"الحياة" و"المحور" وهي قنوات خاصة بالإضافة إلى عشرات القنوات من فتح فضاءاتها لسب وشتم كل ما هو جزائري من شجر وحجر وبشر وحتى الشمس التي تشرق على الجزائر. * ولم تجد أرمادة الإعلاميين المصريين "المخضرمين" أمامها سوى جرائد يومية أو بعض المواقع الإلكترونية على شبكة الأنترنت. * إن هذا الوضع يجعل الجزائر في حاجة ملحة وآنية لقنوات فضائية قوية لتسويق صورة الجزائر النقية الصفية في المجالات السياسية والاقتصادية والسياحية والفنية والثقافية والرياضية، وتقديم صورة جزائر مشرقة متفتحة على العالم. * الجزائر لديها الإمكانات المادية والتقنية والتكنولوجية التي تسمح لها ليس فقط بإدارة قمر صناعي أو محطة أرضية للأقمار الصناعية وهي التي أظهرت تحكما عاليا في ذلك منذ سبعينات القرن الماضي ومحطة الأخضرية تشهد على ذلك، بل هي اليوم في حاجة إلى الإسراع في بناء قمر صناعي خاص بالاتصالات الفضائية والبث التلفزي الفضائي من أجل احتلال المكانة اللائقة بالجزائر على الصعيد العربي والقاري والدولي، لا سيما وأن الجزائر تتوفر على موارد مالية كافية للتعامل مع هيئات متخصصة من المستوى العالي داخل الجزائر وخارجها من أجل وضع قنوات متخصصة على السكة وباحترافية عالية جدا. * إن الوزن الكبير للجزائر لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تتحمله جريدة واحدة أو حتى عشرات الجرائد مع الاحترام والتقدير للدور الذي تلعبه وسائل الإعلام المكتوبة في الجزائر، ولكن يجب على الحكومة الجزائرية وبكل احترافية ومهنية التفكير الجاد وبعيدا عن بعض الاعتبارات غير الموضوعية وحتى الأنانية الضيقة، في فتح عقلاني ومسؤول للفضاء السمعي البصري بطريقة مسؤولة وطريقة حضارية ومهنية عالية وفق ضوابط أخلاقية متحكم فيها ومجلس أعلى سمعي بصري قوي وصلب، كما يمكن أن تفكر الحكومة مثلا في وضع دفتر شروط دقيق يمكن من خلاله بناء قاعدة صلبة للإعلام السمعي البصري المسؤول الذي يمكن الجزائر من الدفاع على مصالحها بطريقة شرعية مشروعة حضارية لا تتنافى مع التزاماتها المحلية والإقليمية والدولية سواء على الصعيدين العربي والقاري وحتى العالمي. * لا يستطيع أي عاقل في عالم اليوم نفي أن هناك اهتمام عالمي كبير بهذه الجزائرالجديدة التي خرجت بفضل الله من سنوات صعبة قد لا يكفي المجال اليوم لذكر الأسباب الخارجية لها، ولكن يجب على السلطات المعنية في الجزائر وعلى كل المستويات أن تتلقف هذه الفرصة وتعمل بعقلانية ومنطقية في تحضير الأرضية اللازمة لخلق منتوج إعلامي وقيمة مضافة حقيقية يمكن إبرازها للعالم بالطريقة التي تضمن الحماية والدفاع عن مصالح الجزائر الجيواستراتيجية على جميع الأصعدة، وهو ما يدفع للقول إننا نحتاج إلى فضاءات سمعية بصرية مهنية محترفة وقوية متعددة ومتنوعة على الأقمار الصناعية الموجهة للعالم العربي ونحو القارة الإفريقية وحتى إلى أوروبا والولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية وأسيا، لأن الدولة التي أعلنت عن استثمارات خيالية بقيمة 400 مليار دولار في عشرية واحدة والتزمت بذلك فعلا وهي تقوم بتنفيذ ذلك والعالم كله يشهد على ذلك تحتاج ليس لنافدة فقط بل تحتاج لواجهة جديدة لإبراز وإظهار جزائر جديدة، جزائر قوية، جزائر متفتحة، متسامحة، متعددة، متنوعة برصيدها الثقافي والعلمي والاقتصادي والتاريخي والحضاري، الذي لا نستحي بتصديره للعالم.