بالرغم من أن السؤال عمّن يحكم مصر عام 2011 يعد شأنا داخليا، إلا أن »الحروب الإعلامية« التي قادها النظام المصري على مدى أكثر من نصف قرن ضد الشعوب العربية يدفعنا كعرب إلى طرح السؤال حتى لا يتكرر سيناريو المباراة الرياضية الجزائرية المصرية التي لو كانت الحدود بين البلدين لقامت حرب بينهما شبيهة بحرب السلفادور مع الهندوراس. عمرو موسى أو البرادعي أم جمال مبارك؟ عندما أكد الرئيس حسني مبارك على »مطالبته وسائل الإعلام بالتوقف عن الإثارة ووضع الأمور في نصابها« كان من يقفون وراء قنوات »قواميس الاستخفاف بالشعوب والبذاءة الإعلامية« وهم حسين راتب قناة المحور. وأحمد بهجت (قناتا دريم)، والسيد البدوي (قناتا الحياة) قد اتفقوا على أنهم قاموا بدور خطير عبر الفضائيات فيما وصفوه ب(أزمة مباراة الجزائر). ومادم الناطق باسم المسيحيين الأقباط زكريا بطرس في (قناة الحياة) الدينية، يتهم عمرو بن العاص بأنه »قتل المسيحيين المصريين بجحافل البدو بعد احتلاله مصر« (حصة حوار الأحد 13 / 12 / 2009)، فمن الطبيعي أن يؤدي الإعلام المصري دور الحصان الذي تغطى أطراف عينيه حتى لا يرى إلا ما يراه أصحاب القرار أو أولو الأمر. وكان لابد من توقيف الحملة الإعلامية على الجزائر، لأنها لا تتدخل في الشأن المصري، والتوجه إلى محاربة من يريدون منافسة جمال مبارك في رئاسيات 2011 وفي مقدمتهم محمد البرادعي العالم المصري الذي نال جائزة نوبل عام 2005، وأحد الرموز الدولية العربية وهو واحد من 10 ملايين مصري يعيشون في المهجر. وبالرغم من أنه ترأس أكبر منظمة دولية وهي الوكالة الدولية للطاقة النووية وقلّده مبارك عددا من الأوسمة، ومع ذلك فهو »عميل أمريكي وإسرائيلي لا يعرفه الشعب المصري«، عكس جريدة »الشروق اليومي« وبقية الجرائد الجزائرية التي »تحاملت« على أم الدنيا - وهو اسم طرحه نابليون أثناء غزوه لمصر - والتي شكلت سلاحا فتّاكا ضد أكثر من 18 قناة مصرية، وتهدد أمن 80 مليون مصري. والسؤال الذي سيحرج الإعلام المصري هو: ماذا سيقال عن عمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية الذي قد يكون مرشحا مفترضا مثل الدكتور محمد البرادعي؟ المؤكد أن التهمة الأولى هي العمالة للأقطار العربية التي تعرضت لحروب إعلامية سابقة. المقاطعة الشعبية؟ لم يدرك الإعلام المصري أن في كل دولة محظورات فإذا ما مسّت يدفع ثمنها غاليا، وإذا كانت مصر قد تحاملت على فريق جبهة التحرير الوطني عام 1958 حين لعب مقابلة ودية مع الفريق الأهلي، فإن هذا التعامل لم يخرج عن إطاره الرياضي، وإذا كانت قد تحاملت على الفريق الوطني في القاهرة يوم تأهلت على حسابه عام 1989 فإن ذلك لم يتعد حدود الرياضة. أما حين يتطاول روائيون أمثال يوسف القعيد ويوسف زيدان ومئات الممثلين والمغنيين، وعشرات المذيعين والمنشطين، ويتطاول أعضاء من »نقابة المحامين« بحرق العلم الجزائري، ويتجرأ نائب محسوب على القوميين العرب على وصف سفير جزائري ب»الكلب النذل« فإن الأمر لم يعد قضية يمكن طيّها بل لابد من متابعة من حملوا في القنوات المصرية شعار »اقتلوهم حيث ثقفتموهم« أو من كفّروا الشعب الجزائري من علماء الدين أو من وصفوا شهداء الجزائر ب»اللقطاء«. ويبدو أن الفيلم المصري والمسلسل والأغنية وكل المنتوج الفني سيواجه مقاطعة من القنوات العربية بسبب موجة الغضب الشعبي التي تسبب فيها الإعلام المصري، بحيث يصعب أن تجد جزائريا يقبل على مشاهدة القنوات المصرية، وهو ما دفع »باليتيمة الجزائرية إلى الابتعاد عن كل ما هو مصري«. المؤكد أن الخسارة هي للمنتخبين وليس للمستهلكين، لأن البدائل العربية موجودة في المسلسلات السورية والأغاني العربية »غير المصرية« وربما هو الذي دفع بتفوق »أغاني« أنصار الفريق الجزائري على الفريق المصري، بالرغم من أنها لم تصل إلى مستوى »بذاءة أغنيات عبد الرحيم شعبان« مثلا وهي تتحدث عن »الكلاب أبناء الكلاب«. الحملات الإعلامية المصرية ضد الأقطار العربية بدأت في عهد عبد الناصر ضد الشقيقة سوريا، وفي عهد السادات ضد الشقيقة السعودية، وفي عهد حسني مبارك ضد ليبيا والعراق ومن رفض المشاركة في حلف أمريكا لغزو العراق. كما طالت الشعب الفلسطيني، وسكان غزة، واتهمت »حماس« بأنها ضد القضية لأنها رفضت التوقيع على وثيقة »مصالحة مزورة« بمعنى حذفت منها بنود وأضيفت لها أخرى. إذا استثنينا الكاتب حمدي قنديل (قلم رصاص) الذي تحدث عن رشق الحافلة الجزائرية بالحجارة، فإن بقية الكتّاب المصريين حوّلوا الحجارة إلى »طوب« وتحدثوا عن الرشق بالطوب، بمن فيهم فهمي هويدي. والحرب الإعلامية التي قادتها الفضائيات المصرية مقابل صحيفة جزائرية حولت المجتمع العربي المسلم في مصر والجزائر إلى ما يشبه برميل بارود - على حد تعبير المفكر برهان غليون - قابل للاشتعال في أية لحظة. وبالرغم من اعتراف علاء مبارك بأن الجزائريين لا يعرفون العربية، فإن »أربع جرائد« جزائرية أثارت جدلا كبيرا في أوساطهم الإعلامية وطالبوا بأن تحاكم شعبيا في مقر نقابة المحامين المصريين التي حرق بعض أعضائها العلم الجزائري، ولو أحرقه الأنصار، لما كان هناك رد فعل من أي جزائري. الدعوات إلى الوساطة ورأب الصدع! يقول العارفون بالشأن الجزائري إن عددا كبيرا من الأمراء والملوك والرؤساء والزعماء وحتى العلماء تدخلوا لدى الرئيس بوتفليقة للقيام بوساطة بين الجزائر ومصر بهدف رأب الصدع، وأن الجزائر أكدت لهؤلاء جميعا أنها غير معنية بما يجري في مصر، وليس من حقها التدخل في الشأن الداخلي المصري، ولا يوجد مبرر لافتعال »مشكلة سياسية« بين البلدين، ويستدلون على ذلك بأن الرئيس حسني مبارك حين اتصل بالرئيس بوتفليقة بعد رشق أنصار الفريق بالحجار حافلة الرياضيين الجزائريين ليعتذر له، رفض الاعتذار واعتبر ما حدث يبقى في إطار المباراة الرياضية. ورفض تأجيل المباراة أو تغيير المكان مما دفع بممثلي »الفيفا« إلى طلب ضمانات مكتوبة خوفا من تكرار الحادثة. وإذا كانت السلطة السياسية في الجزائر أدركت أن التصعيد لا يخدم القضية العربية، فإن السلطات المصرية سحبت سفيرها دون مبرر وهي تدرك أن الأضرار التي لحقت ب(جازي) كشركة، هي خسارة للجزائر وليست للشركة لأنها مؤمنة، والإدعاء بأن المصالح المصرية قد مست في الجزائر إدعاء باطل. أما بيانات المثقفين العرب التي تدعو إلى »رأب الصدع المصري الجزائري« فإنها تنطلق من أن هناك »تهييجا إعلاميا« أدى إلى شرخ في العلاقات الجزائرية المصرية، وهي تناشد »المثقفين والكتاب في البلدين للعمل على تدارك الأخطاء التي ارتكبها البعض من هناك وهناك«. ولا أعتقد أنها أخطاء إعلامية لأن أدباء وكتابا وفنانين كبارا، وممثلين ومخرجين ومذيعين وغيرهم كانوا بمثابة »جيش« في حملة استهدفت أعزّ ما عندنا وهم الشهداء. وحين يقول فنان مصري مثل »حكيم« في برنامج يديره أحمد شوبير بأن الجزائر »ليست بلد المليون شهيد بل بلد الميلون لقيط« فلا أعتقد أن الاعتذار يكفي وإنما لابد من »معاقبة أنصار الشر«. ولا أعتقد أن مشكلة الشعب الجزائري هي ما وقع للفريق الجزائري وأنصاره في مصر أو ما يكون قد وقع للفريق المصري وأنصاره في السودان، وإنما هو الإعلام السمعي البصري في مصر. وفي بيان آخر، وقعه مجموعة من المصريين والجزائريين يقول: »إننا لا يهمنا حجم التجاوزات بقدر ما يهمنا أنها وقعت بالفعل.. ولذلك فنحن نعتذر لبلد المليون شهيد ونعتذر كجزائريين لأم الدنيا وشقيقة العرب الأولى مصر«، أيعقل أن يعتذر الجزائريون أو المصريون عن أشياء لم يقوموا بها، من حق أنصار الفريقين أن يتنافسوا على حب كل واحد لفريقه، ولكن ليس من حق الإعلام المصري الرسمي أن يمس توابث الأمة الجزائرية، أما الإعلام الخاص فيمكن مقاضاته. والقمر الفضائي المصري الذي أوقف بث »قناة العالم«، لأنها دعمت الحوثيين، لا يستطيع أن يعاقب من يسيء إلى شعب له تاريخ مشترك معه؟ منذ بضع سنوات ناقش مجلس الوزراء العرب في القاهرة وثيقة تنظيم عمل الفضائيات، بهدف التضييق على »قناة الجزيرة«، بحجة محاربة الإرهاب، لكن هذه الوثيقة لماذا لا تطبق على القنوات المصرية الداعية إلى القتل والعنصرية، فمتى يدرك المثقفون في مصر أن ما تحقق من انتماء عربي لمدة 60 سنة أوقع فيه »أهل الفن والثقافة المصرية« شرخا يصعب رأبه، وتداعياته ستكون لأنصار »القطرية« و»التوجه الغربي«، والخاسر الوحيد هو القضية المحورية للعرب وهي فلسطين. لقد كانت مصر بمثابة الشجرة التي غطت الغابة العربية، وتبين أن الدرس الذي علينا أن نلقنه للأجيال القادمة هو أنه لا توجد شقيقة صغرى وأخرى كبرى، ولا توجد دولة خيرا من دولة ولا زعيم، وإنما شعب عربي واحد، ودويلات إذا لم تتوحد ستكون نهايتها مثل العراق بعد الرئيس صدام حسين.