لم يبق سوى الأب وحفيدته وابنته المعوقة قضت عائلة بأكملها نحبها في ولاية سعيدة، ولم يبق منها سوى الأب والحفيدة وبنت أخرى معوقة، وذلك ليس بسبب حادث مرور أو جريمة جماعية، كما قد يتبادر إلى ذهن البعض سريعا، لكنه كان موتا بطيئا بسبب مرض السل الذي انقرض في عدة مجتمعات ولايزال لصيقا بالمجتمعات المتخلفة مثل الجزائر. * وقد كانت آخر ضحاياه في عائلة الزاوي الابنة مريم التي قاومت كثيرا، لكنها انتهت إلى نفس المصير المحتوم..."الشروق" زارت العائلة والتقت بمن تبقّى منها لتسرد المأساة ببعض فصولها.. * هناك في الحي القصديري لبوخرص بمقر عاصمة ولاية سعيدة كانت تعيش خمس أخوات ووالدهن في بيت قصديري بمساحة 3 أمتار مربع لا يعرفه كثيرون ممن ينفقون مالهم في الحرام ويهدرون المال العام على أي شيء، باستثناء فعل الخير، هو بيت مبني بالآجر والطوب وقليل من الإسمنت متشكل من غرفة صغيرة تنعدم فيها التهوية ومطبخ أصغر منها بكثير، لا تجد فيه ما يسد رمق وجوع العائلة، إلا بعض الصدقات وتبرعات الجيران والمحسنين. * فحالة عائلة زاوي قويدر تميزت منذ نزوحها من دوار الرقاقنة بدوي ثابت سنة 1997 إلى الحي القصديري لبوخرص بامتزاج الفقر بالمرض والبطالة وصعوبة المعيشة، حيث لم تكن تدري أن البيت الذي اشترته في ذلك الوقت بمبلغ 4 ملايين سنتيم ليأويها، ستعيش تحت سقفه مأساة حقيقية - كما يقول جيران العائلة الذين التقتهم "الشروق اليومي" في زيارتها للحي - حيث اشتكوا من عدم استفادتهم من البرنامج السكني الخاص بالقضاء على البنايات القصديرية الذي أقره رئيس الجمهورية، وكذا انتشار النفايات والأوساخ والأوحال أمام مساكنهم المحاذية لوادي سعيدة، ما تسبب بنسبة كبيرة في نظرهم في إصابة أربع بنات من عائلة زاوي قويدر بداء السل ووفاتهن، ويتعلق الأمر بفاطنة، 35 سنة، فاطمة، 31 سنة، عائشة، 28 سنة ومريم، 24 سنة، وهي مناضلة في حركة مجتمع السلم.. في حين أنّ أختهن الصغرى كريمة البالغة من العمر 23 سنة تعوقت حركيا بنسبة 60 بالمائة. * الساعة كانت تقارب الخامسة والنصف مساءً عندما استقبلنا الوالد الذي لم يتردد في دعوتنا لزيارة بيته القصديري، حيث تحشرج صوته وانهمرت دموعه وهو يروي لنا قصة صراع بناته الأربع مع المرض قبل وفاتهن في مدة زمنية قصيرة عاش خلالها رحلة عذاب وألم، وذكر أنه لم يكد يتحمل لحظات المعاناة التي كابدها في رحلة مرض ووفاة ابنته عائشة حتى كانت الصدمة الثانية عندما أصيبت فاطمة بنفس المرض الذي اختطف منه فاطنة الأحب إليه، لأنها كانت تتكفل بشؤون البيت وتؤنسه وقت الشدة وتساعده ماديا كلما تقاضت بعض المال نظير عملها عند الخواص، ليفقد ابنته الرابعة مريم نهاية شهر ماي الماضي، بعد أن ألزمها داء السل الفراش عدة أيام، وهو المرض الذي أصبح يهدد حياة ابنته الصغرى كريمة التي شكل رحيل والدتها وأخواتها الأربع صدمة قاسية أثرت على حالتها النفسية والصحية ولا يمكن أن تنساها طيلة حياته. * وأكد الوالد أن الوضعية الأمنية التي عاشتها منطقة الرقاقنة في بلدية دوي ثابت في العشرية الحمراء أجبرته على النزوح إلى سعيدة، حيث اشترى ببيته القصديري ليستقر فيه رفقة بناته، غير أنه لم يكن يعلم أنه ستجتمع فيه الأمراض والإعاقة والآلام، زيادة على ذلك تقصى إحدى بناته من القائمة الاسمية لحصة 300 سكن اجتماعي الموجهة لحي بوخرص، وذلك بعدما طعنت في القائمة لجان الحي وبعض المواطنين بسبب وفاتها قبل نشر قائمة المستفيدين. * كما تناست لجنة الطعون حالة العائلة، إضافة إلى عدم أخذها بعين الاعتبار لحالة ابنتها البالغة من العمر 10 سنوات التي يتكفل بها جدها لحد الساعة، والغريب في الأمر أنه ورغم إصابة الوالد بأمراض السكر وضغط الدم وفقره وفقدانه لبناته الأربع، الواحدة تلو الأخرى، ولا هيئة رسمية تنقلت إلى مسكنه لمؤازرته ومساعدته والتخفيف من آلامه، حسب تصريحات الجيران وسكان الحي القصديري، وكان عديد من سكان عين البيضاء التابعة لدائرة يوب أبدوا السنة الماضية، تخوفهم من انتشار مرض السل في منطقتهم بعد تسجيل حالات مصابة بهذا الداء الذي ظهر مجددا بعد سنين من الغياب بسبب سوء التغذية وتزايد الفقر وانتشار الأوساخ والقمامات، حيث قضى داء السل على أكثر من ثلاثة أفراد من عائلة واحدة، وقد أدى الوضع إلى عزل أخ وأخته في بيت لمدة فاقت ستة أشهر قبل أن يتم نقلهما إلى مستشفى مخافة انتشار المرض بالقرية. *