صورة من الأرشيف تبيع كليتها ومجوهراتها للإفلات من الحيوانات البشرية بخطى متثاقلة جدا ووجه شاحب تنقّلت إلى مقر الشروق اليومي بعد أن فقدت أغلى ما تملك في هذه الحياة، ولم يعد يهمّها شيء سوى الحصول على سقف تحمي فيه أبناءها الثلاثة لأنها أم عزباء والوالد لا محل له من الإعراب، هي ابنة شهيد، لكن لم يعد لهذا الاسم معنى، لأنها لطّخت سمعتها وامتهنت الرّقص في الملاهي مدة 30 سنة رغما عنها، وهي اليوم في زنزانة يحتقرها الجميع حتى فلذات كبدها يهددونها بالسكاكين. * تدعى "ع.خ" ابنة الشهيد "ع.ب.ع"من ولاية تسمسيلت، والدتها هجرتها ولا تريد أن تسمع عنها شيئا، فبمجرّد أن سألناها عنها ردّت علينا بنبرة غاضبة وهي تبكي "من فضلك لا تحدّثيني عنها لأنها كانت السّبب في الكارثة التي أنا عليها، تزوّجت وتركتنا مرتعا للحيوانات البشرية لا أريد أن أسمع عنها". * من ابنة شهيد إلى راقصة في الملاهي مدّة 30 سنة * تقيم حاليا بإحدى بلديات العاصمة وتنقّلت إلى مقر الشروق لطلب يد العون بخصوص إقصائها من الإستفادة من السكن، تروي حكايتها المأساوية، وعيناها لا تفارقهما الدّموع "مباشرة بعد وفاة والدي زجّ بي أبناء المجاهدين رفقة شقيقتي المعوّقة في مركز الطفولة المسعفة، ترعرعت هناك، لكني حُرمت مع أختي من الرّعاية والحنان، وعندما تجاوزت سنّ العاشرة بدأ تفكيري يتشرّد وكانت أمنيتي الوحيدة أن يطلق سراحي من ذلك المركز.. لم انتبه حتى وجدت نفسي أطرق أبواب الملاهي الليلية بمساعدة مسؤولين في الدولة، ومن هنا تغيّر مسار حياتي".. تتريّث قليلا - تبكي- وتتابع سرد حكايتها المأساوية دون أيّ حرج "دخلت هذا العالم رغما عني، لا أم ولا والد ولا أخ يرعاني، كنت أعيش على جيوب إطارات سامية في الدولة لتأمين لقمة العيش لي ولشقيقتي المعوّقة، وامتهنت الرّقص في الملاهي والحانات مدة 30 سنة، بينما كنّا ننام أنا وشقيقتي بإحدى أكواخ حي "الكاريار" بأعالي وادي قريش، لكننا لم نُرحم داخل الكوخ فقد طُردنا رفقة أبنائي الثّلاثة منها كالكلاب من قبل بعض الأشخاص عديمي الرحمة خلال العشرية السوداء لنجد أنفسنا ننام في الشارع، فتارة نفرّ من الحيوانات البشرية، وتارة أخرى من قبضة مصالح الأمن الذين يلقون بنا من حين لآخر في زنزانات السجن". * * أم عزباء ل3 أبناء أحدهما ليسانس في الترجمة.. لكنّه بطّال * مروان 29 سنة، مهدي 26 سنة وسفيان 13سنة هم أبناء الآم "خ"، مهدي تحدّى كل الظروف لمواصلة مشواره الدراسي، وكان له ذلك، تحصّل على شهادة ليسانس في الترجمة، لكنّه بطّال وفي كل مرة يبحث عن منصب عمل تغلق الأبواب في وجهه، وهو الآن في حالة نفسية جدّ منهارة وناقم على هذه الحياة.. "إنّي أشفق عليه رغم نظراته الحاقدة لي والأسئلة الجارحة التي يوجّهها لي".. وعلى عكس مهدي نجد الشقيق الأكبر مروان العصبي الذي سلك طريقا غير سليم وأجبرته الظّروف على الدخّول إلى عالم الانحراف من بابه الواسع، لكن الأسوأ والمؤسف في الأمر أن هذا العالم جرّده من إنسانيته حيال أمّه، حيث أكّدت لنا تهجّمه عليها بالسكين في كثير من المرّات ويهدّدها بالقتل في كل مرّة يطلب منها المال، كما يتهجّم عليها بالضّرب ويشبعها وابلا من السّب والشتم لأنها أنجبتهم إلى هذا العالم. أما سفيان الشقيق الأصغر الذي لا يفارق أمّه ببراءة الأطفال اضطرّ إلى معاودة الإتصال بنا هاتفيا بعد مغادرة أمّه الجريدة، لا لشيء إلاّ لترجّينا عدم ذكر اسم أمّه بالكامل، لأن ذلك يسبّب له حرجا أمام زملائه رغم أن الوالدة لا تجد حرجا في نشره يقول سفيان "من فضلكم لا تنشروا اسم أمي بالكامل، لا أريد أن يفتضح أمري أمام زملائي" ورغم كل هذا تتحّمل الوالدة مشقة الحياة حتى لو تطلّب الأمر إذلال نفسها، المهم أن توفّر لإبنائها لقمة العيش. * * تبيع كليتها ومجوهراتها لتؤمّن العيش ومستحقات الكراء * في لحظة قرّرت فيها "خ" التوبة واعتزال الملاهي الليلية اتّجهت إلى البقاع المقدّسة حتى تطهّر وتكفّر ذنب حملته لأكثر من 30 سنة انتهت بارتدائها الحجاب وبدأت تركض وراء ملف للحصول على السكن، وقد تلقّت وعودا بإسكانها لدى جهات عديدة، آخرها من الوكالة العقارية بتليملي قبل أن تصدم بشطب اسمها من قائمة المستفيدين من بلدية وادي قريش، لتبقى كل تلك الوعود مجرّد شعارات جوفاء، مما دفهعا إلى اللجوء مرّة أخرى إلى إيجار شقة بدرارية، تسدد مستحقاتها من مجوهراتها وكليتها التي اضطرت إلى بيعا حتى لا تعود إلى العالم الملوّث. * من جهتنا، اتصلنا ببلدية وادي قريش أين أكّد لنا منتخب بلدية وادي قريش أوحمد فريد أن "ع. خ" كانت معنية بالترحيل إلى سكن إجتماعي خلال عملية 2002 وأقصيت من الاستفادة، مما دفع بها إلى الطعن في القائمة لدى مصالح الدائرة الإدارية لباب الوادي، وهناك لم يؤخذ بطعنها بعين الاعتبار، وأضاف أن ذلك ليس من صلاحية رئيس البلدية وليس من صلاحيتها إقصاء مواطنيها من الإستفادة من السكن.