ظاهرة تتكرّر في رمضان كلّ عام، ما أن يخرج المصلّون من المساجد بعد صلاة المغرب كلّ يوم، حتى تلفت انتباههم جموع الشّباب والكهول الذين أخذوا حظّهم من وجبة الإفطار، وانطلقوا مسرعين جماعات وأفرادا، يتسابقون لحجز أماكنهم في المقاهي ونوادي الإنترنت، وفي الشّوارع والاستراحات، ليقضوا ساعات اللّيل قياما وقعودا أمام الشّاشات وحول الطّاولات، للعب الدّومينو والورق والشّطرنج، من بعد صلاة المغرب إلى ساعات السّحر. كأنّ التّراويح لا تعنيهم، بل كأنّهم غير معنيين بصلاة العشاء التي يصدح مناديها في الآفاق يدعو عباد الله إلى الفلاح في ليالي العتق من النيران. ربّما لم يفكّر إخواننا هؤلاء في التّوبة، وإن فكّروا فيها فإنّهم سرعان ما يتخلّون عنها مع دعوات الأصحاب والخلان للاجتماع والسّهر واللّهو والسّمر، فلا يملكون مع الدّعوات والمغريات إلا أن يعلنوا الوفاء لعهدهم مع ليالي رمضان.. فإلى كلّ عبد مسلم لم يفكّر في التّوبة إلى الآن. إلى كلّ عبد مؤمن يظنّ أنّ التّوبة لا تعنيه. إلى كلّ صائم يرى أنّ التّوبة لم يحن وقتها.. بالله عليك أخي المؤمن، إن لم تتب في رمضان فمتى تتوب؟ إن لم تصلح حالك في رمضان، فمتى تصلحها؟. أما آن لك أن تفيق من الغفلة والسّبات؟. أما آن لك أن تصحو قبل السّكرات؟. أفق أخي قبل أن تدعو (رباه ارجعون) فيقال لك: هيهات، هيهات. تأمّلِ النّاس من حولك. غيرك يتوب ويرجع إلى ربّه وأنت لا تزال تسوّف وتؤمّل.. صلاتك تصلّيها في غير وقتها. ذنوبك غلّفت قلبك وأوهنت جسدك. فإلى متى وأنت على هذه الحال؟ إلى متى وأنت مصرّ على سوء الفعال؟. اخرج إلى المقابر وتأمّل حال القبور تَرى كم هي حقيرة هذه الدّنيا. من سينفعك إذا أتاك ملك الموت؟ من سيردّه عنك؟ أبوك؟ أمّك؟ زوجتك؟ أبناؤك؟ أصحابك وجلساؤك الذين ألهوك عن الصّلاة وزيّنوا لك المعاصي والخطايا؟. أنت لا تدري أين هو ملك الموت الآن؟ في الصّين أم في الهند أم في بيت جار من جيرانك أو صديق من أصدقائك. وربّما سيكون في بيتك بعد أيام أو بعد ساعات فهل أنت مستعدّ لاستقباله؟ فوالهفاه بأيّ وجه سيأتيك، وبأيّ قول سيناديك؟. لا تدري بأيّ كلمة ستختم حياتك وبأيّ وجه ستفارق هذه الدّنيا؟. أخي المؤمن.. لا تزال أمامك فرصة.. فلا تيأس. تب الآن، واعقد العزم من الآن أن تعمل لخاتمة حسنة. أن تسعى ليكون رحيلك عن هذه الحياة قصّة ينتفع بها من يسمعها، لتكون داعية إلى الله بعد الموت. اعقد العزم أن تكون من الفائزين برمضان هذا العام. اعقد العزم الآن أن تترك التدخين، وتترك الغناء. أن تحافظ على الصّلاة وتقبل على القرآن. أن تحافظ على الدّعاء والأذكار. أن تفتح صفحة جديدة مع والديك، وتوسّع صدرك لإخوانك المسلمين. أن تجتنب أكل الحرام، وقول الحرام وسماع الحرام والنّظر إلى الحرام.