يصرّ عبد القادر جريو، وهو كاتب ومخرج "ناس السطح" على أن هذا الموسم المعروض حاليا على الشروق، هو الموسم الأخير، وبأن البرنامج سيودع مشاهديه نهائيا، بل إن بحليطو (نبيل عسلي) لا يمل من تكرارها، مخاطبا كل مسؤول، يستقبله على "السطح" بالقول: "خلاص رانا رايحين وتتهنوا منا".. فهل المغادرة سببها، تعب من النقد..خوف من الرقابة؟ أم حبّا في التغيير؟! يقول عبد القادر جريو: "ناس السطح تحوّل إلى ظاهرة تلفزيونية منفردة، وأسسّ للبرنامج السياسي الساخر".. صحيح أنه كانت هنالك بعض الأعمال التلفزيونية سابقا (على غرار عايش بالهف الذي أعتبره مرجعية في النقد الساخر مع سيراط بومدين) لكن "ناس السطح" مختلف، متطوّر أكثر، جريء أكثر !! لقد كانت مغامرة من "الشروق" حقا، في احتضان هذا البرنامج بعد وقفه في قناة أخرى، وباستقباله بعدما بات حضوره مهددا.. الشروق هكذا دوما، تعانق الأفكار الحرة، وتتمنع على الرقابة، وتحترم سلطة المبدعين! "ناس السطح" سيتوقف لأنه يحتاج إلى روح جديدة، وربما عناصر جديدة أيضا، فالسرعة بين أبطاله باتت متراوحة، هنالك من انطلق بقوة فلا يريد أن يتوقف، بل بات "السطح" أضيق من إمكانياته، وهنالك من يشعر بالتعب، والملل، ربما من الرقابة والمتابعة المستمرة، و"السطح" بات أوسع من إبداعه! لكن الأكيد، أن البرنامج قدّم لنا، أسماء كبيرة، على غرار نبيل عسلي الذي كان تحديا بالنسبة له الانضمام إلى هذا الفريق، فهو ليس خريج (جرنان القوسطو) للهواة وإنما تخرج من معهد الفنون الدرامية بعين البنيان، إنه لا يتصرف كالجدد الذين يبحثون عن فرصة، بل هو نجم سينمائي صال وجال في مهرجانات عالمية ومع مخرجين كبار، لكن "بحليطو" بالنسبة لنبيل عسلي مثل تجربة خاصة، تحديا كبيرا، وظهورا مختلفا. ويأتي ثانيا، كمال عبدات الذي أظهر أنه الكوميدي رقم واحد في الجزائر، بين جيله، فنان مثقف، ومتعدد اللغات، يملك في رأسه ألف فكرة لتقليد المشاهير، ونقدهم، وتقمص شخصيات ابن الدشرة، ورجل المدينة في الآن ذاته.. لا ينافسه سوى نسيم حدوش الذي حجز لنفسه مكانا في التقليد وأيضا في ارتداء شخصيات متنوعة ومتناقصة، يرتديها بسهولة وكأنه يرتدي قميصه كل صباح! والأمر ذاته بالنسبة لمحمد خساني الذي ينتقده البعض، يكرهه آخرون لكن الجمهور الواسع منحه الاعتماد وبات رقما مهما في الكوميديا، مثل مراد صاولي الذي يمكن القول إن جملته السطايفية الشهيرة (نشويك) تحولت إلى لازمة.. إنه "يشوي" جميع من يقف أمامه ويتصرف ك"بلدوزر" الكوميديا القادم! مفيدة عداس، أو حدة الڨالمية تمثل بالنسبة للجميع أمل الكوميديا النسائية في الجزائر، حيث لم تعد هنالك أسماء نسوية لتقديم الضحكة ورسم البسمة. حدة تتحدى الجميع، لكنها تتحدى نفسها أولا، وتقدّم لوحات منوعة، ينقصها ربما اكتشاف جديد، بنص مختلف، لتفجر كل ما لديها من طاقات.. مثل وسيلة مقران (أو كبسولة) التي منحها برنامج "ناس السطح" الفرصة للانتقال إلى مسلسلات كوميدية أخرى، نجحت في تقديم الفتاة الشقية، لا تمانع في تقمّص شخصيات قد ترفضها أخريات، فهي ممثلة تحترم النصّ وتعرف جيدا ما معنى لقب فنانة! "ناس السطح" في موسمه الأخير على الشروق، لم يغادر جرأته، وإن قلّل منها، لكن في الوقت ذاته لا يمكن المزايدة على الفريق، أو رسم تحديات ضد (جماعة كادير) مثلما يلقبون نسبة إلى عبد القادر جريو! ناس السطح استحضروا كل الشخصيات، وانتقدوا الجميع بحرية، ربما أسقطوا البعض، ولكن الشعب "فاهم".. ويعرف جيدا أن زهرة واحدة لا تصنع الربيع و"يد واحدة ما تصفقش"، وإن كان الجميع سيصفقون حقا لدى اختتام الموسم، على هذا الفريق الذي غيّر تاريخ البرامج الساخرة بالجزائر، وصنع الفارق من لا شيء.