أمر وزير التجارة، أحمد عبد الحفيظ ساسي، بفتح تحقيق مستعجل في الأسباب الحقيقية لارتفاع أسعار السيارات إلى مستويات قياسية في الأشهر الأخيرة، حيث تسارعت في التصاعد بشكل جنوني منذ تقييد عملية الاستيراد في 2015، حتّى صار اليوم اقتناء مركبة عادية حلمًا بعيد المنال لدى عموم الجزائريين، بعدما سمحت السنوات الماضية لفئة واسعة من ذوي الدخل المتوسط أن يتنعّموا بسياراتهم النفعية. وأفادت مصادر مطّلعة ل"الشروق" أن الوزير قد لاحظ منذ إشرافه على شؤون القطاع، وبالنظر لما هو متداول في السوق، أنّ الأسعار التقديريّة للمركبات المركّبة محليّا مرتفعة كثيرا، بالنظر لتكلفتها الفعلية من جهة، وكذا القدرة الشرائية للمستهلك من جهة أخرى، ما جعله يشدّد على ضرورة فتح تحقيق في الموضوع، حيث أمر أمس، خلال اجتماع تنسيقي لمديريه المركزيين، مدير الأسعار وقمع الغشّ، بالتحرّي الدقيق في خفايا القضيّة التي أصبحت تؤرق الجزائريين، بعدما تفاجئوا بالتهاب المركبات الجديدة والقديمة على السواء، على عكس ما كانوا يعتقدون من أنّ تركيبها وطنيّا سيسهم في تخفيض أثمانها في السوق المحلّية، ويتيح للعامّة من المواطنين شراء سيارات خاصّة، فإذا بهم عاجزون عن تبديل مركباتهم المهترئة، وبقوا يتفرّجون على "منتوج" جزائري، كان إلى وقت قريب بأبخس الأثمان كعلامة أجنبية، فأضحى حلمًا في الخيال وهو يحمل لقب "سلعة" بلادي. وكشفت ذات المصادر ل"الشروق" أنّ الوزير ساسي طلب الانتهاء من إعداد التحقيق المستعجل في ظرف أسبوع واحد على الأكثر، على أساس أنّ الملفّ لا يقبل التأجيل أو التأخير في ظلّ معطيات السوق الحالية واستياء غير مسبوق وسط الجزائريين، بسبب حالة التناقض الغريبة بين الأهداف المتوخاة من خيارات الحكومة نحو التصنيع المحلّي، على المدى القريب والمدى المتوسط، وواقع الأسعار في الأسواق، مشدّدا على أنه من غير المقبول أن يستفيد المصنّعون من امتيازات كثيرة من طرف الدولة، عبر القروض والتحفيزات الضريبية والعقارات وغيرها، في وقت يكون ثمن الإنتاج في نهاية المطاف أكثر بكثير من المركبات المستوردة. وأشار المصدر نفسه إلى أنّ الوزير أكد على ضرورة المراقبة والتدقيق في كافة عناصر التكلفة الإجمالية للسعر الفعلي للسيارة المركّبة محليّا، بدءا بالتصريحات الجمركية التي تكشف عن قيمة قطع الغيار المستورد من الخارج، مرورا بالأعباء المالية الأخرى التي تتكبدها المصانع، على غرار الأجور ومصاريف التسويق، وذلك بهدف المقارنة الموضوعية بين تكلفة التركيب الأصلية وثمن السيارة في السوق، وحساب هامش الأرباح المحصّل من طرف المتعاملين في قطاع السيارات، ما يعني أنّ الحكومة ستلجأ مستقبلاً لتقييد هؤلاء بمراعاة مصلحة وحقوق الزبائن، بدل تحقيق الربح السريع على ظهورهم، وعلى حساب التحفيزات العمومية الموجهة لفائدة القطاع. وأضافت مصادر "الشروق" أنّ التحقيق يشمل كذلك عملية التسويق والتوزيع التي يشوبها في الوقت الحالي الكثير من الغموض وعدم الشفافية، حيث أسرّت ذات المصادر أنّ مصالح الوزارة وقفت على مئات المركبات الجديدة، مركونة بمستودعات ونقاط بيع، مكتوب عليها عبارة "مبْيوعة" مع رقم الهاتف النقال لصاحب المركبة، في حين يُطلب ممن يتقدم لطلب شراء سيارة أن ينتظر على الأقلّ 3 أشهر، في وقت تم أيضا إغراق أسواق بيع المركبات القديمة والمستعملة بعشرات السيارات الجديدة، وهو ما يؤكد بحسب المصدر أنّ هناك سمسرة وإعادة للبيع في السوق خارج الوكالات المعتمدة والمصانع، على حساب الأسعار الأصلية المصرح بها ، والتي هي أصلا ملتهبة. ويأتي هذا الأمر المستعجل للوافد الجديد على التجارة كثاني تحقيق في ظرف قصير، بعد ذلك الذي تكفلت به مصالح الوزير الأول السابق عبد المالك سلال مع وزيره عبد السلام بوشوارب، في أعقاب الضجة التي أثيرت حول حقيقة تركيب السيارات في الجزائر، لكنها انتهت حينها تبرئة ساحة المتعاملين من التحايل على القانون، قبل أن يعلن وزير الصناعة بدة محجوب عن إعداد الحكومة لدفتر شروط جديد لتنظيم القطاع الذي وصفه بالاستيراد المقنّن.