قبل أسبوعين ومن منبر الأممالمتحدة، أطلق سعد الحريري، رئيس الحكومة اللبنانية، مبادرة "الحوار بين الثقافات من أجل السلام والأمن الدوليين"، مؤكدا على أن الحوار قد لا يفلح دائما في إطفاء الحرائق لكنه إذا مورس بمهنية وفاعلية قد يقلل منها. وفي نفس الوقت تساءل رئيس الحكومة اللبنانية قائلا: "كيف يمكن للحوار أن يبني الثقة ويؤسس لعلاقات جديدة، في ظل استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والعربية والانتهاك المتمادي لحقوق الفلسطينيين الوطنية والإنسانية، وعلى رأسها دولة مستقلة عاصمتها القدس؟". أكد الرئيس الحريري في مداخلته على أن الحوار لا يستقيم إذا ما احتجبت غاياته الفعلية وراء أهدافه المعلنة... ثم أن استمرار السيطرة والقهر والتعسف، وعدم وضعه تحت السؤال الأخلاقي، يضع الحوار نفسه تحت السؤال". ما حذر منه سعد الحريري أكده الكيان الصهيوني المتغطرس الذي قام باغتيال الحرية في المياه الإقليمية الدولية عندما تصدى لقافلة الحرية المتوجهة إلى غزة بالأدوية والأغذية ومستلزمات وضروريات الحياة. القافلة كانت متوجهة لمساعدة شعب عانى ومازال يعاني من همجية حرب عشواء وحصار دام أكثر من سنتين ومازال قائما. ما يمارس ضد الشعب الفلسطيني وضد الدين الإسلامي وضد العرب يتنافى مع كل القوانين والأعراف الدولية ويضرب عرض الحائط أبجدية وأدبيات ومبادئ الحوار والتواصل من أجل السلام والأمن الدوليين. وفي كل ما تقدم نلاحظ أن الإعلام في غالبيته وفي معظم الأوقات يلعب دورا هداما وسلبيا في التآلف والتقارب بين الشعوب والحضارات. فوسائل الإعلام تكون مقيّدة بآليات وميكانيزمات تجعلها بعيدة كل البعد عن الموضوعية والالتزام والنزاهة واستقصاء الحقيقة وتقديم الواقع كما هو وليس كما تريده الأوساط المالية والسياسية. فالحركة الصهيونية، على سبيل المثال، وعبر تنظيماتها المختلفة في الولاياتالمتحدةالأمريكية وأوروبا تسيطر على الصناعات الثقافية ووسائل الإعلام ودور النشر وتتحكم بذلك في محتواها وتحددها وفق ما يخدم مصالحها وأيديولوجيتها وأهدافها. ما حدث قبل أسبوعين للصحفية الأمريكية المخضرمة من أصل لبناني "هيلين طوماس"، يؤكد الإرهاب الفكري الذي تمارسه الآلة الإعلامية الأمريكية والأوساط الفكرية والثقافية المتطرفة ضد كل ما من شأنه أن يقدم الحقيقة للرأي العام ويكشف الأساطير والأكاذيب والدعاية والتضليل والتشويه. والأخطر من هذا، أن رؤوس الأموال الصهيونية توّظف في المقام الأول في وسائل الإعلام والصناعات الثقافية وفي الوسائط التي تؤثر في الرأي العام وفي تفكير وإدراكات البشر. فالنفوذ الصهيوني في وسائل الإعلام الغربية وُظف بطريقة منظمة ومنهجية من أجل تقديم صور ذهنية وصور نمطية عن الإسلام والعرب بما يخدم المصالح الصهيونية بالدرجة الأولى. وبطبيعة الحال ما يخدم المصلحة الصهيونية هو تشويه سمعة العرب وتقديم صور نمطية تجعل الرأي العام يتخذ موقفا معاديا وسلبيا ضد كل ما هو عربي ومسلم وهذا الرأي العام يسّهل مهمة المشرع وصاحب القرار في عملية اتخاذ إجراءات وقرارات تضر بالعرب وبالمسلمين وبمصالحهم وتساند وتساعد الكيان الصهيوني بدون نقاش ولا مساءلة. الكلام عن مخرجات المؤسسات الإعلامية يقودنا للنظر في الضغوط التنظيمية وفي القوانين والأعراف والأحكام والقيم التي تدير العمل الصحفي. فالمؤسسة الإعلامية هي مؤسسة تجارية بالدرجة الأولى، لكنها تصنع الفكر والمخيال الاجتماعي والذاكرة الجماعية وتحدد للمجتمع كيف ينظر للعالم وكيف يقّيم الأحداث ومجريات الأمور من حوله. وسائل الإعلام تمثل وتعبر عن البنية الفوقية، التي هي عبارة عن جملة المعتقدات والقيم والعادات والتقاليد والأعراف ونمط الحياة والمخيال الاجتماعي والموروث الثقافي...الخ، وهي في ذات الوقت تعمل على المحافظة عليها ونشرها وترسيخها في المجتمع. والصحافي ما هو إلا نتاج المجتمع ونتاج هذه القيم والتقاليد وبذلك فإننا نجده من خلال الميكانيزمات التي تربطه بالمؤسسة الإعلامية يعمل على تثبيت وترسيخ شرعية النظام والقيم التي تحكم هذا النظام، وإذا خرج عن هذا المنطق فإنه يُهمش ويُستبعد ويوصف بالخائن والمتمرد والخارج عن النظام، وللعلم قد تكون بعض هذه القيم أو المبادئ غير سليمة أو تتناقض مع القيم الانسانية والأخلاقية. وحسب بعض المختصين والباحثين فإن التشويه والتضليل والانحياز في تغطية الإسلام من قبل وسائل الإعلام الغربية يعود بالدرجة الأولى إلى الصراع الحضاري والثقافي بين الغرب والإسلام. وقد ظهر هذا الصراع جليا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وانهيار القطبية الثنائية، حيث ظهر النظام الدولي الذي عمل على تكريس أحادية الثقافية والفكر على الصعيد الدولي. وجاء مصطلح "الإسلاموفوبيا" للتعبير عن الهستيريا التي أصيب بها الغرب ضد الإسلام بعد انهيار الشيوعية، حيث أصبح الدين الحنيف يتصدر قائمة أعداء أوروبا وأمريكا. وأكدت دراسات تحليل المضمون أن كتب التاريخ المدرسية وكتب الاجتماعيات في المدارس الإبتدائية في بعض الدول الغربية وأمريكا أسهمت هي بدورها في إيجاد فكر باطني معادي لكل ما هو إسلام وعرب، وكانت النتيجة أن الأمريكي يتعرض منذ نعومة أظافره إلى جملة من الصور النمطية ومن الأفكار المضللة والمزيفة ضد كل ما هو عربي ومسلم. وأصبح الإسلام مرادفا للتخلف وللإرهاب وللجهل وللأنانية ولحب النفس ولإلغاء الآخر وعدم احترامه وللغطرسة والتعصب...الخ. في ظل هذا التزييف والتشويه والتغطية السلبية للإسلام من قبل الإعلام الغربي، نلاحظ أزمة في الإعلام العربي في عملية تسويق صورة إيجابية وصورة تصحّح هذا الخلل. فالإعلام العربي لم يحدد استراتيجية يستطيع من خلالها تقويم هذا الخطأ وتقديم البديل أو البدائل للرأي العام الغربي والدولي، حيث مازالت الصناعات الثقافية العربية ضعيفة جدا لم ترق إلى الكونية ولم تعرف كيف توّظف اللغات العالمية للوصول إلى الآخرين. والإعلام العربي ما هو إلا انعكاس للأنظمة العربية التي تعاني من مشكلات وتناقضات هيكلية وتنظيمية وإدارية كبيرة جدا جعلت من المنظومة الإعلامية نفسها تتخبط في دوامة من المشاكل والضغوط قد لا تؤهلها للقيام بدور فعّال على الصعيد الدولي، أضف إلى ذلك أن الأنظمة العربية ركّزت جهودها في استخدام الإعلام كوسيلة للسلطة وتثبيت الشرعية والتحكم والرقابة، ولم تول أي اهتمام للبعد الخارجي أو الدولي الذي من المفترض أن يكون من المهام الاستراتيجية للنظام الإعلامي في كل دولة عربية ومسلمة. نخلص إلى القول إن حوار الثقافات حوار أكثر منه حقيقة وإن معركة الصورة هي المعركة الحقيقية اليوم على المستوى الدولي وإن من يكسب معركة المعلومات وصناعة المعرفة وصناعة الحقيقة والرأي العام، من خلال الدور الاستراتيجي للإعلام، هو الذي يسيطر ويقود العالم في الاتجاه الذي يريده، حيث أنه يحدد كيف يفكر الناس وبماذا يؤمنون وكيف يرون العالم وينظرون إليه ويفهمونه. فوسائل الإعلام اليوم تحدد لنا في ماذا نفكر وكيف نفكر ومتى نفكر. ومع الأسف الشديد، محتوى وسائل الإعلام في العالم العربي والإسلامي اليوم مستورد بنسبة تفوق الثمانين بالمائة وهذا يعني أن الآخرين هم الذين يحددون لنا نمط تفكيرنا وأسلوب حياتنا وغذائنا وملابسنا. وبالمقابل نحن لا نقدم شيئا للآخرين ولا نجرؤ حتى على تفنيد أكاذيبهم وأساطيرهم. أما عن تقديم الصورة الحقيقية للإسلام والحضارة الإسلامية ومساهمتها في نشر العلوم والمعرفة فهذا موضوع آخر قد يتعذر الكلام فيه حسب منطق "فاقد الشيء لا يعطيه".