بينما كان قادة أركان جيوش أربع دول عربية يشاركون، الأربعاء الماضي، جنبا إلى جنب مع قائد هيئة أركان جيش الاحتلال الصهيوني الفريق غادي إيزنكوت في أشغال مؤتمر أمني دولي بواشنطن، كان العشراتُ من الناشطين الحقوقيين الأمريكيين يتظاهرون أمام قاعة "كارينغي" للاحتفالات بنيويورك، احتجاجا على وجود فرقة أوركسترا صهيونية بمدينتهم! وعزف المحتجُّون قطعة موسيقية عنوانها "موسيقى ضدَّ الاحتلال"، ورفعوا لافتاتٍ دعوا فيها إلى مقاطعة الفرقة الصهيونية لأنها تدعم العمليات العسكرية لجيش الاحتلال وتخدم الكيان الصهيوني بكونها سفيرا ثقافيا له، كما قال الناشط الحقوقي الأمريكي باتريك كانورس. في الأثناء، تتَّسع في الغرب حملة مقاطعة منتَجات المستوطنات الصهيونية بالضفة الغربية، ما أقلق رئيس وزراء العدو نتنياهو ودفعه إلى التعاقد مع ثلاث شركات غربية للخدمات القانونية بغرض متابعة المقاطعين وتسليط عقوبات ضدهم، لأنهم يشنّون حملة لنزع الشرعية عن "الشعب اليهودي والدولة اليهودية" كما قال نتنياهو! يحدُث كل هذا في وقتٍ يتحدّث فيه الصهاينة يوميا عن خطوات تطبيع عربية متسارعة تحت الطاولة، وزيارات سرية للكيان الصهيوني لتفعيل ما يُسمَّى "السلام الإقليمي" الذي ستكون القضية الفلسطينية ضحيته الأولى، فضلا عن تصريحات عربية تخدم الاحتلال ومنها تنديد ملك البحرين منذ أسابيع بالمقاطعة العربية للمنتَجات الصهيونية، حسب تغريدة للموقع الرسمي للكيان "إسرائيل اليوم" على "تويتر"! إنها حقيقة مرّة ماثلة للعيان؛ ففي وقتٍ تتسع فيه دائرةُ الوعي لدى مختلف شعوب الغرب وفعالياته ونخبه بمدى الاضطهاد الذي يمارسه السرطان الصهيوني على الفلسطينيين بحرمانهم من أبسط حقوقهم، وتتعالى الدعوات في العالم إلى مقاطعته بشتى السبل، يتهافت عددٌ من الزعماء العرب على التطبيع المجاني مع الاحتلال وتبييض صورته التي سوّدتها مجازرُه في غزة، ويحاولون مستميتين فكّ أيّ عزلةٍ دولية عنه! هذا التهافت المخزي هو الذي جعل الاحتلال يصرّ على التنكر لحقوق الفلسطينيين، حتى إن نتنياهو أصبح يتبجّح أن الصورة قد انعكست الآن؛ فبدل مطالبة كيانه بحلّ القضية الفلسطينية وفق مبادرة السلام العربية مقابل تطبيع عربي شامل معه، فإن العرب أصبحوا مطالبين ب"التطبيع أولا ثم البحث عن حلّ القضية الفلسطينية تاليا"! ما فعله عشرات النشطاء الأمريكيين في نيويورك من رفض وجود فرقة موسيقية صهيونية بمدينتهم ودعوتهم إلى مقاطعتها، هو على رمزيته ومحدودية تأثيره- درسٌ بليغ من بعض أحرار العالم للمطبِّعين والمهرولين والمتهافتين على طلب ودّ الاحتلال من دون حدود والساعين إلى التحالف معه بحجة أنه "لم يعد عدوا"، بل أضحى "صديقا جديدا" و"حليفا".. عارٌ أن يرفض الأحرار الأمريكيون وجود مجرد فرقة موسيقية بنيويورك في حين يستقبل البرلمان المغربي في 8 أكتوبر الجاري وزيرَ الأمن الصهيوني السابق عمير بيريتس وأعضاء في "الكنيست"، ويجد هذا السفاحُ من يدافع عن وجوده هناك، وتستقبل الإماراتُ خمسة رياضيين صهاينة للمشاركة في دورة دولية للجيدو بأبو ظبي، ثم "تكافئها" وزيرة الرياضة الصهيونية ميري ريغاف على هذا الاستقبال بالقول: "إن فوز منتخبنا للجيدو بميداليتين، ذهبية وبرونزية، هو أصبعٌ في عين أبو ظبي"!