كثرت التصريحات المثيرة للجدل الصادرة عن الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، جمال ولد عباس.. كما كثرت الجهات المستهدفة من قبل الرجل، الذي أصبح يفتي في كل شيء.. يوزع الاتهامات ويلوم الجميع وكأنه يملك الحقيقة المطلقة، كما يحرص على تكريس خطاب سياسي "تيئيسي" غير مدرك لخطورته. آخر ضحايا الرجل الأول في الحزب العتيد، كان رئيس المجلس الشعبي الوطني، السعيد بوحجة، الذي يعتبر أحد قياديي الحزب أيضا.. لقد لامه ولد عباس على مساعيه الرامية إلى لعب دور الوسيط أملا في حل الأزمة المتفاقمة بين الأطباء المضربين ووزارة الصحة ومن ورائها الحكومة. أمين عام "الأفلان" لم يتردد في وصف مبادرة بوحجة بأنها في غير محلها، عندما قال: "إن استقبال رئيس المجلس الوطني الشعبي، سعيد بوحجة للأطباء المقيمين كان خطأ وزلة منه"، وهو التصريح الذي أدلى به خلال زيارته الأخيرة إلى ولاية تلمسان. ولم يكن رئيس الغرفة الثانية للبرلمان هو الضحية الأولى، فقد سبق لولد عباس أن هاجم الوزير الأول، أحمد أويحيى، بسبب خيارات وقرارات اتخذها، كما هاجمه قبل ذلك بصفته أمين عام التجمع الوطني الديمقراطي، واتهمه بالتمرد على الرئيس بوتفليقة، لمجرد أنه انتقد الحزب العتيد في الحملة الانتخابية للمحليات الأخيرة، وذلك انطلاقا من قناعة ترسخت لديه بأن نقطة ضعف أويحيى هي التشكيك في ولائه للرئيس. "الحرب الشاملة" لولد عباس تمظهرت أيضا من خلال إحالة بعض قياديي الحزب ومن بينهم بهاء الدين طليبة، إلى لجنة الانضباط، وأصر على أن يجرجر معه ستة من الإطارات بينهم نواب ومحافظين، بجريرة يشترك فيها ولد عباس مع طليبة، وهي الدعوة لترشح الرئيس بوتفليقة لعهدة خامسة، حتى وإن ناور وتلاعب في المصطلحات المستعملة. غير أن التصريح الأكثر إثارة للجدل والذي لم يتوقف عن ترديده، هو ذلك الذي قال فيه إن "حزب جبهة التحرير الوطني هو الذي حرر البلاد وسيواصل حكم البلاد إلى الأبد".. تصريح أطلقه وزير التضامن الأسبق خلال الحملة الانتخابية للتشريعيات والمحليات، وكرره أمس، من ولاية تلمسان. هذا الكلام قد يعتبره ولد عباس مجرد تصريحات سياسية عابرة، لكن يبدو أنه غير مدرك تماما لخطورة مثل هذا الكلام، الذي يشيع جوا من اليأس لدى الجزائريين، مثلما يتنافى والتوجهات التي أرستها الدولة منذ سنوات، والتي قوامها التعددية السياسية في الفكر والممارسة. فتأكيد ولد عباس الذي يبلغ من العمر 83 سنة، في كل مرة بأن حكم الحزب الواحد سابقا، سيستمر إلى ما لا نهاية، يعني أن الرجل يدعو الجزائريين من حيث يدري أو لا يدري، إلى عدم الذهاب إلى صناديق الانتخابات مادام الحزب الفائز معروف مسبقا.. فهل يدرك ولد عباس حقيقة هذا الأمر؟ أم أنه يدرك ذلك ومصر على الاستمرار؟