مصائب قوم عند قوم فوائد.. هذا أحسن ما يمكن قوله عن الوضعية التي يعيشها قطاع التربية، إثر إضراب أساتذة الأطوار التعليمية الثلاثة.. فوضعية انقطاع التلاميذ عن الدروس منذ أكثر من 4 أشهر استغلها كثير من الأساتذة غير المضربين وحتى المضربون وموظفون بمهن غير التعليم، وطلبة جامعيون، وصاروا يعرضون تقديم دروس خصوصية للتلاميذ في مختلف المواد، مقابل مبالغ، مبالغ فيها أحيانا. المتتبع للإعلانات المعروضة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولمختلف التطبيقات الإلكترونية التربوية، وحتى للملصقات في الشوارع، يكتشف تزايد ظاهرة الدروس الخصوصية وبالتحديد خلال الأشهر الأربعة الأخيرة، المتزامنة مع إضراب الأساتذة. وفي هذا الصّدد، أكدت لنا مليكة من ولاية البليدة وهي والدة لطفلتين إحداهما تدرس بالتعليم المتوسط والأخرى مقبلة على اجتياز امتحان البكالوريا، أنه في حي 13 ماي وبعدما كان شخص أو اثنان فقط يقدمان دروس الدعم للتلاميذ، تقول: "منذ انطلاق إضراب نقابة الكناباست منذ 4 أشهر، تفاجأنا ب 10 أشخاص، وهم من الطّلبة الجامعيين، يعرضون خدماتهم في تقديم دروس خصوصية، خاصّة للمقبلين على اجتياز امتحان البكالوريا، وبالتحديد في مواد الرياضيات والفيزياء، والأسعار تصل حتى 4 آلاف دج شهريا لثلاث مواد فقط، بمعدل 1500 دج للمادة التعلميّة". وأخبرتنا المتحدثة عن ظاهرة أخرى أكّدتها لها ابنتها الكبرى، وهي أنّ كثيرا من أساتذتها المٌضربين في الثانوية، يقدمون دروسا خصوصية في الفترة المسائية...!! خاصة أن وزارة التربية خصمت أجرتهم الشهرية، وهو السلوك الذي اعتبرته الوالدة "بزنسة وعارا" على جبين بعض مربي الأجيال..؟
أولياء يستعينون بالمدارس الافتراضية ومن جهة أخرى، يعرض كثير من المبرمجين الرقميين وأصحاب المواقع الإلكترونية خدماتهم على التلاميذ، ومن هؤلاء التطبيق الإلكتروني للدعم المدرسي iMadrassa.com. فالأخير، وبشراكة مع الجمعية الوطنية لأولياء التلاميذ، يعرض على العائلات تقديم دروس مجانية للتلاميذ والطلبة، تزامنا مع إضراب الأساتذة. وفي هذا الصدد، أوضحت لنا المسؤولة التجارية المكلفة بالتسويق بشركة " iMadrassa.com "، نسرين مسلم، أسباب مبادرتهم بالقول: "قررنا تقديم دروس مجانية للتلاميذ من السنة 1 إلى غاية البكالوريا، وأيضا للأطفال المرضى بالمستفشيات، وذلك إلى غاية 15 مارس المقبل، لمساعدتهم في التحضير للامتحانات، خاصة أبناء الطبقات الفقيرة، غير القادرين على تسديد تكاليف الدروس الخصوصية". ووصفت المتحدثة الوضعية التي عليها تلاميذ المدارس أنفسهم، ب"الخطيرة، بعدما انقطعوا عن الدراسة غصبا، بسبب إضراب أساتذتهم ولفترة امتدت لأسابيع طويلة". وبحسبها: "البرنامج الدراسي المسطر من قبل الموقع، يوافق البرنامج المسطر من طرف وزارة التربية الوطنية". وموقع iMadrassa.com، تقول: "هو منصة لدروس وملخصات وتمارين تقدم على الإنترنت، يستعملها قرابة 280 ألف تلميذ بالجزائر، والمحتوى يشرف عليه أساتذة ومفتشون من وزارة التربية والتعليم يتم تحديثه بانتظام"، ويدفع المستفيدون من خدمات الموقع في الأيام العادية، اشتراكات مالية، حيث يشترون بطاقات اشتراك من مكتبات معينة، بعد اتصالهم بالموقع، فسعر اشتراك شهر 1000 دج، و2000 دج ل 3 أشهر، فيما يدفع مشتركو 10 أشهر 5 آلاف دج".
أساتذة افتراضيون لتعويض المضربين موقع إلكتروني آخر، هو عبارة عن مدرسة افتراضية، يقدم دروسا للتلاميذ من سن الحضانة إلى الطور الثانوي، وبطريقة حديثة ومشوقة جدا. الموقع صممه أستاذ في مادة العلوم الطبيعية من الجزائر العاصمة، ديلمي بلقاسم، وبحسب حديثه إلى "الشروق"، فهو ينتظر حيازة الاعتماد من طرف وزارة التربية ووزارة البريد والمواصلات. وبحسب الموقع الذي عايناه "مدرسة.نت"، فهو يتضمن العديد من المحاور والدروس المفيدة، ويشرف عليه أساتذة وخبراء. والأستاذ ديلمي أنشأ في 2015 قناة على اليوتيوب، تقدم دروسا مرئية لجميع الفئات، وبطريقة حديثة، وليس شرطا أن ينتمي الأساتذة إلى قطاع التربية، وإنما منهم طلبة جامعيون وموظفون وجامعيات ماكثات بالبيوت، يقدمون دروسا تفاعلية وباستعمال حركات الجسد، وكأن التلميذ حاضر في القسم مع معلمه. وما كشفه لنا صاحب الموقع، أنه يدفع أجور المعلمين من أمواله الخاصة.
أحمد خالد: من غير الأخلاقي والتربوي أن يقدم أستاذ مضرب دروسا خصوصية إلى ذلك، هاجم رئيس جمعية أولياء التلاميذ، أحمد خالد، في اتصال مع "الشروق" الأساتذة المضربين، الممارسين لسلوك تقديم الدروس الخصوصية المسائية، حيث قال: "هذا عمل لا أخلاقي ولا تربوي، فكيف للأستاذ أن يقاطع التدريس في القسم، رغم أنه يتلقى أجرا من الدولة، وفي الوقت نفسه يقدم دروسا خصوصية مسائية لأبناء الأثرياء والميسورين بمبالغ مالية كبيرة". ويرى محدثنا أن الضحية الوحيد في هذه الظاهرة هم التلاميذ أبناء العائلات الفقيرة ومتوسطة الحال، الذين لا يقدر أولياؤهم على دفع مصاريف الدروس الخصوصية.
مسعود بوديبة: ربط الإضراب بالدروس الخصوصية مغالطة فيما اعتبر المكلف بالإعلام بالمجلس الثلاثي للأطوار التعليمية الثلاثة "كناباست"، مسعود بوديبة، في اتصال مع "الشروق"، أن الدروس الخصوصية كانت "موجودة قبل وأثناء الإضراب، ومن يقدمها ليسوا أساتذة فقط، بل طلبة وموظفون ومهندسون..."، مضيفا أن ظاهرة الدروس الخصوصية، لا تتحمل مسؤوليتها لا المدرسة ولا النقابة "بل هي ظاهرة مجتمعية، يتحمل مسؤوليتها الفرد الذي يمارسها والولي الذي يسجل أبناءه فيها". واعتبر بوديبة أن محاولة ربط هذه الظاهرة بإضراب الكناباست "هو مغالطة للرأي العام، وتبديل للوقائع". ومع ذلك يؤكد: "ليس من حق أي أستاذ أن يقدم دروسا خصوصية في أوقات عمله، لعدم التأثير على مهمته، ولكن خارج أوقات العمل، فالأمر يترك لضميره، ومع ذلك نرفض أي شيء يؤثر على مهنة الأستاذ".