7 آلاف جمعية تتقاسم 45 مليون دينار والوزارة تعترف بصعوبة توزيع الدعم يشير موقع وزارة الداخلية إلى وجود 8449 جمعية ثقافية وفنية منها 144 جمعية وطنية و8305 جمعية محلية، كما أحصت وزارة الثقافة في آخر دراسة أجرتها منذ أربع سنوات، 7 آلاف جمعية ثقافية ناشطة عبر الوطن، ورغم أن هذه الأرقام الرسمية تؤكد أن عدد الجمعيات المحسوبة على الثقافة في الجزائر كبير وكان يفترض أن يكون الحضور الفعلي لهذه الجمعيات فاعلا في الساحة. ولكن الحقيقة التي يعكسها الواقع شيء آخر، حيث يكاد لا يذكر دور الجمعيات في الساحة، فضلا عن تراجع دور هذه الهياكل المدنية في احتضان الأسئلة الثقافية ومواكبة الحراك الاجتماعي والرهانات الدائرة حول النخب. فعوض أن تكون الجمعيات فضاءات حقيقية لصناعة الرأي العام الثقافي، تحولت إلى أحزاب سياسية تطاردها لعنات الانشقاقات ويلاحقها داء الحركات التصحيحية. ما هي الأسباب الحقيقة وراء هذه الوضعية التي تعرفها الجمعيات الثقافية في البلاد؟ لماذا انحرفت الجمعيات الثقافية عن أدوارها الفعلية؟ وتراجع دورها في الرهانات الثقافية؟ * أسئلة حاولنا بكل ثقلها طرحها على بعض الفاعلين في الحقل الجمعوي، فأجمعت الإجابات في أغلبها على أن الجمعيات الثقافية اليوم ماتت لعدة أسباب تنحصر في عاملين أساسيين، يتعلق الأول بالمحيط الذي تعمل فيه الجمعيات، من غياب الدعم الفعلي من المال إلى مشاكل المقرات. والثاني، يعود إلى غياب التكوين والوعي لدى المنتسبين لهذه الجمعيات، حيث أضحت اليوم مجرد هياكل للبحث عن أشياء والتصارع على مواقع لا علاقة لها بالثقافة .
غياب الدعم، مشاكل المقرات والصراعات وراء تراجع دور الجمعيات
هذا ما جعل ربما الحديث عن مساهمة الجمعيات في تكوين النخب أمرا سابقا لأوانه بالجزائر، على الأقل في الوقت الحالي، بحسب عبد العزيز غرمول، الرئيس السابق لاتحاد الكتاب، الذي يرى اليوم أنه يمكن الحديث عن مثقفين فرادى ومشاريع ثقافية خاضعة للاجتهاد الفردي، أو حتى الجماعي المحدود. لأن أغلب الجمعيات الثقافية هي عبارة عن مجموعات أصدقاء أو مصالح ترتبط فيما بينها بعلاقات أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها غير ثقافية حتى عندما يتعلق الأمر بجمعيات وطنية من نوع اتحاد الكتاب، الذي »قضيت على رأسه فترتين طويلتين نسبيا، سواء كمسؤول تنظيم في التسعينيات أو كرئيس للاتحاد منذ 2006 إلى 2008، وقد خرجت بتجربة ثرية عن صراعات غير ثقافية في جمعية يفترض أنها ثقافية وتحوز على عضوية الكثير من الكتاب والمثقفين، غير أن الذي حدث أن المصالح الذاتية والطموحات غير المشروعة وقلة الفكر والأدب اللتين يتميز بهما بعض الأعضاء، سيطرتا على المشروع الثقافي للاتحاد ودفعت بالنخبة المتميّزة إلى الفرار بجلدها من صراعات لا تليق بمقامها، ووجدت نفسي بين دوائر متصارعة عن مصالح لا تمتّ للثقافة ولا للأدب بصلة. ويكفي أن كل الآمال التي فتحنا نوافذها مع تلك المجموعة المتميّزة من نشطاء الثقافة لم تعمّر طويلا سواء في عهدي أو فيما بعد «. وبالنظر لهذا الوضع تنتفي حسب غرمول مبررات طرح السؤال من الأساس، »حين يتعلق الأمر بجمعيات لها مشروع ثقافي ويقف وراءها رجال لهم مشاريع ثقافية، وتاريخ ثقافي، وحياء ثقافي إذا صح التعبير. لأن النخبة ليست مجموعة مثقفين فقط ولكنها برنامج عمل عميق وشامل يثرى بجهود واجتهادات تلك المجموعة حتى عندما لا تكون مرتبطة عضويا، أو متفقة نسبيا على تفاصيل مشروع ثقافي معيّن، وهذا لا يتسنّى إلا بوجود برنامج عمل وطني سواء جامعي أو حزبي أو حكومي، أو حتى نخبوي وهنا يبرز السؤال الحتمي: هل الدولة الجزائرية لها إطار ثقافي، ولا أقول مشروعا يستطيع المثقفون أن يفكروا من خلال فضائه كي تتشكل حولها نخبة؟. هذا غير موجود، وبالتالي تجد مثل هذه الجمعيات المنتشرة كالفطريات مضمونها الطبيعي في الانتهازية وقلة الثقافة والأدب، وتستسلم مثلما تشاء هذه الدولة غير المعنية بالثقافة في التكالب على الإعانات الحكومية والامتيازات والاستعراضات الفارغة من المضمون « .
جمعيات صارت واجهات للأطماع ومثقفون لا يملكون ثقافة الاستمرارية
وإذا كان غرمول يقرّ بأن عمل الجمعيات لا يمكن أن ينجح في ظل غياب مشروع ثقافي وطني متكامل يعنى به الجميع، فإن فوزي بولحية، رئيس جمعية الجاحظية بالنيابة، يرى أن العمل الجمعوي يعنى أول ما يعنيه النضال والالتزام بالدفاع عن فكرة معيّنة من قبل جماعة معينة، وقف وسائلها وأسالبيها في إطار القانون طبعا، إذ يرى فوزي بولحية أن المنتسبين للجمعيات عليهم أن يقتنعوا بأن النضال يجب أن يكون مستمرا والهيئات الإدارية غير مطالبة قانونيا بتوفير المال والمقرات، مذكرا بتجربة الجاحظية التي خاضت معركة من أجل المقر حتى بعد حصولها على الوثائق الإدارية التي تؤكد ملكيتها. ورفض فوزي بولحية اعتبار اسم الطاهر وطار وحده من خدم الجمعية »اسم الطاهر وطار صحيح خدم الجمعية، لكن كان أيضا حاجزا بشكل ما، لأن الناس كانت تخلط بين وطار الأديب ووطار رئيس الجمعية وهو لم يكن يوما يخلط بين هذه الأشياء، لأنه لم يكن يحمل آراءه السياسية للجمعية وإن كانت علاقاته الشخصية قد قدمت الشيء الكثير للجمعية«، لكنه أيضا ذكر بدور الشباب والأساتذة الجامعيين الذين كانوا يقدمون كل ما يملكون للجمعية لمجرد أنهم يؤمنون بفكرة لا تموت، كما يحمل مسئول الجاحظية القائمين على الجمعيات مسؤولية فرض أنفسهم في الساحة لأن الكثير من مناضلي الجمعيات لا يملكون ثقافة في التسيير الإداري والمالي تجعلهم يعرفون حقوقهم، هذا ما يؤدي في كثير من الهيئات البلدية والولائية إلى تخصيص الجزء الخاص بتمويل الجمعيات الثقافية وتوجيهه لتمويل الرياضة، لأن أهل الثقافة لا يعرفون كيفية المطالبة بحقوقهم، فضلا عن أن المثقفين لا يملكون ثقافة الاستمرار والتخطيط للوقت والتصور المستقبلي وهذا الذي يضمن الاستمرارية والمداومة على الو جود في الساحة . يرفض فوزي بولحية أن يحمل الجمعيات الثقافية مسؤولية تراجع دور الفعل الجمعوي وفاعليته ويربط بين هذا الأمر وبين الوضع العام والحالة النفسية التي يمر بها المجتمع ككل، وهذا لا يلام فيه المثقف، لأنه وضع مؤقت وعام ربما ناتج عن الهزات التي عرفها المجتمع الجزائري خلال عشرية كاملة دمرت كل شيء حتى نفسية الأفراد . وعلى خلاف ذاك تماما، يقف أبو بكر زمال، رئيس جمعية البيت للثقافة والفنون، موقف المدافع عن حق الجمعيات الثقافية في الحصول على الدعم، بما في ذلك المقرات، حيث يربط بين وضع الجمعيات وبين تراجع دورها في صناعة الحدث الثقافي. ويتساءل أبوبكر زمال، لماذا تتواجد المقرات بدور الشباب والولايات والبلديات فارغة والجمعيات تعاني من أجل البحث عن مقر. وإذا كان غياب المقر يعيق الجمعية عن القيام بدورها، فإن أحد أهم أسباب غياب فاعلية الجمعيات في الساحة يعود حسب أبوبكر زمال إلى غياب التخطيط الاستراتيجي لسياسية ثقافية أو خطة واضحة في هذه الجمعيات على المديين القصير والطويل، مما يجعل هذه الجمعيات تسقط بعد مدة في فخ التراخي والتراجع وربما الانحسار . بروز ظاهرة الانقسامات والتصدعات التي أصبحت الجمعيات تعرفها، يرجعه المتحدث إلى الوضع العام الذي مرّت به الجزائر، إذ لم يعد الظرف التاريخي التي ساهم في خلق نوع من النقاش الفكري في بداية التسعينيات موجودا اليوم، كانت يومها التحولات التي تعرفها الجزائر مساعدة على وضع أسئلة الثقافة في الواجهة . يقر توفيق ومان، رئيس الرابطة الوطنية للأدب الشعبي، بتراجع العمل الثقافي الجمعوي على مستوى الوطن. هذا التراجع يعود أساسا، في نظره، إلى نقص الدعم وغياب الإمكانات المادية التي هي أساس أي نشاط، فضلا عن أعراض مرض المصلحية التي غزت أصحاب الجمعيات الذين يتخذون من هذه الهيئات مطية لأغراض شخصية وطموحات، وفي غياب الإخلاص في نية لخدمة الثقافة وفي غياب الإيمان بالنضال في العمل الثقافي، لا يمكن أبدا أن ينجح أي مشروع، خاصة في ظل طغيان المصالح المادية للأفراد والجماعات على أي مشروع جاد.
هل تعيد وزارة الداخلية النظر في القانون رقم 31 - 90؟
بالنسبة للرئيس السابق لرابطة إبداع، الطاهر يحياوي، يعد القانون رقم 31 - 90 من بين هم الأسباب التي تعيق استمرار عمل الجمعيات وفاعليتها. هذا القانون الذي لم يعط للجمعيات من الحقوق إلا حق الاعتماد، وبالتالي فإن الجمعيات التي ظهرت في محيط قاحل ومقفر في أحضان مجتمع لا يخدم ولا يدعم الثقافة، صارت أشبه بالمتسوّل لصدقات ومساعدات من أجل العمل. ورغم أن الدولة تمنح ما يشبه الدعم لكن في وسط وجود الجمعيات بآلاف تتقاسم بعض صدقات الهيئات والوزارة، يصبح الحديث عن الدعم شيئا مضحكا، زيادة على ذلك، يقول الطاهر يحياوي، القانون نفسه لم يعط العاملين في الجمعيات الثقافية أي حصانة وأي تميّز، بحيث يمكن لكل من هبّ ودبّ إنشاء جمعية وأغلب العاملين في هذه الجمعيات لا يملكون أي رؤية وأغلب الكتاب والمبدعين لا يعرفون حتى الدفاع عن ما لهم وما عليهم وأغلبهم يهتم بظهور صورته والبحث عن النشر، وإذا نشرت لهم مخطوطا استكانوا وتخلوا عن رهاناتهم، فساد الحسد والنميمة الثقافية والعراك والتصارع . بشير مفتى، الأمين العام لجمعية الاختلاف، يعتبر أن صناعة النخبة ليست من مهام الجمعيات، لكنها مهام الجامعات والمدارس والمؤسسات الثقافية، بينما يرى أن الجمعيات مجرد قنوات وروافد لهذه المؤسسات ينحصر دورها في تنظيم المثقفين ومساعدة هذه النخب على الظهور والفعالية. بالنسبة للأمين العام ل»الاختلاف«، لا يمكن اختصار أسباب تراجع دور الجمعيات فقط في شح الدعم ولا في غياب تشجيع الفعل الجمعوي في حد ذاته كفعل يعبّر عن تطلعات مجتمع يريد أن يسير للأمام بكل شجاعة وحرص على بناء ثقافة حرة لا تخضع بالضرورة للوصاية ولا للرقابة، ولكن المجتمع نفسه العاطل عن التفكير وغير القادر على احترام الثقافة، كما يحترم البطن، ضف إلى ذلك عدم نضج الكثير من المثقفين والكتاب الذين لا يؤمنون بالفعل ويختارون الكلام والثرثرة كبديل عن العمل التطوعي.
500 طلب سنوي على طاولة وزارة الثقافة و6 آلاف دينار في السنة لكل جمعية
عادة ما يطرح مسيرو الجمعيات مشكل المساعدات والدعم المالي المقدم من طرف الوزارة الوصية، والذي عادة ما يكون غير كافٍ، بحسب هؤلاء، لتلبية حاجيات الجمعيات ونشاطاتها. هذا الوضع يرجعه السيد فكروس، المكلف بملف الجمعيات على مستوى وزارة الثقافة، إلى كثرة الطلبات التي تتلقاها الوزارة والتي تصل سنويا إلى 500 طلب. وبالنظر للغلاف المالي المقدر ب45 مليون دينار، بعد ارتفاع الدعم المخصص لقطاع الثقافية، إذ كان المبلغ قبل سنتين لا يتجاوز 25 مليون دينار، لهذا يقول المتحدث أن الوزارة تواجه صعوبات كثيرة لتلبية كل طلبات الجمعيات، خاصة في ظل تزايد عدد الجمعيات سنويا، فلو قسمنا مبلغ 45 مليون دينار على 7 آلاف جمعية لوجدنا أن كل جمعية تستفيد سنويا من 6 آلاف دينار، لهذا يقول ممثل الوزارة أن المعايير التي تعتمدها هيئته في منح الدعم مضبوطة قانونيا بشكل صارم، بحيث تكون الجمعيات المحلية مجبرة على المرور عبر مديريات الثقافة التي تعطي رأيها في الموضوع والجمعيات الوطنية، تتوجه مباشرة للوزارة بطلبات الدعم الذي قال ممثل الوزارة إنه يخضع للمرسوم رقم 31 - 90 المؤرخ في 4 سيتمبر 1990. ولم يخفِ ممثل الوزارة أن هذا القانون الذي يتيح أمام أي جماعة إنشاء جمعية يزيد من صعوبة توزيع الدعم على الجمعيات، ومع ذلك يؤكد السيد فركوس أن الطلبات تخضع لدراسة عميقة ودقيقة ومفصلة من قبل اللجنة الوزارية المختلطة التي تقدم ملفات سنوية مفصلة عن العملية التي تحدد أولويات الوزارة بخصوص الجمعيات التي تستفيد من الدعم وهي الجمعيات الناشطة التي استطاعت أن تفرض نفسها في الميدان ببرنامج عمل واضح ودقيق ويساير الأهداف المسطرة من قبل الوزارة والقانون الخاص بدعم الجمعيات وهي الجمعيات التي تعمل على ترقية التراث والتعليم ودعم النهوض بالتاريخ والإرث الحضاري والثقافي وتعليمه وهذا يفرض على الجمعيات نوعا من التنظيم والالتزام بالقانون الداخلي الذي تضعه هي، وتبعا لهذا المخطط السنوي كشف المتحدث أن مديرية توزيع المنتوج الثقافي بالوزارة وهي الجهة المكلفة بدراسة الدعم الموجه للجمعيات دعمت، في 2009، 194 جمعية وطنية.