من منطلق ما رويناه نجد أنفسنا نؤكد على أن ما حدث في الجزائر خلال عشرية دموية يعود أساسا لمنطق التغيير الفاسد الذي ظلت جبهة الإنقاذ تنافح عنه، ففي أوراقها وشعاراتها نجدها تريد تغيير النظام وقيام دولة إسلامية أساسها العدل وتمكين الناس من حقوقهم... * كير على ضفاف ثورات غير ملونة * وفي أرض الواقع من خلال سلوك عقدي، نجد المنطق الانتحاري هو الذي يسيطر على عقول الشباب، ولهذا تحول التمرد من محاولة لتغيير النظام إلى محاولات دموية لتغيير المنطق الذي يقتضي التعايش مع الآخرين، فضلا عن أن الحزبية لا تعني الإلغاء ومحاربة التعددية ومصادرة الآخرين، ولا يمكن أن تنجح إلا بالالتزام الأخلاقي بالمبادئ والقيم التي تفرضها اللعبة السياسية حينها. * لقد حاولت بعض الأطراف على تصدير ذلك المنطق إلى واقع تونس بعد سقوط بن علي، ولكنها أصيبت بخيبة أمل، فقد أرادوا إسلاموية الثورة الشعبية عن طريق الشعارات والبدائل وتوزيع بطاقات الاعتماد على الضحايا كشهداء من خلال ماضيهم والتزامهم، وسمعت نقاشات حادة بالقرب من جثث القتلى، حيث وقع الجدال على منح صفة الشهيد لذلك القتيل أم لا، كما أنهم أرادوا التعامل بالمنطق نفسه مع البوعزيزي الذي يوجد من أدخله الجحيم، وآخرون غفروا له ذنوبه، بالرغم من أن الرجل انتفض لكرامته المهدورة عند صفعة تلقاها من شرطية، ولم يكن يفكر مطلقا أنه سيفتح الزمهرير على الأنظمة في المنطقة العربية، وهذا درس عملي لكل من يستخف بعربة الخضر ولا يرى التغيير إلا في الدبابة، ولكن أثبت الواقع أن الثورة المدنية قد تنطلق من العربة وتصل للقصر الرئاسي بحماية دبابة ولا يجد الحاكم إلا الطائرة للنجاة بجلده. كما أن ذلك أسقط في الماء، نظريات المراهنين على أن التغيير لا يأتي إلا عن طريق التمرد بالسلاح والعيش في أدغال الجبال أو على ظهر دبابات الغزو الأجنبي، بل في ظل عالم تحول إلى قرية صغيرة بفضل الإنترنت، قد يبدأ ذلك من مجرد شعارات تكتب على ورق الكرطون أو من حسابات شخصية في الفايس بوك والتويتر. * الأمر نفسه تكرر في مصر، فلقد شاهدت جموع المتظاهرين وهم يواجهون خراطيم المياه بأداء صلوات الجماعة، وهذا من أجل اختيار الموت وفق إيديولوجيتهم، ولكن لا أحد منهم فكر في الصورة التي سوف تنقلها الفضائيات، فإن هزت مشاعر الشعوب العربية والإسلامية لما لها من دلالات دينية وروحية مقدسة في منظورنا الحياتي، إلا أنها في الوقت نفسه فتحت ملف الخوف من إسلاموية الظاهرة، وعدتها بعض الأطراف مجرد فصل من الحرب على الإرهاب، والذي دفع الغرب وعلى رأسهم أمريكا إلى الدعم الخفي لنظام مبارك، وهذا مثلا عن طريق التقليل من حجم الثورة في الإعلام الغربي عكس ما جرى في أوكرانيا وجورجيا، عندما تسابقت وسائل الإعلام الغربية لإطلاق مختلف المسميات للثورات الملونة ومن منطلق الدلالات الوردية على الانتفاضة الشعبية في بدايتها، حيث كان المتظاهرون لا يصلون في عددهم ولا صورتهم إلى ما جرى في سيدي بوزيدالتونسية أو دمنهور المصرية. والسبب يعرفه القاصي والداني أن ثورة الشعوب في تلك البلاد هي ثورة الموالين لأمريكا وعصبتها ضد المتمردين عليها من النظام القائم، على عكس ما يجري في مصر الآن، والذي هو عبارة عن ثورة مضطهدين معادين للسياسة الغربية على آخرين موالين وعملاء لسياستها يسيطرون على دواليب الدولة. * محاولات إسلاموية الثورة المصرية أو التونسية تعتبر زرعا لبذور الفناء في العهد الجديد، سواء بدعم غربي للبدائل من النظام نفسه أو إجبار من سيتولون السلطة على مراعاة الخطوط الحمراء التي ظلت قائمة والتي تتعلق أساسا بأمن الكيان العبري. فضلا عن أن هناك محاولات لتحويل الثورة إلى مجرد هيجان جوع وعراء فقط، يظهر ذلك جليا من خلال تصريحات الغرب التي تدعو إلى الإصلاحات الفورية من أجل التقليص من البطالة والفقر. ومن جهة أخرى أن محاولات الاحتواء الحزبي من أجل قطف الثمار في إطار التغيير هو أخطر ما يواجه تونس ولا يزال يواجه مصر وسيبقى يتحرش بما سيأتي لاحقا، فقد رأينا معارضين في الخارج بمجرد أن سقط بن علي، ركضوا من أجل تقديم أنفسهم كبادئل بناء على رصيد سابق في الفضائيات والعالم الافتراضي، بالرغم من أنهم لم يلامسوا واقع تونس سوى بما يتردد في الإعلام أو الإنترنت، كما أنهم يتمتعون بجنسيات أجنبية وأبناؤهم لم يستنشقوا هواء بلدهم الأصلي. وهو أيضا ما وقع مع ما تسمى معارضات الداخل التي بمجرد أن تولى بعض قادتها المناصب البارزة، حتى ظهروا بوجه جديد واستماتوا في الدفاع عن مؤسسات وأشخاص كانوا في أجندتهم فاسدين ومستبدين وأعوان الظلم. * الأمر لم يقتصر على ما ذكرنا، بل وجدنا ذوبانا ساحقا للنخب في أوساط الطوفان الشعبي، عكس ما كان من قبل، حيث نعلم أن النخب إما أنها قادت التغيير أو صنعته ونفذه الآخرون، وبالرغم من السلبيات الكثيرة التي توالت بعدها إلا أنه لا يمكن الاستغناء عن النخبوية في التغيير مع تفادي أخطاء الماضي التي أوصلت حال العرب إلى ما هم عليه. * * من هنا يبدأ منطق التغيير! * إن ما حدث في تونس ومصر وما سيحدث في بلدان أخرى لا يمكن حصره في تصور واحد كما يحاول الكثيرون، فهو ليس انتفاضة إسلاموية تنطلق من رؤية الصراع الأزلي بين الكفر والإيمان، بين الحق والباطل، بين عقيدتي الولاء والبراء، ولا هي ثورة شعبية جاءت بسبب الحقد القائم بين الفقراء والأغنياء، ولا هي غضب عام دفعت إليه معادلة التجاذبات الإقليمية بين القوى العظمى والأخرى الصغرى، النامية والمحرومة، المصنعة والمستهلكة... ولا هي ثورة حزبية اشتعل فتيلها لأجل تحقيق امتيازات سياسية في ظل السباق المحموم بين مختلف الفعاليات القائمة. ولا هي ثورة شبابية على خلفية الإقصاء والتهميش في ظل أنظمة تتقاسم الثروة والنفوذ بين جيل واحد تحكمه قواسم مشتركة تتماوج بين المال والعسكرتاريا والشرعية التاريخية، كما أنه ليس صراعا بين الموالين للغرب والمناهضين له. * ما يجري الآن إضافة إلى الحيثيات المشار إليها كلها، إلا أنه في الأساس يعني إلزامية التغيير التي يفرضها منطق الأشياء وصيرورة الحياة، ومهما كان نوع ذلك، لأن التاريخ ينقسم إلى عصور وفي كل عصر له امتيازاته وخصوصياته، فقد عشنا العصر ما قبل الإسلام ثم الإسلامي وبعدها تلته عصور أخرى، منها العصر الأموي ثم العباسي إلى أن وصلنا للعصر الحديث، والذي بدوره انتهى بعصر الإمبراطورية الأمريكية، والآن نحن على أبواب عصر جديد قد لا نعرف له تسمية الآن، ولكن من المؤكد أنه عصر الشعوب التي ستعلن كيانا لها بعدما تتحرر من الهيمنة المطلقة سواء كانت عن طريق الاحتلال العسكري أو الاقتصادي أو السياسي، سواء عن طريق الغزو أو بدعم حكام موالين للأجندة الدولية. والمعلوم أن الحد الفاصل بين عصر وآخر دائما يأتي بالانقلابات والثورات ونهايات أنظمة وذوبان ملل وميلاد نحل أخرى، ولم يحدث زوال عصر أو إمبراطورية أو أنظمة من غير ثورات تغير مجرى الأحداث وتقلب معطيات وتخلق مفاهيما جديدة على كل المستويات. * بقدر ما أن الثورة هي كبيرة على ما يحدث الآن، إلا أن ذلك كشف عن عورات كثيرة، بدأت بالشعوب التي تصمت لعشرات السنين على الظلم والاستبداد والتسلط والفساد، ولا تنهض إلا لما تبلغ القلوب الحناجر، وحينها لا يمكن التغيير إلا على حساب الجثث والأشلاء والدماء الجارفة، وهي سنة الحياة حتما لا يمكن إنكارها. * كشفت عورات الأنظمة التي تمارس الاحتيال على الشعوب والعالم كله، فهي كلها بلا استثناء تزعم أنها صاحبة الأغلبية الساحقة وأن جموع الجماهير تسبح بحمدها أناء الليل وأطراف النهار. عرّت هذه الهبّات الشعبية سذاجة العلاقة بين الحاكم والمحكوم، والمبنية إما على التقية أو النفاق أو الصمت أو الترصد للوقت المناسب، فلا يوجد من يناصر حاكمه على قناعة يمكن أن يدافع عنها في المحن، غير أن عقلية المصلحة والابتزاز وبيع الذمة هي التي تحكم الأنصار كما تؤجج اللهيب في عقول المناوئين. * هذه الثورات التي يمكن أن نسميها اختصارا ثورة واحدة تتعدد مشاهدها بين الأقطار العربية، كشفت عورات الدعم الغربي للأنظمة المستبدة، ومدى التواطؤ في تكسير شوكة إرادة هذه الشعوب حتى لا تصنع غدها، بل يراد من ذلك الفعل المشين أن تظل مجرد قطعان من الماشية والدواب تستغل ثرواتها وحتى أفكارها في بلورة مستقبل الآخرين. عورة أخرى ظهرت للعيان وبينت مدى همجية الآخرين سواء من المستبدين أو أسيادهم، وهو الحقد الذي يكنه الحكام لشعوبهم، ويكفي الدماء التي تهرق على مرأى العالمين ومن خلال الفضائيات المتابعة لمأساة المصريين وقبلها في تونس. * فالشعوب تتعرض للظلم وإفساد القيم والأخلاق لتحويلها إلى مجرد تبّع أو مجرمين يلاحقهم القانون ولا يحترمون حتى أنفسهم. فالمجتمعات العربية تحولت إلى خزّان رهيب لصناعة الجريمة والمجرمين، الذين صاروا يستعملون في مثل هذه الأوقات الحرجة، فالشرطي الذي يقتل الشعب هو مدان يستحق العقاب، والمجرم الذي تفتح له أبواب السجون ويستعمل من أجل قمع المنتفضين المسالمين من النخبة، هو دليل إدانة ضد هذه السلطات التي تزعم حماية الأمة والأوطان، ولكنها للأسف مارست الجريمة وعند إحتدام النهاية لا تجد غير المجرمين لتحميها من الأحرار والثائرين.. * نعم... لقد انكشفت عورة الفقر والبطالة، برغم الأرقام المزورة التي تعطيها الأنظمة الشمولية وتباركها القوى الامبريالية الكبرى عبر هيئات دولية تزعم أنها مستقلة أو غير حكومية، كشفت أيضا عورة التزوير الذي يلاحق كل شيء وعلى رأسها الإنتخابات، فالحكام يعلنون دوما أنهم تحصلوا على أغلبية ساحقة ودائما تحت قوانين حالة الطوارئ، ولما جاءت مثل هذه الانتفاضات الشعبية كشفت بما لا مجال للنقاش فيه، أن هؤلاء لا يملكون أي صوت مؤيد لدى شعوبهم، ولا يحصلون إلا على أصوات المنتفعين من الريع والمنبطحين على أبواب القصر. كما أن الثورة كشفت عورة الديمقراطية المزيفة التي يتغنى بها ويكفي القمع الرهيب الذي يعترض سبيل المتظاهرين سلميا، كما كشفت عورات شعارات حقوق الإنسان التي يتغنى بها الغرب ويصدع بها رؤوس الدول المارقة أو ما تنضوي تحت "محور الشر" على حد فتوى بوش، وأكدت مدى الكيل بمكيالين عندما يتعلق الأمر بشعوب العالم الثالث وخاصة العربية التي صارت دماؤهم أرخس من دم البعوض. * كما كشفت أيضا عورة المزايدين بالشرعية الثورية، وأكدت أن هذه الشرعية مزيفة ولا يملكها إلا الشارع، فلم يقتصر الأمر على ذلك بل الحكومات قدمت الدليل القاطع والبرهان الساطع على العقلية البدائية التي تظهر جليا في ممارسة السلطة من خلال استعمال المجرمين و"البلطجية" في مواجهة المحتجين والمعارضين، وهذا ما كان يظهر في العصور الغابرة، لم يفلح في تجديد تلك المشاهد غير حكام العرب وعلى رأسهم حسني مبارك، الذي يمارس هذه البدائية العلنية في السلطة والأمن والإعلام والاقتصاد والدبلوماسية، وأيضا ينفذها بوحشية يقل نظيرها لتحقيق نزوات الانتقام من الخصوم والمناهضين لسياسته. * هناك شيء آخر يجب الإشارة إليه، ويتعلق بنظرية تصدير الثورة التي لا تزال من مشاريع النظام الإيراني أو ما يصطلح عليه لدى الكثيرين ب "الثورة الخمينية"، وبالرغم من الثروات التي خصصت لذلك إلا أنه لم تحدث ثورة جعفرية في أي بلد عربي، وحتى الشيعة في العراق الذين هم الأقرب، لم يتمكنوا من الوصول إلى الحكم عبر ثورة تشبه ثورة الخميني الذي يوالونه فقهيا وعقديا وسياسيا، بل وصلوا عن طريق الاحتلال الأمريكي المدعوم من طرف النظام الإيراني بالرغم من فتوى الخميني التي تصف الولاياتالمتحدة بالشيطان الأكبر. * إزداد فكر تصدير الثورات الآن منذ سقوط الرئيس بن علي في تونس، فالكل يهلل للثورة التونسية في البلاد العربية، حتى صار البوعزيزي رمزا يقلده الشبان اليائسون أو المتهافتون على حرق أنفسهم علهم يظفرون بشهرة ويغدون من صناع التاريخ الذين عجزوا أن يحققوا حتى لقمة عيش صغارهم وهم أحياء صاروا يفضلون الموت لأجل مشاهد أسطورية لا ينالون منها شيئا، وهذا عين الخطأ فلكل حادثة حيثياتها وما صنع ثورة هنا ليس دوما يصنع ثورات هناك، فإن كان حرق النفس في تونس أدى إلى ما رأينا فلا يعني مطلقا أن الحادثة لو تتكرر فقد تحقق ما وصل إليه أمر الرئيس المخلوع بن علي. * الثورة ليست عاطفة عابرة ولا ردة فعل أملتها حادثة ما، حتى وإن كانت النار من مستصغر الشرر، ولن تكون أبدا عبارة عن تظاهرات تؤدي إلى إسقاط نظام وإقامة نظام آخر بدله، فالثورة قيم حضارية تتجلى في المجتمع وتتحكم في عادته وتقاليده وتفكيره وممارساته الحياتية، وهي تغيير جذري شامل في منظومة الحكم ونظرياته التأسيسية. الشعوب التي يجرؤ حكامها على اضطهادها ولا تتحرك إلا بعد أكثر من ثلاثين عاما، هي في مستوى خطير للغاية يجب تداركه الآن بعد هذه اليقظة التاريخية، ولا يسمح مستقبلا بظلم دابة تعثر في العراق أو اليمن، فضلا عن المساس بمواطن له الحق في الحياة الكريمة. كما يجب أن تتدارك الكثير من خصوصيات الوعي وحيثيات الالتزام الوطني تجاه البلاد والعباد، فبلا شك أن الأنظمة عملت على إفساد القيم قبل أن تفسد في المال العام، ولكن بالرغم من كل ذلك يجب علينا مراجعة كياننا وأخلاقنا وإلا يصل بنا التفسخ إلى حد العيش من دون هوية، فالشعب الذي يتنازل عن هويته لا يصنع التغيير، والشعب الذي لا ينافح من دون تسويف عن حضارته وتاريخه وشرفه لا يدوم عزّه، بل حتى عندما يصنع ثورة فسرعان ما تتهاوى ويعود بآلاف الخطوات إلى الخلف، لأنه لم يكن يملك البدائل التي ترقى إلى مستوى تطلعاته المشروعة. * لا يجب أن نبالي بالنعيق الذي نسمعه من أطراف مختلفة، حيث توصف ثورات وانتفاضات الشعوب في بعض الأقطار العربية هو إساءة للنفس وللوطن، مما يعني حسب منطقهم أنه يجب ستر هذه العورات أمام العالم ولو بالاستكانة والخنوع والذل والهوان، ولكن الغريب أن هؤلاء يتجاهلون أن المستور الذي يعرفه الآخرون عن بلادنا أخطر مما نعرفه نحن، ويكفي ما كشفته وثائق ويكيليكس من فضائح الحكام العرب، بل حتى وثائق الجزيرة التي عرت ما يدور في كواليس المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، كما أن هؤلاء يقفزون عمدا على أن الإساءة لا تأتي من شعوب تنشد الحرية، وتنتفض ضد استبداد مدعوم من الآخرين، بل تأتي من الحكام الذين يتنفذون بحبل التبعية للغرب، ويمارسون التسلط والإفساد والاضطهاد والتجويع والتفقير في حق شعوبهم، فالحد الفاصل بين الثورة وستر العورة هو نهاية هؤلاء الطغاة ومحو أنظمتهم ومناهجهم وإيديولوجياتهم من مشاهدنا، حينها لا يبقى مجال للخيانة ولا للتقارير السرية التي تهرب لمكاتب خفية في الموساد ومشتقاته. * في الأخير وجب التأكيد أن عورة الثورة في عقلية تصديرها كنموذج عابر أملته الظروف وجيشته العواطف وأججته الأحداث، فلما نرى الشعوب تتأثر على ما تفرضه الفضائيات أو تمليه وسائل الإعلام الأخرى، فيتحول التغيير إلى مجرد موجة غوغائية عابرة جاءت نتيجه تأثيرات الصورة أو المشهد أو الخبر، فذلك هو أخطر ما يهدد شعوبنا، وإن استمر الأمر على ما هو عليه، فنحن سنخرج من استبداد زين العابدين بن علي إلى فساد علي بن زين العابدين، وأننا سنفلت من ديكتاتورية حسني مبارك إلى بلطجية مبارك حسني... حينها نجد الدائرة عادت بنا إلى ما قبل المربع الأول ولا ندري منتهاه وخاصة إن خرج علينا المزايدون بصناعة الثورة وشرعيتها، وسنقضي عشرات السنين ونحن في دوامة أخرى ثمن النجاة من مخالبها أغلى مما دفعناه الآن... فما أحوجنا لثقافة الحضارة والتغيير، التي نتوارثها عبر الأجيال، وتجعل كل من كلفناه بقيادتنا يحسب ألف حساب قبل أن ينفذ أدنى الأشياء خارج إرادتنا ولا من غير الأمانة التي شرفناه بحملها.