بقلم: خضير بوقايلة الأنباء السارة لا تفارق المحظوظين أمثالنا، ولعل أهم خبر سار طالعتنا به صحفنا الوقورة هذا الأربعاء كان عن تأكيد فخامة الرئيس بعظمة لسانه أنه في صحة جيّدة. والحق أنني لا أعرف إن كنت سأشكر فخامته لأنه نقل إلى شعبه المحتار هذه البشرى العظيمة أم أنّ الشكر يعود إلى وزير الداخلية الفرنسي ساركوزي الذي جلب لنا معه تلك الصحافية الشاطرة التي دفعها حزنها على الأخبار المتداولة عن تدهور حال صاحب الفخامة فقررت أن تسأله أمام الملأ عن أخبار صحته. قرأت بعض التعاليق عن زيارة نيكولا ساركوزي وجلّها كانت ترى أنها زيارة انتخابية للوزير الفرنسي وأنها زيارة فاشلة ولم تقدم شيئا لفائدة الجزائريين، وهنا أطلب من الذين يتبنّون مثل هذا الكلام أن يراجعوا أنفسهم ويعترفوا أنّ هذه الزيارة كانت من أنجح الزيارات وأهمّها بالنسبة لنا نحن الجزائريين. لا أتكلم هنا عن وعود ساركوزي بتخفيف التشديد على منح تأشيرات السفر إلى فرنسا، بل لأن هذه الزيارة سمحت لنا أن نطمئنّ أخيراً على صحة فخامته ونعلم أنه ليس مريضا وأنه تعافى نهائيا من وعكته. تخيلوا لو أن ساركوزي لم يكلف نفسه عناء المجيء إلينا، هل كنتم تعلمون أن صاحب الفخامة في صحة جيّدة؟ هل كنتم تسمعون صحافية جزائرية تسأل فخامته عن أخبار صحّته؟ هل كنتم تسمعون صاحب الفخامة يتحدث أمام الكاميرا عن مرضه وعن صحّته؟ بل هل كنتم تتخيلون أن يكون هناك أصلا لقاء وفرصة لتبادل الحديث بين فخامته وصحافة بلاده؟ إذن فلنراجع تقييمنا لزيارة ساركوزي ولنعتبرها من أنجح الزيارات على الجزائريين، وما دام حمل لنا معه تلك الصحافية فلندع له بالتوفيق والنجاح ليفوز بكرسي الإيليزيه حتى يعود لنا مرة أخرى، فهو فأل خير علينا. كما أطلب من لجنة جائزة الخبر الدولية أن تكتفي للسنة القادمة باسم واحد عند دراسة الترشيحات هو اسم الصحافية التي جاءتنا البشارة عن طريقها. وهنا أستأذن صاحب الفخامة لأوجّه له تحية خاصة وتهنئة بحجم قلوب الجزائريين على البشارة التي زفّها إلينا بخصوص تعافيه الكامل وأدعو بالمناسبة إخواننا في كل مكان إلى تبادل التهاني وملء صفحات الجرائد ببرقيات التهاني والدعاء لفخامته بدوام الصحة والعافية حتى يتمكن من إنهاء المشروع الكبير الذي بدأه من أجل إخراج الجزائر من عهد الظلمات إلى عهد الأنوار، وأستأذنه أيضا لأطلب منه أن لا يكرّر علينا تهديداته بالعودة إلى منزله، فقد قال للصحافية إنه عندما يجد نفسه مريضا فعلا سيعود إلى بيته، وهو تهديد صرت لا أحبه من كثرة ما كان يردّده علينا فخامته خلال حربه التي خاضها وحده من أجل استرجاع الربع الأخير من هيبة الرئيس وصلاحياته. نحن نتطلّع إلى عهدة أبدية تبعث فينا أمل الشعور بالاستقرار، فلا داعي لجرح مشاعرنا بمثل هذه التهديدات. وبالمقابل نعدك أننا سنلتزم بما أمرت به الصحافيين الفرنسيين أن لا يعودوا إلى الحديث عن مرضك، وإذا كان لا بد من الكلام في هذا الموضوع فإننا سنتكلم عن صحّتك وليس عن مرضك، هذا وعدٌ منّا. وما دمنا بصدد الحديث عن زيارة ساركوزي لا بأس أن أعود إلى برنامج خصصته قناة العربية لرؤية الجزائريين إلى العلاقات الجزائرية الفرنسية، وقد سُعدت كثيراً لأن كل الشبان الجزائريين الذين استجوبهم مراسل العربية كانوا ضد مساومة الجزائريين بالتأشيرة، وأعجبني ذلك الشاب الذي قال إن الجزائريين لا يحتاجون إلى تأشيرات الفرنسيين قبل أن تقدم لنا فرنسا الرسمية اعتذارها على ما اقترفته فرنسا الاستعمارية من جرائم في حق الجزائريين، وبعد الاعتذار سنقرّر إن كنا سنقبل مبادرات الفرنسيين بخصوص تسهيل منح التأشيرات. نعم إن شبابنا ينتظر الاعتذار وهو مستعد للموت في البحر على أن يتقدّم بطلب التأشيرة من مصالح السفارة الفرنسية. نعم شبابنا لا يحب فرنسا ولا يحب العيش فيها ولا الحصول على وثائق الإقامة فيها، والدليل أن فرنسا صارت محرجة من هذه المقاطعة فسارعت إلى إعلان إجراءات تحفيزية للشباب وأرسلت وزير داخليتها شخصيا لتعريف الجزائريين بهذه التسهيلات وحثهم على التوجه إلى فرنسا. لكنني أبقى متأكداً أن شبابنا سيكون في حجم التحدي ولن يسقط في فخ هذه المساومة مهما كانت التسهيلات، وإذا كان هناك أدنى شك لدى الفرنسيين فأنا أدعوهم إلى اعتماد أقصى الإجراءات التحفيزية فتعلن عن إلغاء التأشيرة لكل شاب جزائري يريد السفر والاستقرار في فرنسا، حينها سيفاجأ الفرنسيون أنّ الرحلات الجوية إلى فرنسا لن تشهد أي ضغط وأن المطارات الفرنسية ستبقى كما هي الآن خالية من الأسماء الجزائرية. وإذا لم تصدِّقوني فاسألوا مراسل العربية الذي جاب العاصمة طولا وعرضا فلم يجد شابا واحدا يقول له إنه يحب السفر إلى فرنسا ولو لم تعتذر الحكومة على استعمارها للجزائر. نصيحتي للفرنسيين إذا أرادوا أن يحظوا برضا الشباب الجزائري أن يسارعوا إلى طلب الاعتذار وعندها سنقرّر إن كنا سنقبل السفر إلى بلدكم أم لا. كرامتنا لا تسمح لنا بالتعامل معكم ولا بمصاحبتكم ولا بزيارة بلدكم ولا بالزواج من شقراواتكم ولا حتى بتهريب أموالنا إليكم وأنتم تصرّون على رفض الاعتذار. خبر ثان سار نقلته لنا صحيفة الوطن، يقول إنّ السلطات القضائية قرّرت القضاء على ظاهرة سرقة الهواتف النقالة قضاءً مبرماً، ونقلت تصريحات حازمة للنائب العام لمجلس قضاء العاصمة يقول فيها إنّه حريص على الانتهاء من هذه الظاهرة المشينة وقد أصدر تعليماته بضرورة التعامل بكل حزم مع لصوص الهواتف ولو اقتضى الأمر أن يدخل السجن 100 ألف شخص، نعم مائة ألف شخص ولا يخيفنّكم هذا الرقم لأنه طبيعي عندما نقارنه بحوادث سرقة الجوالات في شوارع العاصمة. حضرة النائب العام يحذّر لصوص الهواتف النقالة أن فترة سجنهم لن تبقى كما هي، بل ستتراوح بين 3 و5 سنوات، وأعتقد أن تحديد سنوات السجن ستكون حسب نوع الهاتف المسروق. ليس علينا الآن إلا أن نثمّن هذا الإجراء ولا نسأل عن السبب الذي جعل السلطات تعتمد هذا النهج المتشدد في هذا الوقت مع أن سرقة الهواتف كانت تجارة رائجة بين المنحرفين منذ ثلاث سنوات على الأقل. ومع ذلك فليسمح لي المشرّع بتقديم اقتراحين لمكافحة سرقة الهواتف أعتقد أنهما سيفيان بالغرض أحسن من عقوبة الحبس التي تتطلب جهدا آخر لتوفير سجون جديدة تسَع كل اللصوص. الأول هو أن نصدر قرارا بمنع استعمال الهاتف الجوال في الشارع والأماكن العمومية، خاصة إذا علمنا أنه ما كان لشبابنا اللطيف أن يتوجّه إلى هذه الحرفة اليدوية لو لم يكن هناك أشخاص يستفزونهم باستعمال الهاتف النقال في كل مكان. أعرف أن هذا قرار صعب لكن مع الوقت يمكن أن نتعوّد عليه. الاقتراح الثاني وهو مستوحى من تجربة أخرى وقد أثبت فعاليته، ويتعلق الأمر بالحل العبقري الذي اهتدى إليه السراق أنفسهم لكي ينتهوا عن سرقة السيارات، حيث أقاموا جمعيات لحراسة الشوارع من أنفسهم، فصاروا يطلبون من أصحاب السيارات مبلغا معينا مقابل الإبقاء على سياراتهم آمنة في مواقفها، فكانت موجة الباركينغ يا خو التي استقطبت فئات أخرى من أبناء هذا الوطن المفدّى الذين يفضلون العيش بكرامة على أن يسرقوا أو يطلبوا تأشيرة سفر إلى فرنسا. إذن يمكن لنا أن نعمم تجربة الباركينغ خو على لصوص الهواتف النقالة، فنسمح لهم بتأسيس تعاونيات على طول الشوارع، وعلى الذين يصرّون على استعمال هواتفهم في الشوارع أن يخصّصوا ميزانية لتأمين هواتفهم من السرقة فيدفعوا لكل شاب يتقدم إليهم مبلغا معينا أو يختاروا أحد هؤلاء ويدفعوا له اشتراكا شهريا أو سنويا على أن يرافق حامل الهاتف في كل تنقلاته إلى أن يعود إلى بيته آمنا مطمئنا. ما رأيكم؟! وقبل أن أنتهي من حكاية سرقة الجوالات، أسأل الذين يريدون محاربة الظاهرة هذا السؤال البسيط، هل تعلمون أنّ هناك أسواقاً علنية تُباع فيها الهواتف النقالة المسروقة في الجزائر وحتى من فرنسا، الأسواق ينشّطها السراق ويرتادها الناس لشراء هواتف بأسعار مدروسة وهم يعلمون أنها مسروقة، يعني الناس راضية بما يحصل، يُسرق منه هاتفه ويبحث له عن هاتف بثمن معقول ولا يهمه أن يكون مسروقا أم لا. ومادام الرضا متبادلا بين الطرفين، فلماذا نلوم السراق ونحاربهم بدل أن نشكرهم لأنهم يحرصون على توفير هواتف بأسعار رخيصة للمواطن الكريم؟ فلماذا إذن نحاول الآن أن نحرم اللصوص من لقمة عيشهم ونجبر المواطن على اقتناء هواتف بأسعار مرتفعة؟ لعل هؤلاء السراق يستحقون رعاية وشكرا على الخدمات الجليلة التي يقدّمونها! كلمة أخيرة لمدير الحماية المدنية الذي نشرت الشروق أمس صورته وهو يشارك في مهمة البحث عن الحية الكبرى في أحد أحياء العاصمة الشعبية، إذا أردت أن تصطاد ثعبانا كبيرا وخطيرا فلا تذهب إليه بالكوستيم والكرافاتة!