«والله سأخلعك»، «ستبيع ما وراء وما أمامك»، «سأرميك إلى الشارع» بهذه العبارات، دوى صوت إحدى السيدات ببهو المحكمة وهي تهدد زوجها على مرأى ومسمع الجميع الذي وقف مذهولا لجرأتها، اتصلنا بإحدى المحامين، لطلب استشارة قانونية، فوجدناه منهمكا بقضية خلع، لتحس للحظة، أن ثورة حقيقية، أعلنتها المرأة، التي كانت تتحرج حتى من طلب الطلاق وهي متضررة، بعد أن غلّبت الإصلاحات الأخيرة، التي تضمنها قانون الأسرة، كما يرى الكثير من رجال القانون، كفة المرأة وفتحت الامتيازات المغرية، شهيتها على الخلع وشراء حريتها بالمال. ومادامت المكاسب المادية ستكون أكبر لاحقا، فإن البعض يرى أن المرأة حطمت المرأة نظاما اجتماعيا كان يشل حركتها، فهي قررت أن تنتزع حقوقها الشرعية والقانونية، وتمارس حقوقها حتى وإن تعسفت فيها، كما يحدث في الكثير من الأحيان مع الخلع، الذي بات يقبع تحت عنوان واحد «الحق الذي أريد به باطل»، فلماذا الخلع؟وهل يعقل أن تهدم المرأة بيتها وتشرد أطفالها؟ من أجل مكاسب مادية بحتة؟
لم يحدث في التاريخ، أن استرسل المجتمع الجزائري الذي يقدس الرابطة الزوجية ويضع الأسرة في مصاف الكبار في الحديث عن الطلاق الذي ظل عند الكثيرين مستهجنا، وحتى الخلع الذي لم تكن الكثير من النساء تعرف وجوده، رغم أنه حق كفله لها الشرع، قبل القانون، حتى لا تضطهد ويتعسف الرجل الذي جعل الله العصمة بيده في الطلاق، لتمكينها من نيل حريتها وفك الرابطة الزوجية، إن وقع عليها الضرر واستحال معه، أن تواصل العيش مع زوجها تحت سقف واحد، حق لا يختلف عليه اثنان وحرر الكثيرات ممن وقعن ضحايا، لأزواج لا يحملن من الرجولة إلا الاسم، بعد أن استنقذن كل الحلول ولم يعد يجدي إلا الحديث بلغة المال والدخول إلى المحاكم من أوسع الأبواب، لا تهمها نظرة المجتمع الذي يصر أن يحمل مسؤولية الفشل للمرأة وحدها التي يجب أن تصبر وترضى بقسمتها، وحتى ما أحله الله مرفوض في الكثير من الأحيان، لكن تحررها ومع جملة المكاسب التي حققتها لم يعد يهمها لومه لائم، فهي قررت بكثير من الإصرار والتحدي والرغبة في إثبات الذات، أن تخرج من عباءة الرجل المضطهد وترفض ممارساته التي تجاوزها الزمن، خاصة في المدن الكبرى، التي تساوت فيها المرأة مع الرجل في الكثير من الأمور، لتشترى الكثيرات من المحاكم، بالخلع كرامتهن، التي ترفض تجرع الخيانة أو غض الطرف عن حقوقهن الشرعية، وما كان الأمر، ليثير كل هذا الجدل الحاصل اليوم، مادام الموضوع يتعلق بأمر رباني، ينبغي الرضا بحكمه والتسليم بحكمته وحتى وإن رفضته بعض الأطراف لسبب، أو لآخر، فموقفها مرفوض، لأنه فكر غير سليم وغير مؤسس إطلاقا. منذ نحو 5 سنوات، تغيرت ذهنية المرأة، بخصوص الخلع ولم يعد يكلفها الكثير بل يجلب لها الكثير، ما دام القانون في صفها، ومادامت الفرصة سانحة لتضييق الخناق على الرجل والحصول على الكثير من الشروط المادية للحياة، التي عجز عن توفيرها لها، حتى وهي على ذمته، ليبقى السكن على رأسها، للبدء في البحث عن المشاكل واختلاق المبررات الأكاذيب، وإن انتفضت المحامية فاطمة بن براهم، قبل نحو زهاء عامين عبر عدة منابر إعلامية وطنية وحذرت من تزايد عدد قضايا الخلع في المحاكم الجزائرية، وقالت إنها تهدد استقرار المجتمع، بعد أن أصبحت الأسرة مستهدفة وعرضه للتفكك لسبب أو لآخر، لكنها لم تشكك أبدا في نوايا المرأة بخصوص طلب الخلع، فقد ظلت ترافع لصالحها، فالخلع كما تؤكد كان الحل الوحيد للظروف التي وجدت المرأة نفسها تتخبط فيها ولا طريق للخلاص، إلا بشراء حريتها و أهم دواعي طلب الخلع، والتي فجرت بحديثها عنها قضية من الوزن الثقيلة، لا يزال يعتبرها الكثير من الطابوهات، خاصة ما تعلق بالشذوذ الجنسي ورفض المرأة لبعض الممارسات، التي ترى فيها إهدارا لكرامتها ومعصية لأوامر الله، لتخرج عن صمتها وتفضل الانفصال على الرضوخ لمطالب تتنافى وطبيعتها كمخلوق بشري، أكرمه الله، ليستيقظ القضاة على قضايا جديدة لم يعهدوها، تعبر بحق عن الشخصية الجديدة للمرأة الجزائرية، التي لم تعد تتحرج من انتزاع حقوقها ولو في أمور هي عند الكثيرين من الطابوهات، إلى جانب المشاكل الزوجية القديمة الجديدة، التي خيمت على سماء الكثير من الأسر الجزائرية مؤخرا، خاصة مع تزايد ضغوط الحياة وتعاظم ظروفها والتي أثرت بالسلب على نفسية الكثيرين، ما أوقد في أوصالها الكثير من المشاكل، التي يتصدرها الإهمال واللامبالاة ورفض تحمّل المسؤولية الأسرية، إلى جانب الخيانة الزوجية، التي سجلت حضورها اللافت خلال السنوات القليلة الماضية، والكل رغم تحفظه راح يتفهم دوافع المرأة في رغبتها في التخلص من واقعها المضجر، ولا حرج مادام الأمر يتعلق، باستخدام حقها الذي شرعه الله قبل أن يجيزه القانون، لكن فجأة استشاط الكثير منها غضبا، وراح حتى يجرمها بعد تعسفها في استخدام حقها واستغلال المزايا التي منحها لها قانون الأسرة، لتهدم بيتها دون أسباب واقعية أو حجج منطقية، فقط لأن مزاجها يغذي قراراتها ويحكم تصرفاتها، فالكثير من رجال القانون لم يستسيغوا تصرفاتها وأعابوا عليها كثيرا قصر نظرها وشلل فكرها، محملين قانون الأسرة وما مسه من إصلاحات، مسؤولية، ما ألم بالمجتمع من آفات بدأت تنخر كيانه إن لم نسارع لسد الثغرات وإصلاح ما يمكن إصلاحه، خاصة وأن الثمار الأولى، بدأنا نقطفها الآن مع حالة التسيب والتميع التي يعرفها المجتمع الآن. استغلال حق لتحقيق مكاسب مادية حاولنا الوقوف على تفسير للحالة غير صحية التي تتواجد عليها الكثير من أسرنا بعد أن ركبت رباتها مد التحرر وقررن السير مع تيار الخلع الذي يعيش الآن أزهى أيامه، حيث يؤكد الشيخ عبد القادر إمام مسجد بلكور بالعاصمة، أن اعتماد مسالة الخلع كوسيلة للتفريق بين الزوجين ينبغي أن يكون لمصلحة الطرفين تماما مثل الطلاق وليس كما تسير الأمور الآن مع الخلع، الذي يعتبر من أهم أسباب تفشيه، النزعة التحررية التي غلبت على المرأة وما تعيشه اليوم من استقلالية اقتصادية، أصبحت توجه خياراتها وتتحكم في تصرفاتها، فبات موضوع الخلع يحكمه مزاجها أكثر من أي شيء آخر، خاصة وأن الملاحظ أن ظروف الحياة أثرت كثيرا على المرأة المعاصرة، فهي تعد تتمتع بالرزانة والعقل والحكمة، التي عودتنا عليها أمهاتنا وجداتنا، إذ قديما كان من الصعب عليها إن تتقبل العيش في هناء، خارج إطار أسرتها الصغيرة، لذا تعمل المستحيل للحفاظ على صرحها وتجنبيه السقوط، لأي سبب كان، حتى أنها كانت تتحمل كل الظروف، فوصف المطلقة، ترفضه تماما، أما الآن فلا تتحرج أبدا، وما يعيشه المجتمع الآن من إشكاليات بخصوص هذا الموضوع، لا يتعلق بالخلع من الناحية الشرعية، بل الإشكالية تكمن في القانون وفي طريقة تطبيقه ، إذ ينبغي أن يترك الأهواء وأن يضبط ويقنن جيدا، لتفادي استغلاله لأغراض شخصية، كما يحدث الآن، فحتى إن كان حق لا ينبغي التعسف في استخدامه تماما، كما هو الحال بالنسبة للطلاق والعصمة التي يملكها الرجل من منطلق القوامة، أيضا من الأمور التي شجعت على تفشيه،كما يؤكد محدثنا، تراجع سلطة العائلة على المرأة، فالمعروف أن المرأة عاطفية، بطبعها، لذا جعل الله أمرها بيد وليها، لأنه من الخطر أن تكون زمام أمور العقد من زواج أو طلاق بيدها وإلا أحدثت ميزاجيتها، الكوارث، فالمؤسف أن تحرر المرأة قابله أفول سلطة الولي، بدرجة كبيرة، ويضيف محدثنا، أن الرجل الذي يعتبر نفسه ضحية هو الجاني في الكثير من الأحيان بضعف شخصيته، التي تشجع المرأة على فعل ما تريد، فالمرأة الجزائرية سليلة الأبطال ولا تحب، أن يكون زوجها ضعيف الشخصية بل بطل ويتمتع بكل الرجولة ويحسسها بانتمائها إليه لا بانتمائه إليها، لأنها ستتمرد والثمن يدفعه الأبناء على الأغلب، كما حدث مؤخرا مع أحد أصدقائه الذي عجز عن التوفيق بين والدته وزوجته، فرغم أنه متيقن، أن والدته هي سبب المشاكل، لكنه لم يصلح الأمور ولم يعمل بمبدأ، لكل ذي حق حقه وحماية زوجته، بل عمل المستحيل، لدفعها لطلب الطلاق ووصلت الأمور إلى المحاكم ولدرجة، أن ترفع صوتها في وجهه أمام الملا وتصرخ «والله سأخلعك»، وما يؤكد طرح أن تحرر المرأة هو السبب الرئيسي في التحول الاجتماعي الرهيب الذي يعرفه المجتمع بخصوص هذه الظاهرة وغيرها، أن المدن الداخلية والولايات المحافظة لا تعاني من تنامي الظاهرة كما هو عليه الحال بالمدن الكبرى. قضايا الخلع تغرق أروقة المحاكم ونحن نطلبه على الهاتف وجدناه يعمل على قضية رجل، تطلب زوجته الخلع، بعد أن طردته من البيت بعد 20 سنة زواج، أنجبا خلالها 3 أطفال، بعد حصولها على سكن ترقوي باسمها، ضمن الصيغ السكنية الجديدة، لأنه رفض تطليقها، قررت خلعه والغريب، كما يقول أنها تطالب بنفقة الأطفال وبتأجير سكن على الأقل، من خلال حديثه يبدو المحامي الأستاذ «خبابة» ناقما جدا على قانون الأسرة الجديد وما حملة من إصلاحات، يؤكد أنها أبكت الكثير من الرجال، الذين وجدوا أنفسهم عاجزين عن الاستجابة للأحكام الصادرة في حقهم، خاصة آن السواد، الأعظم منهم من الموظفين البسطاء، فرغم عدم وجود دراسات ميدانية، بخصوص موضوع الخلع وغياب إحصاءات دقيقة، الملاحظ أن القضية سجلت حضورها وبقوة في المحاكم الجزائرية، والسبب الأهم، يتعلق بالتعديلات التي مست مؤخرا قانون الآسرة الجزائري، في مادته 02-05 الصادر بتاريخ 2 فيفرى 2005، حيث آن التعديل أزال اللبس الموجود، فالكثير من النساء كن يعتقدن، أن الخلع لا يتم إلا بموافقة الزوج وأنه لا يجوز أن تخلع نفسها، إلا برضاه، لكن الآن أدركت أن مسألة الخلع قضية تتعلق بالزوجة في الأساس وبرغبتها، بعد أن رفع القانون الحرج عنها وأسهم كثيرا في اعتماده كحل، وأهم سبب يفسر كل هذا التهافت على الخلع، كما يضيف محدثنا، يكمن في رغبة المرأة في الحصول على سكن، حيث آن القانون القديم كان يلزم بشروط معينة لحصول المطلقة على سكن، لكن التعديل الجديد يلزم الزوج بتوفير مسكن للمرأة ولو عن طريق الإيجار، فأصبح بإمكان المرأة التي تطلب فك رباط الزوجية، الحصول على سكن وحتى على النفقة التي لا تقل في بعض الأحيان عن 4 آلاف دينار للطفل الواحد، والمفارقة العجيبة التي عجز الكثير من الكثير من القانونيين على استيعابها، كيف لرجل أن يقطن مع زوجته ببيت قصديري وبعد الخلع، يلزمه القاضي أن يستأجر لها مسكنا، زيادة على نفقة الأبناء وأجره الشهري لا يزيد عن 15 ألف دينار، فالأكيد كما يجزم، أن المكاسب المادية هي ما يحرك قضايا الخلع، وفي سياق متصل أكد أن قانون الآسرة يحتاج إلى الكثير من التعديلات، لأن الإصلاحات التي مسته مؤخرا زادت من حجم المشاكل بعد أن رجحت الكفة لصالح المرأة وغلبتها على الرجل، ويبقى الخلع ورفض تعدد الزوجات أهم هذه الإشكاليات فالخلع زيادة على تشتيته للأسرة، يساهم بشكل كبير في عزوف الرجل عن الزواج، فان طلق سيخسر وإن خلع فإن الأمر سيكون أسوأ وما يدعوا للأسف أن الكثير من المنظمات النسوية، تسود الوضع للحصول على مكاسب أخرى حتى وان كانت على حساب النصوص الدينية. ويختم الأستاذ «خبابة» حديثه بالقول «ونظرا للأضرار الكبيرة التي لحقت بالرجل وبالمجتمع، والتي تستوجب إنشاء جمعية للرجال المخلوعين للدفاع عن حقوقهم وتستوجب حتى إعادة النظر في قانون الآسرة». نظرة قد ترى الكثيرات أن فيها إجحافا كبير للمرأة وتحاملا عليها وعلى حقوقها وأنها حرب عليها وعلى مكاسبها لا يراد منها إلا انتزاع حقوقها، بتجريمها والدفع بالمجتمع للتضامن مع الرجل، لكن الأكيد أن الخلع حق شرعي للمرأة، وأقره القانون، لكن ينبغي أن تلجأ إليه المرأة وفق ما حدده المولى عز وجل وإن لا تجاهر بالمعصية وتتعسف في استخدامه حتى تسد الطريق على كل المزايدين ولا ينقلب السحر على الساحر والأهم أن تحافظ على بيتها وتحمي أطفالها.