اختتم أمس المهرجان الوطني الثّقافي للعيساوة فعاليات طبعته السّادسة التي اندرجت تحت شعار "العيساوة كمظهر فنّي للتصوف" وسط إقبال جماهيري غفير بعد محطّات للنقاشات العلمية التي ميّزت المحاضرات المقدّمة يوميا. وقد تناولت هذه المحاضرات بالدّراسة والبحث جوانب هامّة من المظهر الفني الثّقافي للتّصوف الذي يعنى بالسمو الرّوحي والجانب الباطني الروحي للإسلام كما يؤكّد باحثون. أشغال المهرجان اختتمت بتقديم حضرة عيساوية جميلة بمشاركة أزيد من 30 عضوا من فرقة جمعية الرشيدية لقسنطينة ذات الرصيد الكبير في مجال الفن العيساوي، الذي اعتبره الدكتور زعيم خنشلاوي الباحث والخبير الدولي في التصوف وعلم الأديان ومدير الأبحاث بالمركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ وعلم الإنسان في محاضرة قدمها في آخر أيّام هذه الفعاليات بدار الثقافة بعنوان "التّصوير الشعبي من حيث تعبير عن الجانب الفني للتّصوف" تصويرا جسديا وذهنيا لعقيدة تصوفية راسخة. واعتبر خنشلاوي هذه التصاوير التي كانت معروفة في القديم بالجزائر من خلال رسومات متداولة في المنازل والزوايا والأسواق تتناول حكايات وأساطير مستوحاة من الدين والقصص القديم قطعة مجهولة ومنبوذة من تراثنا الثقافي مذكرا بأن الجزائر كانت أول دولة تصادق سنة 2003 على المعاهدة الدولية لحماية التراث والذي يمكن أن تدخل ضمنه هذه الرسومات و كذا الفن العيساوي ممثلا في السماع الصوفي أو "العمارة" التي تعني في أدبيات المتصوفة "الرقص". وظهرت الرسومات الشعبية التي وصفها خنشلاوي بالتأويلية التشخيصية وبالمدرسة الموازية للفن الإسلامي المعروف في بداية القرن العشرين معتبرا إياها قفزة نوعية لقواعد الفن الإسلامي وكونها تمثل انفصالا عن الفكر الديني التعليمي المؤسساتي رغم أنها تمثل نوعا من الفن الساذج الذي عادة ما لا يعرف أصحابه. وأكد الباحث أن هذه التصاوير "التي اختفت عندنا في الجزائر والتي ما زالت منتشرة كثيرا في المغرب العربي إذ يجري تداولها إلى اليوم في تونس والمغرب كما يمكن العثور عليها عند مسلمي الهند وغيرهم رغم ما تعامل به من أحكام مسبقة فيما هي كظاهرة للتصوير الصوفي الرّوحي تعتبر كلبنة من لبنات الهوية". وشهد هذا المهرجان في جانبه العلمي طرح إشكالية المظهر الفني للتصوف من حيث هو جانب دخيل على التصوف يجب أن يعامل معاملة الفرع بالنسبة للأصل أم أنه ليس بالإمكان التفريق بين المظهر و الباطن لكونهما حسب الأستاذ سعيد جاب الخير الباحث في الطريقة العيساوية "وجهين لشيء واحد هو التعبد الروحي الصوفي". و أكد جاب الخير في محاضرة له خلال أشغال المهرجان أن الجانب الفني العيساوي "يمثل مدرسة فنية قائمة بذاتها" جمعت طبوعا فنية جزائرية أصيلة وهي "تعبر عن مخزون فني وطني كبير يستحق منا المحافظة عليه و ضمان استمراره خدمة للتراث الوطني اللامادي". والعيساوة -يقول جاب الخير- "ليست فلكلورا بقدر ما هي "تراث فني صوفي مؤطر" في أساليب فنية من الطبوع والإيقاعات مضيفا "نحن كجزائريين أولى بدراسة و توثيق هذا التراث الصوفي الذي يمثل علم الباطن الروحي ". كما لم يغفل المتتبعون أيضا تسجيل تزايد الإقبال الجماهيري وللعائلات على سهرات المهرجان الذي شهد مرور أكثر من 20 فرقة للفن العيساوي والصوفي.