قال الله تبارك وتعالى "إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا"، وقوله جل جلاله "رَبُّنَا اللَّهُ"، أي: خالقنا ومالكنا ومدبر أمورنا، فنحن نخلص له، وقوله "ثُمَّ اسْتَقَامُو" يعني استقاموا على ذلك، أي على قولهم "ربنا الله"، فقاموا بشريعة الله، هؤلاء الذين اتصفوا بهذين الوصفين: "قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا"، "تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ" ملكا بعد ملك "أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا"؛ لا تخافوا فيما تستقبلون من أموركم، ولا تحزنوا على ما مض من أموركم، "وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ"، لأن كل من قال "ربي الله"، واستقام على دين الله، فإنه من أهل الجنة، ويقول لهم أيضا "نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَة"، فالملائكة أولياء للذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا في الحياة الدنيا، تسددهم وتساعدهم وتعينهم، وكذلك في الآخرة، تتلقاهم الملائكة يوم البعث والحساب "هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ"، فيبشروهم بالخير في مقام الخوف والشدة، قال الله عز وجل "وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُون"، "لكم فيها"، أي في الآخرة ما تشتهي أنفسكم، وذلك في نعيم الجنة، لأن الجنة فيه ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، "وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُون"، أي: تطلبون، بل لهم فوق ذلك "لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيد"، لهم زيادة على ما يدعونه ويطلبونه ويتمنونه، "نزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيم"، يعني أن الجنة نزل لهم وضيافة من غفور رحيم. غَفُور؛ غفر لهم سيئاتهم رَحِيم بهم رفع لهم درجاتهم، هذا جزاء الذين يقولون ربنا الله ثم يستقيمون، وفي هذا دليل على أهمية الاستقامة على دين الله، بأن يكون الإنسان ثابتا لا يزيد ولا ينقص ولا يبدل ولا يغير، فأما من غلا في دين الله أو جفا عنه أو بدل فإنه لم يكن مستقيما على شريعة الله عز وجل، والاستقامة لا بد لها من الاعتدال في كل شيء، حتى يكون الإنسان مستقيما على شريعة الله عز وجل. عن «أبي عمرو» قال: قلت "يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحد غيرك؟" قال "قل آمنت بالله ثم استقم"، رواه «مسلم». الاستقامة قول وعمل وقوله "قل لي في الإسلام قولا لا اسأل عنه أحدا غيرك"، أي "قل لي قولا لا أسأل عنه أحدا غيرك، فيكون فصلا وحاسما ولا يحتاج إلى سؤال أحد، فقال له النبي صلي الله عليه وسلم "قل آمنت بالله ثم استقم"، وقوله عليه الصلاة والسلام "قل آمنت" ليس المراد منه مجرد القول باللسان، فإن من الناس من يقول آمنت بالله واليوم الآخر وما هم بمؤمنين، ولكن المراد بذلك قول القلب واللسان أيضا، أي أن يقول الإنسان بلسانه، بعد أن يقر ذلك في قلبه ويعتقده اعتقادا جازما لا شك فيه، لأنه لا يكفي الإيمان بالقلب ولا الإيمان باللسان، إذ لا بد من الإيمان بالقلب واللسان ولهذا كان النبي عليه الصلاة والسلام يقول وهو يدعو الناس إلي الإسلام "يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا"، فقال " قولو"، أي بألسنتكم، كما أنه لا بد من القول بالقلب، وقوله "آمنت بالله" يشمل الإيمان بوجود الله عز وجل وبربو بيته وبألوهيته وبأسمائه وبصفاته وبأحكامه وبأخباره وكل ما يأتي من قبله عز وجل، فإذا آمنت بذلك فاستقم على دين الله ولا تحد عنه، استقم على الدين واستقم على شهادة أن "لا اله إلا الله وأن محمد رسول الله"، وذلك بالإخلاص لله عز وجل والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، واستقم على الصلاة وعلى الزكاة والصيام والحج وعلى جميع شريعة الله. السراط المستقيم هو شرع الله "قل آمنت بالله ثم" دليل على أن الاستقامة لا تكون إلا بعد الإيمان وأنه شرط للأعمال الصالحة، أي من شرط صحتها وقبولها أن تكون مبنية على الإيمان، فلو أن الإنسان عمل بظاهره على ما ينبغي، ولكن باطنه خراب وفي شك أو في اضطراب أو في إنكار وتكذيب فإن ذلك لا ينفعه، ولهذا اتفق العلماء على أن من شروط صحة العبادة وقبولها أن يكون الإنسان مؤمنا بالله، أي معترفا به وبجميع ما جاء من قبله تبارك وتعالى، ويستفاد من هذا الحديث أنه ينبغي للإنسان إذا قام بعمل أن يشعر بأنه قام به لله وأنه يقوم به بالله وأنه يقوم به في الله، لأنه لا يستقيم على دين الله إلا بعد الإيمان بالله عز وجل، فيشعر بأنه يقوم به لله، أي مخلصا، وبالله أي مستعينا، وفي الله أي متبعا لشرعه، وهذه مستفادة من قوله تبارك وتعالى "إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِين. اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيم"، فالأول قيام لله والثاني قيام به والثالث قيام فيه، أي في شرعه، ولهذا نقول إن المراد بالسراط المستقيم في الآية الكريمة هو شرع الله عز وجل الموصل إليه.