يتفق العقلاء جميعا على أنه لا يخفى على الله سبحانه وتعالى أنواع المظالم التي يتعرض لها الناس، ولا شك أن الله سبحانه وتعالى لا يرضى بالظلم والعدوان، وهو قال "وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِين"، وفي الحديث القدسي "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه"، رواه «مسلم»، والناس بين ظالم ومظلوم، فأما الظالم فإن الله تعالى إنما يملي له ليزداد إثما ويؤخره ليوم تشخص فيه الأبصار، قال تعالى "ولا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ"، وقال سبحانه "وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَار"، قال بعض أهل العلم "هذا وعيد شديد للظالمين وتسلية للمظلومين، يقول تعالى «وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُون»"، حيث أمهلهم وأدرَّ عليهم الأرزاق وتركهم يتقلبون في البلاد آمنين مطمئنين، فليس في هذا ما يدل على حسن حالهم، فإن الله يملي للظالم ويمهله ليزداد إثما، حتى إذا أخذه لم يفلته، قال تعالى "وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد"، والظلم هاهنا يشمل الظلم فيما بين العبد وربه وظلمه لعباد الله، وأما المظلوم فإن الله تعالى يمتحنه تمييزا وتمحيصا، فإن آمن بالله واتقاه جوزي على ذلك بالثواب الجزيل، كما قال تعالى "مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُم عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ"، وقال عز وجل "وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُون". العدل ميزان تمامُه عند الله ليست الدنيا دار جزاء ووفاء وإنما هي دار محنة وبلاء، وذلك أنها لم تخلق للدوام والبقاء، بل للزوال والفناء، فلا يصحّ أن يحكم على حال الدنيا بمعزل عن الآخرة، فإن الله تعالى لم يخلقها إلا ليبتلي بها عباده ويمتحنهم فيها فينظر كيف يعملون، كما قال سبحانه وتعالى "وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا"، فإقامة العدل المطلق لا تكون في الدنيا بل تكون في الآخرة، حيث يقول الله تعالى "وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ"، وقال صلى الله عليه وسلم "لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء"، رواه «مسلم»، والعبد لا يخلو من سراء أو ضراء، لذلك عليه في كل حال منهما فرضا يؤديه لله تعالى، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ"، رواه «مسلم»، فمن صبر حال الضراء وشكر حال السراء فقد أدى ما عليه، لذلك على المسلم أن يسعى دائما لنصرة المظلوم وإغاثة الملهوف وإعانة المحتاج بقدر طاقته ووسعه ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، وفي الوقت نفسه يعلم أن لله تعالى في كل قضاء يقضيه حكمة بالغة وله على عباده الحجة البالغة وأنه لا يظلم مثقال ذرة ولا يظلم الناس شيئا، قال تعالى "إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً"، وقال سبحانه إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُون".