الأيام الجزائرية ( وكالات): لم يكن لأحد أن يتصور قبل العدوان على العراق أن كل الأمر قد يسير باتجاه التعقيد. فقد كان من المنتظر أن تقضي الولاياتالمتحدة على الرئيس «صدام»، ويصبح احتياطي النِفط العراقي الهائل حراً مطلق العنان بعد فترة قصيرة من إعادة الإعمار، فتهبط أسعار النِفط العالمية إلى ما يقل عن عشرين دولاراً للبرميل. لكن ما حدث كان غير هذا، فقد قفزت أسعار النِفط الخام إلى عنان السماء، وإذا كانت توقعات الطلب على النفط حتى عام 2030، التي أعلنت عنها كل من وكالة الطاقة الدولية، ومنظمة أوبك، وإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، صحيحة، فإن العالم مقبل على أزمة طاقة لم يشهدها من قبل، وسترتفع أسعار النفط ارتفاعاً تاريخياً. ولكن السيناريو الأسوأ حقا هو أن الصدمة البترولية الجديدة قد تكون أقرب بكثير مما نتوقع، وذلك على خلفية صعود الطلب على هذا النفط الخام، مع الانتعاش التدريجي للاقتصاد العالمي، خاصة وأن الكثير من الحقول النفطية بدأت تنخفض احتياطاتها، والأسعار مرشحة للارتفاع بحلول عام 2010. وهذه توقعات كشف عنها أحد أكبر اقتصاديي وكالة الطاقة الدولية، اعتمادا على تقييمه لأكثر من 800 حقل نفطي في مختلف أنحاء العالم، والتي تشكل 75 بالمئة من إجمالي احتياطات النفط العالمية. وتحذر الوكالة من تراجع معدلات الإنتاج اثر نقص حاد في استثمارات الدول المنتجة للنفط. ليشكل حجر عثرة أمام تعافي الاقتصاد من الركود. و من الوهلة الأولى تبدو توقعات الوكالة منطقية، ففي حال تحقيق هذا السيناريو ستبقى الأسعار على مستويات قياسية لفترة أطول، نظرا لوجود عامل أكثر خطورة وراء قفزة الأسعار، وهو عجز الخامات وليس لعبة المضاربات بالأسواق، كما حدث العام الماضي. إذا هناك من يستبعد أن يتمكن المنتجون من رفع معدلات الإنتاج بالتماشي مع الطلب المتزايد. وشق آخر يرى أن عهد الاستهلاك الهائل لواردات الطاقة من قبل كبريات الاقتصادات العالمية وعلى رأسها الولاياتالمتحدة قد ولى. ولا عجب إذاً أن يتركز انتباه العالم مؤخراً على مصادر الطاقة. لكن الرسالة باتت واضحة: إن أنماط الطاقة الحالية أصبحت محفوفة بالمجازفات والمخاطر ولابد وأن تتغير. هناك قضيتان مترابطتان تتعلقان بالطاقة، ولسوف يكون لهما دور كبير في صياغة مستقبل الاقتصاد والسياسة الطبيعية لدينا على مر عقود قادمة. القضية الأولى تدور حول المجازفة المتنامية في اعتمادنا على النفط القادم من الشرق الأوسط. فلا أحد يعلم كم تبقى من احتياطي النفط أو كم ستتكلف عمليات استخراجه، لكن الإنتاج العالمي للنفط سيصل إلى ذروته على الأرجح في وقت ما من ربع القرن القادم، بل وربما في الأعوام القليلة القادمة. ولسوف تتركز بقايا إمدادات النفط في الشرق الأوسط المتقلب. وفي نفس الحين، سيتصاعد الطلب العالمي على الطاقة إلى مستويات هائلة مع نمو الاقتصاد في الصين، والهند، والبرازيل، ودول أخرى. وإذا كان الشرق الأوسط قد وصل بالفعل إلى نقطة الانهيار، فلنتخيل ماذا قد يحدث إذا اشتدت المنافسة على نِفط الشرق الأوسط بين أمريكا وأوروبا والصين والهند واليابان ودول أخرى. أما التحدي الأعظم الثاني الذي يواجهنا فهو أن النظام الحديث الذي نطبقه في التعامل مع مصادر الطاقة يؤدي إلى عدم استقرار في المناخ الكوني. فالنِفط وأشكال الوقود الأخرى المستخرجة من الحفريات كالفحم والغاز الطبيعي تتسبب في إحداث تغييرات طويلة الأمد على المناخ الكوني، لكن قليلين هم من يقدرون حجم المخاطر. هناك ثلاث مشاكل غير معترف بها على نطاق واسع: أولا سوف يتسبب تغيير المناخ في إحداث تحولات على كافة الجوانب، مثل درجة الحرارة، ومعدلات سقوط الأمطار، وأنماط العواصف والرياح، كما سيرافق هذه التحولات تغيرات جوهرية في البيئة الطبيعية، كارتفاع مستويات البحار وتغير العمليات الكيميائية للمحيطات. وليس من الممكن أن نتنبأ بحجم التأثيرات، لكنها ستكون هائلة على الأرجح فيما يتعلق بإنتاج المحاصيل، والأمراض، وتكاليف ومدى تَيسُر مياه الشرب والري، وتآكل السواحل، وما إلى ذلك. ثانيا قد لا يكون التغير في المناخ تدريجياً. فإن تاريخ التغيرات المناخية الطويل يبرز المخاطر الناجمة عن التغيرات الفجائية الحادة في غضون عقود قليلة؛ وثالثا قد تكون استجابة البشر نحو مثل هذه التغيرات رديئة، وذلك لأن التغيرات في أنماط الرياح الموسمية أو مستويات البحر، والأزمات الاقتصادية التي ستنجم عن هذه التغيرات قد تتسبب في إحداث اضطرابات سياسية ضخمة، وتحرك جماعات هائلة من اللاجئين، ونشوب نزاعات عنيفة. مثل هذه التحديات ندرة النفط، وعدم الاستقرار المتنامي في الشرق الأوسط، والتغيرات المناخية تتطلب التفكير بتعقل وذهن صافٍ. ويؤكد بعض المنادين بالخطر بأننا نحتاج إلى تقليص استخداماتنا للطاقة على مستوى العالم إلى حد هائل؛ الأمر الذي سيؤدي إلى تقويض الاقتصاد العالمي. ومن الممكن أن نلجأ إلى الترشيد الفعّال في استخدامات الطاقة، لكن هذا لن يحل مشكلة إمدادات النفط على الأمد البعيد، ولن يحل مشكلة تغير المناخ. كما يؤكد آخرون أننا لابد وأن نهجر عادة استخدام الوقود الحفري ونندفع بكل حماس إلى مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح. لكن هذه البدائل مكلفة وليس من الممكن أن تحل محل الوقود الحفري بشكل واقعي عملي. لكننا إذا اهتممنا بوضع خطط بعيدة المدى على مستوى العالم، فإننا نستطيع لحسن الحظ أن نشق طريقنا وسط هذه التحديات. ينبغي أن نضع نصب أعيننا هدف الحصول على إمدادات مضمونة من الطاقة المأمونة من الناحية البيئية بأسعار في متناول الجميع. لدينا هنا فكرتان رئيسيتان. الأولى، أن ندرك أنه حتى مع تقلص وندرة الإمدادات من النفط، فإن أشكال الوقود الحفري الأخرى مثل الفحم والغاز والمصادر غير التقليدية كالحجر الصلصالي والرمل القطراني، سوف تظل وفيرة لقرون. ويتعين علينا أن نسعى إلى تطوير التقنيات والبنية الأساسية اللازمة لاستخدام أشكال الوقود الحفري الأخرى هذه بكفاءة وأمان. وعلى سبيل المثال، فإن العمليات الكيميائية اللازمة لتحويل الفحم إلى جازولين متاحة الآن بالفعل. كما أنه من الممكن تحويل الفحم إلى هيدروجين إذا اخترنا أن نسلك طريق الاقتصاد المعتمد على الطاقة الهيدروجينية، حيث تحل خلايا الوقود الهيدروجيني محل محركات الاحتراق الداخلي في السيارات. لكن المداولات ما زالت مستمرة حول ما إذا كان استخدام الطاقة الهيدروجينية اقتصادياً من حيث التكلفة. وتتلخص الفكرة الثانية فيما يلي: حين تبدأ أشكال الوقود الحفري الأخرى في شَغل الفراغ مع وصول إنتاج النفط إلى مرحلة الانحدار، فيتعين علينا أن نشرع في فرض الرقابة والسيطرة على تأثيرات الوقود الحفري على المناخ. كما ينبغي أن يتضمن الأسلوب السليم بيئياً لاستخدام الوقود الحفري في المستقبل، ابتكار وسيلة لاحتجاز ثاني أكسيد الكربون في المنشآت الصناعية قبل أن ينبعث إلى الغلاف الجوي، ثم يتم التخلص منه بعد ذلك بدفنه في الأرض بشكل أو آخر. ويعكف بعض الرواد من مهندسي العالم على إخراج الفكرة إلى النور وإتمام هذه العملية التي تسمى ب"أسر الكربون والتخلص منه". إن مستقبل الطاقة على الأرض لا يتوقف على حل واحد، بل على مجموعة متنوعة من الخطوات الضرورية: استكشاف وتنمية المصادر الجديدة للنفط الخام، وعلى الأخص خارج منطقة الشرق الأوسط؛ المزيد من الترشيد في كفاءة استخدام الطاقة؛ التنمية طويلة الأمد وتبني مصادر طاقة متجددة معقولة التكاليف؛ والاستخدام الآمن بيئياً لأشكال الوقود الحفري البديلة مثل الفحم. إن منهج العمل الذي نسلكه اليوم والذي نهمل في غماره التقلص المُقبِل في الإمدادات العالمية من النفط، ونعتمد بشدة على نفط الشرق الأوسط، ونتجاهل العواقب البيئية لاستخدام الوقود الحفري قد وصل إلى طريق مسدود. وإذا واصلنا العمل بهذا المنهج فلسوف يدهمنا الواقع. كيف نفكر في المستقبل إذاً؟ يتعين على أكثر الدول استهلاكاً للطاقة، بداية بالولاياتالمتحدة، وأوروبا والصين واليابان والهند، أن تتفق على إجراءات جماعية لتنمية التقنيات الجديدة اللازمة لأسر الكربون وتخزينه، ولتطوير واستخدام مصادر الطاقة البديلة. ويتعين علينا أن نحرص على أن تعكس أسعار السوق لاستخدامات الطاقة التكاليف الاجتماعية الحقيقية لتلك الاستخدامات، حتى يتسنى لمستهلكي الطاقة ومنتجيها أن يتخذوا أفضل الخيارات فيما يتعلق بكفاءة استخدام الطاقة، وتنمية مصادر الطاقة البديلة، وتبني التقنيات الآمنة بيئياً. والملاحظ في السنوات الأخيرة أن الدول الكبرى أصبحت تدعم بشدة الأبحاث المتعلقة بإيجاد مصادر للطاقة بديلة عن النفط للتخلص من المشاكل البيئية و ظاهرة الاحتباس الحراري وأيضا للفكاك من تسلط الدول النفطية، و بهذه الأبحاث تحققت حتى الآن نتائج طيبة يتضح لنا منها بان الانجاز في هذا المجال ممكن بل أصبح واقعا وستحل الطاقة النظيفة محل النفط والغاز الطبيعي اللذان يواجهان رفضا متصاعدا وإلحاحا على إيجاد البديل النظيف والآمن والرخيص. ومن البدائل النظيفة التي يبحث بها العالم وقد عملت بها فعليا بعض الأمم ولو بنطاق محدود ولكنه يبشر بالتوسع المستمر، الطاقة الشمسية التي يعتمد عليها الآن أكثر من خمسة وثلاثين مليون منزل بالصين لتسخين المياه، بالجزائر أيضا هناك مشروع لاستثمار الصحراء الجزائرية في إقامة مصانع لتوليد الطاقة من الشمس وتصديرها لأوروبا، وهي بدأت بالفعل العمل بهذا المشروع والمتوقع أن تنتج في عام 2010 ما قدره 500 ميغاوات من الطاقة المزدوجة "الغاز والشمس" وهذه ستكون مرحلة أولى لتغذية الداخل الجزائري وسيكون للبعد الأوربي مكان بالخطة الجزائرية وأيضا تعمل الجزائر على التخلي عن الغاز مستقبلا وستكتفي بمصدر الشمس وحيدا. بالعراق أيضا تم الإعلان في عام 2004 عن إكمال مشروع كهرباء سد الحديثة والذي سيضيف 350 ميغا وات من الطاقة الكهرومائية إلى شبكة الكهرباء الوطنية العراقية، حتى أن بريطانيا قررت التخلص من الطاقة النووية والتي توفر لها ربع الطاقة الكهربية التي تحتاجها و ستستعيض عنها بطاقة الرياح والأمواج، وهناك دراسات كثيرة تتحدث عن الخطوات العملية التي اتخذتها بعض البلدان الأخرى السائرة على تطوير نفسها بهذا المجال مثل الفلبين وتايلند والمكسيك وجنوب إفريقيا وغيرهم. بالإضافة إلى كل تلك الأنواع هناك الكثير من أنواع الطاقة النظيفة مثل الرياح والزيوت النباتية والحيوانية ومخلفات الطعام ومخلفات المحاصيل الزراعية والوقود البيلوجي وحرارة المحيطات، حتى أن وزير الطاقة الأمريكي السيد «صامويل بودمان» بمقالته المنشورة على موقع مجلة «يو أس ايه» الالكترونية يشير إلى أن مجتمع المستثمرين مقتنع بأن هناك إمكانية لجني الأرباح في قطاع الطاقة المتجددة والدليل على ذلك بدء العمل ب "مؤشر آردور العالمي" لشركات الطاقة المتجددة وان بذلك مؤشرات جديدة على أن الطاقة المتجددة أمست على عتبة توسع كبير في الأسواق.