تساءلت الإذاعة البريطانية في تقرير مطول عن سبب ارتعاب دولة كبيرة مثل مصر من قناة وحيدة مثل "الجزيرة"، وما سر هذا العداء بينهم رغم ان المستوى المهني لقناة الجزيرة متميز في كل العالم. عقب اعتقال السلطات المصرية صحفيين يعملون في شبكة الجزيرة الإخبارية بالقاهرة مؤخرا، بحث الكاتب "هيو مايلز" المتخصص في مجال الإعلام وشئون الشرق الأوسط في الأسباب وراء استهداف الحكومة المصرية لشبكة الجزيرة، وكتب: منذ الإطاحة بالرئيس المصري محمد مرسي في جويلية الماضي، أصبح مناخ العمل بالنسبة للصحفيين في مصر أكثر صعوبة. وإلى جانب تدهور الوضع الأمني، فإن أي شخص يناقش الخط الذي تنتهجه الحكومة إزاء الأحداث الراهنة سوف يعتبر، في أحسن الأحوال، شخصا مريبا إلى حد كبير. ورغم أن الحكومة المصرية لم تعلن صراحة موقفا معاديا من وسائل الإعلام المعنية بالشأن المصري، فإن موقفها الحالي يبدو على النحو التالي: إما أن تكون معنا أو ضدنا، وإذا كنت ضدنا، فمعنى ذلك أنك مع جماعة الإخوان المسلمين، التي أعلنتها الحكومة مؤخرا جماعة إرهابية. شوكة في الخاصرة وتمثل المعركة للسيطرة على وسائل الإعلام عنصرا أساسيا في الصراع على السلطة في مصر، فقد أغلقت تقريبا كل القنوات المصرية التي ينظر إليها على أنها متعاطفة مع الإخوان المسلمين. وقطع البث عن أغلب تلك القنوات خلال ساعات من إزاحة مرسي. وبقيت شبكة قنوات "الجزيرة" فقط، من بين القنوات العربية، لتعبر عن وجهة نظر الإخوان المسلمين. وبثت "الجزيرة" تغطية على مدار الساعة للمظاهرات المؤيدة لمحمد مرسي، وشهادات مثيرة للمشاعر لناجين من مذبحة فض اعتصام ميدان رابعة العدوية، التي قتل خلالها المئات من مؤيدي مرسي وجماعة الإخوان. وتبث "الجزيرة" مقابلات حصرية مع قيادات التيار الإسلامي الذين استطاعوا الهرب من القمع الأمني المستمر ضدهم، مثل المقابلة التي أجريت مطلع ديسمبر مع عاصم عبد الماجد القيادي في الجماعة الإسلامية. وجعل التأييد القوي الذي تبديه "الجزيرة" لجماعة الإخوان من شبكتها المنفذ التلفزيوني الرئيسي للجماعة المحاصرة، كما جعل منها شوكة في خاصرة الحكومة المصرية الجديدة. ولولا وجود "الجزيرة"، لكانت الحكومة المصرية قد استمتعت بالسيطرة على مجال القنوات الإخبارية التليفزيوينة، ولذلك فمن السهل تفهم مدى استياء تلك الحكومة من" الجزيرة". ولا يكاد يكون هناك شك في أن السلطات المصرية ترغب في إغلاق قناة "الجزيرة" تماما إذا كان بمقدورها ذلك، بالرغم من أن إمكانية تحقيق ذلك ليست كبيرة، في ضوء محاولاتها السابقة في هذا الشأن التي باءت بالفشل. وخلال عهد الرئيس السابق حسني مبارك، استخدمت وزارة الإعلام المصرية عدة وسائل غير ذكية لإسكات قنوات "الجزيرة"، مثل منعها من استخدام الاستديوهات المملوكة للحكومة المصرية، ومحاولة حجب بثها الفضائي، واعتقال مراسليها، وترحيل أفراد عائلاتهم قسرا. ورغم من ذلك، اعتبر الكثيرون أن الجزيرة لعبت دورا فاعلا في دعم مظاهرات يناير 2011 التي أدت إلى الإطاحة بمبارك. ورقة رابحة وبعد الثورة، استمر التوتر بين شبكة "الجزيرة" والمجلس العسكري الذي خلف مبارك. وفي عام 2011، اعتقل أحد صحفيي "الجزيرة" من على متن طائرة في مطار القاهرة، ودوهمت مكاتبها في العاصمة المصرية مرتين في غضون شهر واحد، وذلك بعد أن اتهمها مسئولون مصريون بتأجيج الغضب الشعبي ضد إسرائيل، وهو ما أدى إلى مهاجمة متظاهرين غاضبين للسفارة الإسرائيلية بالقاهرة. ورغم ذلك لم يؤثر أي من الإجراءات السابقة كثيرا في عمل الجزيرة. وتعد الورقة الرابحة لشبكة "الجزيرة" هي الدعم السياسي والمالي القوي والمستمر الذي تتلقاه من الحكومة القطرية. ورغم أن الأسرة الحاكمة في قطر أكثر واقعية، وأقل ارتباطا بأي أيدولوجية من الإخوان المسلمين، فإنهما تربطهما أرضية فكرية مشتركة وعلاقة قوية. فكلاهما يمكن وصفه بأنه ذو توجه "إسلامي"، وكلاهما يعلن أنه يستلهم مبادئه وأفكاره من الدين الإسلامي قبل أي شيء آخر. وينتمي العديد من الأشخاص البارزين في "الجزيرة"، مثل الشيخ يوسف القرضاوي، المفكر الديني ومقدم أحد أكثر البرامج شعبية في "الجزيرة"، إلى جماعة الإخوان منذ فترات طويلة. ولعب الأمير السابق لقطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، الذي تخلى عن السلطة مطلع عام 2013 لصالح ابنه الشيخ تميم، دورا رئيسيا في النقاش الفكري في المنطقة، خاصة فيما يتعلق بمفهوم الإسلام السياسي. ومع صعود الإخوان للسلطة في مصر، رأى الشيخ حمد فرصة لممارسة نفوذه على تيار إسلامي متفق مع معتقداته الدينية، بالرغم من أنه حتى في ظل حكم الرئيس محمد مرسي، لم يكن التوافق بين الجانبين تاما، إذ كانت يظهر توتر بين الحين والآخر حول أحقية أي منهما في قيادة الحركة الإسلامية في العالم العربي. ومع الإطاحة بمرسي، فإن جهود قطر للسيطرة على تيار الإسلام السياسي في مصر تقلصت بشكل مفاجئ، وإلى حد كبير. ولكن رغم ذلك، ورغم الاعتقالات الأخيرة في صفوفها، تظل "الجزيرة" المنبر الذي يمثل تيار الإسلام السياسي، في العالم العربي المنقسم، وتظل مصدر إزعاج للحكومة المصرية.