باعهم الأوهام وسكنات الأوراق مقابل مبلغ يقدر ب270 مليون كانت حيل بسيطة من محتال مسبوق قضائيا لبلوغ عاطفة المواطن الجزائري بالوصول إلى نقاط ضعفه، لاسيما ما تعلق بأكثر ما يعانيه من ضائقة بسبب أزمة السكن، كافية له لجمع أكثر من 270 مليون سنتيم، ليس من أشخاص لا يفقهون من العلم شيئا بل من ركائز المجتمع الذين سقطوا الواحد تلو الآخر في شباكه قبل أن يقع هو الآخر في شباك الأمن والعدالة، وهذه قصة هذا المحتال وضحاياه. يعود تاريخ كشف الستار عن فصول مكائد هذا المحتال وشريكيه إلى يوم 18 سبتمبر 2013، حين سجلت فصيلة المساس بالممتلكات بالفرقة الجنائية لمقاطعة الوسط للشرطة القضائية لأمن ولاية الجزائر، شكوى من قبل المسماة "ل. ح" تنحدر من ولاية الشلف، مؤكدة أنها وخلال شهر جوان الفارط، وأثناء تواجدها بالمركز المعدني لحمام ريغة، حيث كانت تتجاذب أطراف الحديث مع سيدة تجهل هويتها بخصوص معاناتها مع أزمة السكن، أخطرتها بوجود شخص يدعى "م. ح"، كانت قد التقت به صدفة بالنزل حيث يقيم رفقة عائلته، وبإمكانه مساعدتها في فك أزمتها والحصول على شقة في إطار السكن الإيجاري لمؤسسة "عدل"، وقد عرض عليها مساعدتها في الحصول على سكن بذات الوكالة بمساعدة أحد أصدقائه الذي يعمل بها، ثم طلب منها استقدام ملفها الإداري وسلمها استمارة معلومات خاصة بوكالة عدل لتملأها، غير أن ذلك، تضيف الشاكية، لم يقنعها، إلا أنها بعد أيام اقتنعت بذلك بفعل الحاجة فاتصلت به وسلمته بمقر وكالة بسعيد حمدين ملفها الذي كان يحوي نسخة مصادق عليها من بطاقة التعريف الوطني، شهادة عمل، كشوف عن رواتب ثلاثة أشهر، إلى جانب الاستمارة الخاصة بالوكالة ومبلغ مالي قدرهُ 170 ألف دج، لكن دون أن يسلمها وصل إيداع للملف رغم مطالبتها إياه به. وأضافت أنه وبعد مرور بضعة أيام تنقل المتهم إلى محل إقامتها بالشلف على متن سيارة من نوع "سكودا" بيضاء اللون، بمعية شخص ثان ادعى أنه ابن شقيقته، أين قدمت له مبلغا ماليا قدرهُ 220 ألف دج، وبعدها عزف لمدة عن الاتصال بها إلى أن ظهر من جديد ليطلب منها ضرورة إحضار لها وثائق إدارية أخرى ومبلغا ماليا قدرهُ 270 ألف دج على أساس أنه شطر الدفعة الثانية، قبل أن يضرب لها موعدا للقائها يوم 19 سبتمبر المنقضي على مستوى منطقة لاكوت ببئر خادم، حيث تم توقيف المحتال من قبل مصالح الأمن، واتضح أنه من ذوي السوابق العدلية والذي كان برفقته ابن خالته يدعى "ق. ج"، حيث تم تحويلها على التحقيق. ومن خلال مباشرة التحريات مع المشتبه فيه الرئيسي "م. ح" البالغ من العمر 53 سنة، وهو من ذوي السوابق العدلية، لم ينكر معرفته للضحية التي كانت تتودد منه بغرض الزواج، قبل أن تكتشف أن له صديقا يعمل بوكالة "عدل"، حيث أفاد في تصريحاته أنها هي من طلبت منه مساعدتها في الحصول على سكن بصيغة البيع بالإيجار، معترفا أنه استلم منها ملفا إداريا ومبلغ 250 ألف على دفعتين سلمه لصديقه الموظف بوكالة "عدل" المدعو "س. م" والمتهم إلى جانبه في قضية الحال، ليؤكد أنه استلم منه مبلغ 55 ألف دج، علاوة عن وساطته. عندما تغشي الحاجة بصيرة الأكفاء كما كشف المتهم الرئيسي في قضية الحال عن تعامله مع أشخاص آخرين في إطار مساعدتهم للحصول على سكن ضمن برامج وكالة "عدل"، حيث ذكر منهم 4 سيدات، قبض على ثلاثة منهن على مبلغ إجمالي قدرهُ 595 ألف دج، غير أن التحقيقات الأمنية والقضائية كشفت عن سقوط أسماء أخرى بلغ عددها 6 أشخاص، بينهم رجلان أحدهما متزوج وآخر أعزب وإلى جانبهم سيدات بينهن تقني سامي في الصحة، ممرضة، أستاذة ومراقبة عامة بفندق "الأمير" بالشراڤة، والذي استولى منهم على مبالغ قدرت إجمالا بمليونين و200 ألف دج، إذ تمكن اثنان منهم من استرجاع جزء من أموالهما بلغت لحد الآن 350 ألف دج فقط. فلم تكن تدري المسماة "ي. ح" وهي مربية أجيال في قطاع التربية أن تكون حاجتها الماسة وبحثها عن السكن "الحلم" من خلال بيع سيارتها لتأمين دفعات الاستفادة من شقة بصيغة البيع بالإيجار ضمن مشاريع الوكالة الوطنية لتحسين السكن وتطويره "عدل" سيؤرقها بين أروقة العدالة، وقبل في البحث عن سبيل للإيقاع بمحتال محترف، اصطادها بحنكة من أجل سلبها أموالها، حيث كشفت، هذه الضحية في تصريح ل"البلاد" أنها وخلال شهر جويلية من سنة 2010 عرضت سيارتها من طراز "كيا بيكانتو" للبيع علها تتلقى استدعاء من وكالة "عدل" لتسديد مستحقات السكن الذي كانت قد دفعت لأجلها ملفا على مستواها منذ بعث حملة مشاريعها، ليتصل بها شخص على الرقم المدون بقصاصة الإعلان بالبيع الملصقة بالزجاج الخلفي للسيارة، مبديا رغبته في شرائها، وبعد تبادل الحديث بينهما أعلمته، بأن الهدف من لجوئها لبيع السيارة هو حاجتها للمال من أجل تأمين السكن، ليقترح عليها التوسط لها مع صديقه الموظف بوكالة "عدل"، ولكونها كانت ضمن مكتتبي الوكالة طلب منها مبلغ 170 ألف دج كحصة عن الشطر الأول ثم أضافت له بناء على طلبه دفعتين أخريتين إلى أن صار المبلغ الإجمالي 580 ألف دج، لكن دون أن يتحقق حلمها على أرض الواقع، وبعد مدة اكتشفت أنها وقعت ضحية نصب واحتيال لكن دون أن تتمكن من استرداد حقها إلى أن جاء فيه اليوم الذي تلقت فيه اتصالا هاتفيا من مصالح الأمن بعد عثور الأخيرة على رقمها في سجل أرقامه المدونة بهاتفه النقال المضبوط بحوزته يوم إلقاء القبض عليه، وبعد مساعيها تمكنت من استرداد 290 ألف دج من أحد أفراد المتهم فيما تبقى تدين له ببقية المبلغ. أما بالنسبة إلى المراقبة العامة بفندق "الأمير" وهي أرملة فقد تعرفت عن المتهم مطلع السنة الجارية، بعدما استرق منها السمع خلال مكالمة هاتفية أجرتها مع أحد أقاربها التي كانت تخطره بأنها تود شراء سيارة، ليتودد منها، فقدم لها نفسه على أساس أنه جمركي، ثم اقترح عليها مساعدتها في الحصول على سكن ضمن برامج وكالة "عدل"، موهما إياها أنه سيتوسط لها مع قريبه الذي يعمل بالوكالة لتسلمه ملفا إداريا تولى من خلاله إحضار لها ثلاثة كشوف راتب من لدى أحد معارفه الذي يعمل بمؤسسة تسويق السيارات "سوفاك" مقابل ما قيمته 20 ألف دج، كما سلمته مبلغ 40 ألف دج كدفعات عن تسديد مستحقات الشقة. وقد كشفت التحقيقات أن المتهم كان يصطاد زبائنه سواء أثناء تنقله لمقر وكالة "عدل" بسعيد حمدين للتقصي عن مآل ملفاتهم، كما هو حال ربة بيت أم لأربعة أطفال التي توجهت للاستفسار عن موعد دفعها للشطر الثاني لشقتها، ليتقرب منها المتهم مقترحا مساعدتها، حيث سلبها مبلغ 100 ألف دج، كما كان يستغل بعض من معارفه كوسطاء، وكان في كل الحالات يسلب ضحاياه أموالهم على أساس أنها دفعات لتسديد سكنات "عدل" بعد إيهامهم طبعا أنه "فاعل خير". من وسيط مع "عدل" إلى جمركي فموظف بالخارجية ولم يكتف المتهم "م. ح" بالإيقاع بالراغبين في الحصول على سكن فحسب، بل بينت التحقيقات، أنه قد أوقع بضحايا آخرين، تمكنت التحريات من تحديد هوية البعض منهم، على غرار فتاة، كانت تعمل بمؤسسة "سوفاك" وأوهمها أنه جمركي بميناء الجزائر وبالضبط على مستوى سكانير السلع، لتسلمه مبلغ 500 ألف دج على دفعات لاقتناء لها سيارة لكن ذلك لم يتحقق، وظل في كل مرة يتهرب منها ويوهمها بأسباب واهية إلى أن اكتشفت أنها قد وقعت ضحية نصب واحتيال. كما قدم نفسه قبل ثلاث سنوات لشخص آخر على أساس أنه موظف بوزارة الشؤون الخارجية وبإمكانه مساعدته في الحصول على تأشيرة، ليقدم له الضحية مبلغ 15 ألف دج دون أن يظفر طبعا بمطلبه. وأمام المكائد التي نسجها هذا المحتال المتواجد رهن الحبس بأمر من وكيل الجمهورية فقد تقرر محاكمته يوم 17 أكتوبر الجاري أمام محكمة الجنح الإبتدائية لبئر مراد رايس بالعاصمة، بدعوى تكوين جمعية أشرار، النصب والاحتيال، انتحال صفة، استغلال وظيفة وتلقي مزايا غير مستحقة وإلى جانبه في ذلك الموظف بوكالة "عدل" المتواجد في حالة فرار ورئيس ورشة صيانة السيارات بشركة "سوفاك" الذي استفاد من الاستدعاء المباشر.