استمتع محبو "الفن الرابع" بباتنة، بعرض "شايب عاشوراء" المستمد من عمق التراث الأوراسي الأمازيغي الضارب في القدم. وصنع هذا العرض الذي قدم على الخشبة المتنقلة بالساحة المقابلة للمسرح الجهوي خارج منافسة المهرجان الثقافي الوطني للمسرح الأمازيغي في طبعته السادسة الفرجة وخطف الأضواء، حسب الحضور الذين أعجبوا كثيرا بالألبسة التنكرية لأبطال المسرحية خاصة مارياما والأسد والمدبر التي يعود بعضها إلى عدة قرون، وفق ما أوضحه رئيس جمعية "إذلس تامزغا" أو "ثقافة شمال إفريقيا" يحيى سمير. وصفق الجمهور الذي حضر بقوة لمشاهدة العرض رغم برودة الطقس لمارياما التي تمثل الأرض المقدسة والأسد الملك الحارس والمدبر وكذا الجنود، وهي شخصيات تروي في جو احتفالي تمسك الأمازيغي بأرضه والاستماتة في الدفاع عنها، حسب ما أضاف نفس المتحدث الذي ذكر بأن أبطال هذا العرض منخرطون في الجمعية وجرت العادة أن تبقى شخصياتهم الحقيقية في طي الكتمان وإن تم التعرف على أحدهم يتم تغييره فورا. ويعد "شايب عاشوراء" راسخا في الذاكرة الشعبية المحلية وهو احتفال شعبي ضخم يتمسك سكان بلدية تكوت التي تبعد بحوالي 90 كلم عن باتنة بتقديمه منذ سنين طويلة كلما حل العاشر من محرم أو عاشوراء. وتشير الكثير من الروايات إلى أن جذوره تعود للقرن العاشر قبل الميلاد عندما انتصر الملك الأمازيغي شيشناق على فرعون مصر آنذاك. وأكد سمير يحيى أن العرض يدوم 10 ليال كاملة تتحول فيها مدينة تكوت الصغيرة إلى خشبة مفتوحة على الجمهور وأغلب قاطنيها إلى ممثلين، إلى جانب الأبطال الرئيسيين الذين تتقدمهم كما جرت العادة مارياما التي تعد الأنثى الوحيدة في الاحتفال. وينطلق الاحتفال الشعبي "شايب عاشوراء" عادة من ساحة كبيرة وسط المدينة على وقع أنغام البندير والقصبة ورقصات مارياما التي تتمتع حسب الروايات بجمال وجاذبية وعندما يحاول أحد الحضور التودد إليها يوجه الأسد أوامره للجنود بمعاقبة كل من يسعى للتقرب منها أو اختطافها وسط أهازيج وصرخات الحضور ويتخلل العرض رقصات وأغان وكذا ألعاب مبارزة. من جهتها، ترى الباحثة في المسرح الأمازيغي الدكتورة ليلى بن عائشة أن "شايب عاشوراء" نموذج حي للمسرح التقليدي فهو يتوفر على كل المكونات الفنية والفرجة وأيضا الطابع الاحتفالي والشعبي الذي يضفي عليه ميزة خاصة كما يعد دليلا على أن الأمازيغ عرفوا المسرح منذ القدم والتراث الأمازيغي غني في هذا الميدان وما على الباحثين والمهتمين بأب الفنون سوى تعميق الأبحاث فيه. وقدم هذا العرض ضمن فعاليات المهرجان الثقافي الوطني للمسرح الأمازيغي في دورته السادسة الذي تحتضنه مدينة باتنة في الفترة من 10 إلى 18 ديسمبر الجاري تحت شعار "شباب مبدع".