يشيع ظهر الغد إلى مثواه الأخير بمسقط رأسه في "عين الباردة" في عنابة، جثمان المخرج السينمائي الكبير عمار العسكري، الذي غيبه الموت صباح اليوم بمستشفى "مصطفى باشا" في العاصمة عن عمر ناهز ال73عاما. والعسكري كان نقل على جناح السرعة إلى المستشفى أين لفظ أنفاسه الأخيرة بعد تدهور حالته الصحية، وكان إلى جواره عائلته وعدد من رفقاءه والوجوه الفنية ووزيرة الثقافة نادية لعبيدي التي قالت ل "البلاد" إن أصدقاء المخرج الراحل أقدر منها على الحديث عن خصال عمار العسكري. وقبلها بأيام كانت "البلاد" قد التقت المخرج الراحل ينتظر سيارة أجرة تقله من شارع "أودان" في العاصمة إلى شارع "محمد الخامس"، وعلى نفس السيارة دار حوار معه، حيث سألناه عن سبب غيابه عن جنازة الفنان الراحل سيد علي كويرات؛ فكانت إجابته وبلهجة منفعلة وكلمات تكاد تكون غير مفهومة "كيف تطلبون مني حضور جنازة كويرات وأنا أموت". وولد فقيد السينما الجزائرية وصاحب روائعها في ال22 جانفي العام 194 بمدينة عين الباردة بعنابة وهو ينتمي للرعيل الأول من المخرجين الجزائريين الذين بصموا بأعمالهم في مسار السينما الجزائرية بعد استرجاع الاستقلال. وحصل صاحب فيلم "دورية نحو الشرق" على الشهادة العليا في الإخراج من أكاديمية المسرح والسينما والإذاعة والتلفزيون ل"بلغراد" عام 1966 وشهادة في دراسات عليا في العلوم الاقتصادية والعلوم السياسية من جامعة الجزائر. وترك المخرج عمار العسكري سجلا هاما من الأعمال المتميزة مثل "دورية نحو الشرق" سنة 1974 و"المفيد" 1979 و"أبواب الصمت" 1989. وكان آخر أعماله فيلم "زهرة اللوتس" 1999، وهو فيلم مشترك جزائري فيتنامي، إلى جانب عدة أفلام قصيرة. ونال عمار العسكري جوائز عديدة في مهرجانات دولية مثل قرطاج و"فيسباكو" بواغادوغو، والتحق الفقيد بصفوف الثورة التحريرية بعد إضراب الطلبة الجزائرية وكان مجاهدا في الولاية الثانية. وعرف إلى جانب عمله الفني بنشاطه النقابي إذ كان أمينا عاما لنقابة السينمائيين والتقنيين للاتحاد العام للعمال الجزائريين. كما كان آخر مديرا للمركز الجزائري والصناعة السينماتوغرافية "كاييك" في التسعينات. قالوا عن عمار العسكري المخرج غوتي بن ددوش كان أخا وصديقا ورفيق الدرب لأكثر من 50عاما.. عمار العسكري كان مجاهدا، وظل كذلك حتى بعد استرجاع الاستقلال في سبيل الجزائر وسيادتها وحريتها، لم يكن يدخر جهدا في الدفاع عن بلده وثقافتها أينما حل،.. تخونني الكلمات ولا أجد ما أقول في مثل هذا المصاب ولكني أخاطبه وأقول "لماذا يا أخي قطعت حبال الباخرة التي تربطك بالجزائر.. لم تفكر يوما في بناء بيت ولكنك كنت تفكر كيف تبني ثقافة الجزائر.. تركت فراغا رهيبا".. كانت لديه الكثير من المشاريع والأفكار ولكن صحته لم تسعفه.. وداعا العسكري، رسالة الجزائر وصلت كما كنت تريد.. ثق بأن الليل يخاف من الشمس والسنبلة ستخرج إلى الوجود وسيتلقاها الجيل الصاعد.. المنتج السينمائي بشير درايس لعمار العسكري مشوار طويل في السينما، كان من أول المخرجين الذين صنعوا أفلاما ثورية حققت شعبية كبيرة وستظل خالدة، عرفته طيبا متواضعا، بسيطا وكريما وفنانا بكل ما تحمل الكلمة من معنى. الفنان سعيد حلمي لا أقول سوى "إنا لله وإنا إليه راجعون".. هذا كثير.. لم يمض وقت على فراق الفنان سيد علي كويرات لنستيقظ على خبر وفاة عمار العسكري. عمر رابية، نائب الراحل في "جمعية أضواء" كنت أخا بالنسبة له، عشرة أكثر من 40 سنة، وكنت ألازمه ليلا ونهارا.. "باكيا" كان حنونا، شغلته كثيرا حقوق الناس ولم يستسلم للمرض لكن الموت أقوى من أي مقاومة "ربي يرحمك أخي عمار".. كان من المفروض أن ينقل في ال18 ماي الجاري إلى فرنسا للعلاج، لكن حالته الصحية ساءت كثيرا.. خسارة كبيرة أنت يا عمار للجزائر في كل مكان كان يدافع عن بلده وعن الثقافة هو من صنع جمعية "أضواء" التي ستظل قائمة من أجله. الفنان المسرحي بن يوسف حطاب كان صديقا ومخرجا كبيرا.. وكل الكلمات لا يمكن أن تنصف هذا الرجل.. رحمة الله عليك صديقي عمار العسكري. الممثل عبد الحميد رابية العسكري كان مجاهدا ومخرجا ورحيله اليوم خسارة كبيرة للجزائر عاش أهم مراحل النضال في الجزائر وترك روائع وتحفا في السينما ستحفظ اسمه للأبد، من سينسى "أبواب الصمت" و"دورية نحو الشرق" و"المفيد" وأعمال أخرى.. العسكري كان صاحب نزعة نضالية، وللأسف نودعه اليوم كما ودعنا من قبله سيد علي كويرات، وآخرون من العمالقة الذين ضلوا يعانون من المناخ السياسي.