يطرح التعديل الأخير الذي أدخله نواب المجلس الشعبي الوطني على قانون المالية العام 2011 بشأن استفادة أرامل وأبناء الشهداء من إعفاءات جمركية حين استيراد سيارات جديدة، أسئلة عدة عن المغزى ''الحقيقي'' و''خلفيات'' هذا التعديل. ظاهر الأمر أن ''نواب الشعب'' قاموا بمبادرة في صالح فئة تحظى بالتقدير والاحترام من قبل جميع الجزائريين، وهي فئة عائلات الشهداء، لكن المؤكد أن الأمر- بعيدا عن العاطفة المشتركة- بحاجة إلى ''نظرة أعمق'' وتدبير سياسي ''أوسع''، بتحليل حقيقة الإجراء ومعرفة المستفيدين الفعليين منه. نص التعديل، للتذكير، أقر استفادة أرامل الشهداء من إعفاء تام (أي بنسبة مئة بالمئة) عند استيراد سيارات جديدة أو اقتنائها من وكيل في السوق الوطنية، واستفادة أبناء الشهداء من إعفاءات بنسبة ستين من المئة بعدما كان الأمر محصورا على معطوبي جيش التحرير وأبناء الشهداء المعوقين. من المستفيد؟ نواب المجلس الشعبي الوطني أعلم من غيرهم أن المستفيدين من مثل هذه الرخص، يتجهون في الغالب إلى ''بيعها'' لآخرين ممن يرغبون في اقتناء سيارات جديدة عبر هذه الصيغ التسهيلية، أخذا في الاعتبار أنه من النادر- في سنة -2010 أن نصادف أرملة شهيد تفكر في اقتناء سيارة جديدة.. لا مستوردة ولا عبر أحد الوكلاء.. وهذا الواقع يعرفه النواب- وعدد غير قليل منهم ينتسبون للأسرة الثورية.. هذا يعني أن أرامل الشهداء وعدد من أبناء الشهداء لن يستفيدوا من الصيغة الجديدة التي حملها التعديل، وستقتصر استفادتهم في المبلغ الذي ''يبيعون'' به رخصهم لمدة خمس سنوات، والذي سيتراوح حاليا بين 170 ألف و200 ألف دينار، أي 17 مليون و20 مليون سنتيم.. بلغة الأرقام نجد أن من سيتمتع بهذه الرخصة الجديدة، سيستفيد في الواقع من مبلغ مالي في حدود ثلاثة آلاف دينار فقط شهريا، طيلة مدة 5 سنوات (بقسمة مبلغ 20 مليون سنتيم على 60 شهرا، أي خمس سنوات)، وهي استفادة زهيدة للغاية، مقابل ما سيتلقاه المستفيدون ''الفعليون'' و''الحقيقيون'' من إدراج المادة الجديدة في قانون المالية، أو مقابل ما ستخسره الخزينة العمومية جراء تطبيق هذه المادة ابتداء من جانفي 2011 . ولو اعتبرنا أن عدد أبناء الشهداء في حدود 3 ملايين، وعدد أرامل الشهداء في حدود نصف المليون (رغم عدم وجود رقم موحد)، فهذا يعني أن حوالي ثلاثة ملايين ونصف المليون رخصة ''قد'' تطرح للبيع في السوق (السوداء حتما). ولإعطاء رقم تقريبي عن حجم الخسائر التي تتهدد الخزينة العمومية، نفترض أن واحدا من ثلاثة أبناء شهداء س''يبيعون'' الرخصة، وواحدة من كل أرملتين ستقدم على الإجراء نفسه، مع الافتراض أن مبلغ قيمة الجمركة هي في حدود 300 ألف دينار فقط، أي 30 مليون سنتيم، وبإجراء العمليات الحسابية البسيطة، سنجد أن رخص أرامل الشهداء تتطلب إعفاء بقيمة 75 مليار دينار، ورخص أبناء المجاهدين تتطلب 150 مليار دينار، والمجموع 225 مليار دينار.. أي 22 ألف و500 مليار سنتيم.. هذا إذا افترضنا أن ثلث أبناء الشهداء ونصف الأرامل فقط سيستفيدون من هذا الإجراء، رغم أنه من المفروض توقع أن يستفيد الجميع من الإجراء، مما سيرفع الرقم إلى أكثر من 44 ألف مليار سنتيم.. نعم.. الخزينة العمومية قد تتكبد خسائر بهذا المستوى المهول، في مقابل استفادة عائلات الشهداء من 3 آلاف دينار في الشهر، فمن المستفيد الفعلي.. وفي حساب من يصب الباقي؟ ..وماذا عن خطة ''تنظيم'' سوق المركبات؟ علاوة على ما ستخسره الخزينة العمومية، فإن المستفيد الأول من الإجراء الجديد سيكون شركات إنتاج السيارات في أوروبا (فرنسا تحديدا) وبعض الدول الآسيوية، والتي ستتوسع السوق الجزائرية أمامها بشكل مفاجئ، مما يمكنها من تسويق منتجاتها بسهولة ويسر، دون أن يدخل سنتيم واحد إلى خزينة الدولة الجزائرية. كما أن عددا من وكلاء السيارات في السوق الوطنية سيأخذون نصيبا من ''الكعكة'' الجديدة، بعد أن اشتد عليهم الوضع منذ قرار السلطات العمومية بوقف قروض الاستهلاك.. وبالعودة إلى قرار وقف القروض الاستهلاكية، التي كانت تتجه في الغالب نحو شراء سيارات جديدة، يجدر التأكيد على أن الحكومة أكدت، في حينه، أن الإجراء ليس عقابيا لأحد، لا للمواطنين ولا لوكلاء السيارات، بل هو حماية للأسرة الجزائرية من جهة وتنظيم لسوق المركبات في البلاد، والتي كانت تنمو في فوضى، بعيدا عن أي رقابة.. وهذا ما يدفع إلى التساؤل: إن كان السادة النواب قد راعوا مسعى السلطات العمومية في تنظيم سوق السيارات، عندما قرروا إدراج المادة الجديدة (التي ستساهم، آليا، في إحياء هذا النشاط) أم أن ''قصر النظر'' و الحسابات ''المبكرة'' للتشريعيات القادمة هي التي حركت بعض ممثلي الشعب، في سن إجراء جديد، ظاهره دفاع عن عائلات الشهداء و''حقيقته'' ضرب للخزينة العمومية وخدمة شركات الإنتاج الأجنبية؟ ربما السؤال الأكثر إثارة: لماذا لم يتجه النواب إلى الحكومة مباشرة بطلب رفع منحة أرامل الشهداء، أو تحسين ظروف الأبناء المعوزين، وفضلوا الدخول في متاهات السيارات الجديدة ورسوم الجمارك ونسب الإعفاء..؟