أكد وزير الشؤون المغاربية و الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية عبد القادر مساهل أمس الخميس بجنيف أن الإستراتيجية التي تبناها رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة سمحت بمواجهة الخطاب المتطرف "بشكل فعال" مذكرا بأحكام الدستور المعدل في هذا الخصوص. و أوضح السيد مساهل في كلمة ألقاها خلال النقاشات رفيعة المستوى للندوة الدولية حول "الوقاية من التطرف العنيف" أن إستراتيجية مكافحة التطرف العنيف و القضاء عليه وضعت منذ أكثر من عشر سنوات بإيعاز من رئيس الجمهورية. وفي هذا السياق، أوضح السيد مساهل أن هذه الإستراتيجية سمحت "بمواجهة الخطاب المتطرف بشكل فعال و القضاء على آثاره الخطيرة و التقليص بشكل كبير من انعكاساته على المجتمع و الشباب خاصة" مشيرا إلى "الانخفاض المحسوس لعدد المقاتلين الإرهابيين الأجانب من الجزائر". كما أكد السيد مساهل خلال النقاش الذي حضره الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ووزير الشؤون الخارجية للكونفدرالية السويسرية ديديه بوركالتر و وزراء و رؤساء وفود أجانب أن الدستور المعدل يؤكد أن "الشعب عازم على جعل الجزائر في منأى عن الفتنة والعنف وعن كل تطرف من خلال ترسيخ قيمه الروحية والحضارية التي تدعو إلى الحوار والمصالحة والأخوة في ظل احترام الدستور وقوانين الجمهورية". ولدى تطرقه إلى مضمون إستراتيجية مكافحة التطرف في الجزائر أوضح السيد ساهل أنها ترتكز في المقام الأول على "القناعة بأن الديمقراطية تشكل أفضل حصن و أنجع سلاح لمكافحة التطرف العنيف و الإرهاب باعتبار أنها تسمح بكشف حقيقة الخطاب المتطرف و الأخطار و التهديدات التي ينطوي عليها كما تسمح بتهميشه و فضحه و نبذه من قبل المجتمع". التعميق الدائم لدولة القانون ترتكز الإستراتيجية في المقام الثاني -يضيف السيد مساهل- على المكانة الممنوحة "للتعميق الدائم لدولة القانون و احترام حقوق الإنسان و الحريات الأساسية و كذا إنشاء مؤسسات و معايير قائمة على هذا الأساس" مشيرا إلى أن الإصلاحات المؤسساتية التي تمت مباشرتها بما فيها تعديل الدستور "تسعى إلى ترقية هذا الهدف". ويتعلق الأمر في المقام الثالث ب"ترقية الحكم الراشد الذي يتماشى مع المعايير الأكثر تقدما في هذا المجال معززا بترقية العدالة الاجتماعية و تكافؤ الفرص و مكافحة الآفات الاجتماعية دون هوادة باعتبارها أسبابا غالبا ما يستغلها دعاة التطرف العنيف". كما أشار السيد مساهل في ذات السياق إلى تطبيق سياسة المصالحة الوطنية التي شجعت آلاف التائبين على تسليم أنفسهم "طوعا" ما سمح بإعادة إدماج عدد كبير منهم على الصعيد الاجتماعي موازاة مع استتباب الاستقرار السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي و المؤسساتي للبلاد و "تسخير طاقاتها للبناء و التنمية". وأضاف الوزير يقول أن إستراتيجية مكافحة التطرف المنتهجة في الجزائر ترتكز أيضا على "أهمية تشييد دولة قوية و عادلة تقوم على سيادة القانون لمصلحة الوطن دولة تكون قادرة على ضمان استمرارية النظام الدستوري الذي اختاره الشعب بكل حرية و توفير الأمن و الحماية للشعب أمام خطر التطرف العنيف و الإرهاب". وذكر الوزير في المقام السادس بتنفيذ السياسات الاقتصادية و الاجتماعية "الرامية إلى منح الشباب فرص الشغل التي تبحث عنها و كذا الآفاق الحقيقية للرفاه الفردي" مشيرا إلى أن الأمر يتعلق "بما لا يقل عن 13 برنامجا مزودا بموارد مالية هامة". و تطرق الوزير في إطار التحفيزات الرامية إلى إدماج الشباب الجزائري في الاقتصاد الوطني إلى تسهيل الحصول على القروض و إنشاء المؤسسات المصغرة و الصغيرة و كذا التكوين المهني الذي ساهم في "تقليص محسوس لنسبة البطالة و وضع الشباب في منأى عن الخطاب المتطرف". وذكر الوزير في المقام السابع إصلاح المدرسة الجزائرية بهدف "تطوير حس النقد لدى الطفل و منحه معرفة جيدة بالقيم الوطنية و العالمية و كذا قواعد المواطنة و المسؤوليات التي تفرضها". وأكد يقول أن هذه الإستراتيجية تشمل أيضا الإجراءات القضائية و تلك المتعلقة المؤسسات العقابية فيما يخص "إلغاء الهيئات التشريعية الاستثنائية و استبدالها بأقطاب متخصصة مع الإبقاء على قرار وقف تنفيذ حكم الإعدام المتخذ سنة 1993 و تطبيق على مستوى المؤسسات العقابية سلسلة من الإجراءات القائمة على أساس مبدأ الدفاع الاجتماعي". وأضاف أن الأمر يتعلق ب"ترقية تنفيذ الأحكام إلى وسيلة لحماية المجتمع ترمي إلى التخلص من تأثير الخطاب المتطرف و منح الداعين إليه فرصا للتوبة و إعادة إدماجهم في المجتمع" مضيفا أن هذه الإجراءات تتضمن أيضا "ترقية التكوين المدرسي و الجامعي و المهني للمسجونين". و في المقام التاسع تطرق الوزير إلى "الجهود المبذولة و الوسائل الهامة المعبئة بغية تعزيز أسس المرجعية الدينية الوطنية من خلال ترقية الإسلام الحقيقي المكرس لقيم الإنسانية و التسامح و الانسجام الاجتماعي". و أوضح يقول أن هذه السياسة ترتكز على عدد من الإجراءات ترمي أساسا إلى "الحفاظ على تراثنا الثقافي من آثار التطرف المدمرة و تحسين مستوى تكوين الأئمة و المرشدات و مراجعة التشريع المؤطر للنشاط الديني بشكل يسمح بمكافحة التطرف العنيف و اضطلاع المساجد بدورها الديني و الثقافي و الاجتماعي و التربوي الحقيقي و إعادة تنظيم مؤسسة الفتوى و إنشاء أكاديمية علوم الفقه و مرصد وطني لمكافحة التطرف العنيف". وذكر السيد مساهل بإنشاء مؤسسة مفتي الجمهورية قريبا موضحا أن هذه الجملة من الإجراءات تهدف إلى "عدم ترك هامش تحرك ودعاية للخطاب المتطرف". وأضاف أن إعداد سياسات تركز على العائلة والمجتمع المدني والبيئة الاجتماعية بغية تعبئتهم في مكافحة التطرف العنيف يعد آخر محور لهذه الإستراتيجية مذكرا بتنظيم الجزائر في يوليو 2015 لندوة دولية "مهمة" حول هذا الموضوع مما أفضى إلى "نتائج عملية" دونت في دليل سلم رسميا للمديرية التنفيذية الأممية لمكافحة الإرهاب ليتم نشرها على البلدان الأعضاء. وأوضح أن هذه الوثيقة "تتضمن لمحة عن التجربة الجزائرية في مجال القضاء على التطرف والتي تضعها الجزائر في خدمة المجتمع الدولي انطلاقا من قناعتها بأن أمننا واحد لا يتجزأ". وأضاف أن "التطرف العنيف والإرهاب ظاهرتان عالميتان لا تسلم منهما أية منطقة ولا أي بلد فهما يشكلان تحديا يستوقف بلداننا جماعيا وفرديا بالنظر إلى المخاطر التي يشكلانها على قيم السلم والتسامح والتفتح والحوار والتعاون التي تجمعنا". التطرف والإرهاب: تهديد واحد وضع السيد مساهل التطرف في نفس خانة الإرهاب واعتبر أن الظاهرة الأولى تمثل "تهديدا حقيقيا للسلم والأمن الدوليين" داعيا المجتمع الدولي إلى "تعبئة جهوده كليا لمجابهتها لا سيما وأن "تطور تكنولوجيات الإعلام والاتصال وانتشارها وسهولة الوصول إليها اليوم سهل لدعاة التطرف العنيف إيصال رسالتهم الفتاكة ودعايتهم المتعصبة إلى شرائح واسعة من السكان عبر العالم لاسيما الشباب والشرائح الأكثر هشاشة". وبعد أن أكد على أهمية مثل هذا اللقاء اعتبر السيد مساهل أن ندوة جنيف وخطة العمل من أجل الوقاية من التطرف العنيف التي عرضها السيد بان كي مون "دليل على الوعي الجماعي بخطورة هذا التهديد و ضرورة التكفل به بشكل عاجل من خلال أعمال على المدى الطويل". و أوضح يقول أن خطة العمل "تمثل جهدا يستحق الثناء من أجل فهم و تطويق و مكافحة التطرف العنيف بشكل أمثل هذا فضلا عن كونها تمنح في نفس الإطار لأعضاء منظمتنا و المجتمع الدولي عموما محاور عمل و نشاط على الصعيد المحلي و الوطني و الإقليمي و الدولي لابد من بحثها بشكل معمق". و أضاف الوزير أن الخطة الأممية ستعطي بمناسبة إحياء الذكرى العاشرة للمصادقة على الإستراتيجية العالمية لمكافحة الإرهاب في يونيو المقبل "أفقا جديدا و نفسا جديدا لالتزام المجتمع الدولي ككل بمكافحة هذه الآفة". و أكد أن الأمر يتعلق في إطار هذه الخطة ب "الاستثمار في الوقاية أكثر من القمع و في ثقافة التسامح و الحوار بدلا من اللجوء إلى الحلول العسكرية والنشاط المسلح في ظل سيادة العدالة الاجتماعية و الاقتصادية و دولة القانون بدلا من الانقسام و المواجهة ضمن و بين الدول". و "يتعلق الأمر في الحقيقة بالبحث عن جذور هذه الآفة و إعادة إرساء و تغليب القيم العالمية الكبرى التي تتقاسمها الإنسانية جمعاء و التي كرستها في ميثاق الأممالمتحدة و الترسانة التقنينية المذهلة التي تم وضعها خلال العشريات الأخيرة". في الأخير دعا السيد مساهل إلى العمل المشترك من أجل "نبذ كل أشكال التطرف بما فيه معاداة الإسلام و كره الأجانب و هي نقاط يجب إدراجها في الخطة إلى جانب تعريف أشمل و أدق للتطرف العنيف حتى لا تتأثر الجهود الواجب بذلها بالظرف الحالي الذي يطغى عليه جانب مكافحة الإرهاب".