”الغرب لم يكن ليتدخل في ليبيا لو كانت تصدر البطاطا” اعتبر الكاتب والمراسل الصحفي الشهير ”روبرت فيسك” في مقال مطول نشرته صحيفة ”ذي إندبندنت” البريطانية، أن إعلان الخارجية الجزائرية وجود أسرة القذافي على أراضيها يعكس رغبة الجزائريين في أن يظهروا للغرب، وخصوصا فرنسا، أن حريتهم و”الشعور الوطني المقدس” في الجزائر الذي تضرر كثيرا أثناء ”العشرية السوداء”، لا يمكن المتاجرة بهما من أجل الغرب· وأوضح بكثير من التحليل، أن الجزائر أعلنت بوضوح أنه لا يمكن إيواء أسرة القذافي سرا، وأن هذه الدولة لها كامل الحق في التعاطف الإنساني مع العرب، ويمكن لحلفاء ”الناتو” اعتبار الإيواء عملا عدوانيا إذا شاؤوا· ويرى مراسل الصحيفة البريطانية ذائع الصيت، أن العرب لم يفاجأوا بتوجه أسرة القذافي إلى الجزائر التي وقفت لسنوات مع القذافي ضد الغرب، لأن تاريخها علمها عدم تلقي الأوامر من الخارج، مضيفا ”وفي لحظة بدء قصف الطائرات الفرنسية ليبيا، عادت ذكريات المحتل الذي استعمر الجزائر 132 عاما ومعها ثورة نوفمبر التي أنهت الوجود الفرنسي بالجزائر وحققت الاستقلال·· وإذا كان الليبيون محرومين من دروس التاريخ في كتبهم، فإن منطقة فزان الغربية كانت محتلة من طرف فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية من أجل حماية وجودها بالجزائر، وهذه المنطقة الشاسعة معروفة منذ عقود طويلة بأنها منطقة تهريب، وانتقال أسرة القذافي عبرها لا يعد عملا عسكريا كبيرا”·
وفي السياق ذاته، يعتقد ”روبرت فيسك” أن معركة القذافي ضد من سماهم ”الإسلاميين”، لا تساوي شيئا ضد الحملة الضخمة التي تشنها الجزائر ضد الإرهاب، وهو ما جعلهما حلفاء، متسائلا ”فلماذا تتخلى الجزائر عن أخيها لمجرد انقلاب العرب وبعض القوى الأوروبية عليه؟ وإذا كان الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يعانق القذافي عام 2007 ثم يقصفه بعد أقل من أربع سنوات، فإن الجزائر لا تنقلب على أصدقائها”· ورأى الكاتب أن هذا ما تريد الجزائر توجيهه للغرب· وأكد ”فيسك” أن هناك سببا آخر، وهو أن ”الجزائر لا تريد أن تكون ليبيا أخرى، فهي أكثر حرية وفيها هامش ديمقراطية أكبر مما كانت عليه في سنوات التسعينيات، وهي تعتقد، والسبب وجيه هذه المرة، أن الثورة الليبية حصلت على دعم الغرب بسبب ثروة البلاد النفطية الضخمة”· وقال أيضا إن الجزائر تملك ثامن احتياطي عالمي من الغاز الطبيعي، وهي رابع أكبر مصدر له، كما أن احتياطاتها النفطية تقدر بنحو 12.5 مليار برميل، وتصدر 27 بالمائة من نفطها إلى الولاياتالمتحدة، وهي تعلم جيدا أن الغرب لم يكن ليتدخل في ليبيا لو كانت صادراتها هي البطاطا، تماما مثلما لم يكن ليتدخل في العراق لو كان يصدر نبات ”الهليون”· من ناحية أخرى، ختم ”فيسك” مقاله موضحا أنه إذا كان لأحد أن يتحدى السلطة في الجزائر فهي لن تسقط في ”ربيع ديمقراطي”، وأن ”استقبال الجزائر زوجة القذافي وأبنائه هو رسالة إلى الغرب أكثر مما هو رسالة إلى بقايا نظام الطاغية في ليبيا”، على حد تعبيره· ويعد ”روبرت فيسك”، وهو صحفي بريطاني والمراسل الخاص لمنطقة الشرق الأوسط لصحيفة ”ذي الإندبندنت” البريطانية، أشهر مراسل غربي خلال ثلاثين سنة من تغطيته لأبرز الأحداث منها الحرب الأهلية اللبنانية، وكان شاهدا على مذبحة صبرا وشاتيلا والثورة الإيرانية والحرب العراقية الإيرانية وحرب الخليج الأولى وغزو العراق 2003 ومذبحة قطاع غزة سنة .2009 كما يعتبر من المراسلين الغربيين القلائل الذين أجروا مقابلة مع أسامة بن لادن· ويعد ”فيسك” أيضا، من المعارضين لسياسة بريطانيا وأمريكا أو ما أسماها ”الأنغلو ساكسونيون”، وله كتاب بعنوان ”الحرب من أجل الحضارة·· السيطرة على الشرق الأوسط”·