يعرف المسلسل الجزائري “أولاد الحلال” الذي يُعرض على قناة “الشروق بلوس” متابعة ملحوظة، حيث يصوّر الحياة العميقة بولاية وهران، واقع منقول بشكل مختلف وباحترافية جديدة وغير معهودة، يمكن القول أنها بداية مقبولة لعمل مختلف نوعا ما، سواء من حيث الأداء أو من حيث التقنيات التصويرية وإن وُجدت بعض الهفوات في بعض المَشاهد والتعامل مع المواقف والاعتماد على طريقة الدراما العربية. زينة.ب يتقمّص الممثل عبد القادر جريو الدور الأساسي، في شخصية “مرزاق” الحريص على شقيقه زينو الذي يؤدي الدور الممثل يوسف سحيري، وقد أثبت رغم بعض هفواته في أداءات سابقة وعدم الإقناع للمُشاهد، تمكّنا من الدور والشخصية، وكان المطلوب من أجل تحقيق الاندماج داخل العمل الذي اتُهم بأنه صورة طبق الأصل عن مسلسل مصري، ورغم أن الأمر لا يخلو من الخطأ لأن صورة العمل تعكس صورة من الدراما العربية، ورغم أنه لم يخرج من دائرة التقليد لابأس في الانتصار قليلا لبعض المجهودات التي تُبذل في سبيل إنجاز أعمال يمكن مشاهدتها دون الشعور بالابتذال والتفاهة التي تعوّدنا عليها في أعمال درامية باهتة تعتمد دائما على الوجوه ذاتها التي بدورها تكرر نفسها في كل عمل. تدور قصة العمل، كما يتوجّبه الخيال الدرامي، حول الشقيقين “مرزاق” و”زينو” اللذان يتواجدان بالحي الأكثر خطرا بوهران وهو “الباهية”، وقد مضت سنة على عيشهما بالمكان، وهما قد قضيا الطفولة بالملجأ ووجودهما بالباهية من أجل كشف طرف الخيط الذي يوصلهما لأهلهما، وتبرز الأحداث الأولى تآلفهما مع أبناء الحي وكذا قوة موقعهما لأنهما يساعدان كل من يقع في ورطة، ومند أن قدما إلى الباهية يحاول “علي” صاحب المقهى في الحي معرفة هالة الغموض التي تخيّم عليهما، بالمقابل يقوم الشقيقان بأعمال غير قانونية لكسب المال من خلال الاحتيال على الأغنياء وسلبهم الأموال من أجلهما ومن أجل مساعدة الأخرين، قاطعين وعدا بأن هذه الاحتيالات لا تكون إلا للأغنياء وأنهما لن يتعرضا في حياتهما لفقير. تتوالى الأحداث التي وصلت إلى الحلقة السادسة، ويأتي “خالد” وهو الذي يبسط بيد من حديد على حي الباهية، كما أنه المموّل الرئيس للمخدرات التي يقوم شباب الحي بالمتاجرة بها، ويقوم بإدارة العمل في الحي، علي تحت غطاء المقهى الذي يملكه، وخالد شخصية عصبية وشريرة، متزوج من شقيقة علي “مليكة” والذي بدوره متزوج بشقيقته “سليمة” التي تمارس سلطتها عليه باعتباره يعمل تحت إمرة أخيها. في الحي أيضا “زليخة” تقوم بدورها مليكة بلباي التي اختلفت دراميا هذه المرة وأثبتت بروزا وتمكّنا أكثر من أعمالها السابقة، وفي العمل هي أم لشابتين، “دليلة” التي تعشق مرزاق منذ قدومه إلى الحي، و”ليلى” التي تبحث عن مصالحها خارج الحي بإغواء علي الذي لا يتوقف عن طلب الزواج منها بعقد عرفي، لكنها ترفض كل مرة بحجة أنها ترغب في أن تعيش دون اختباء في حين أن مخططها الأساسي هو امتلاك محل لبيع أدوات الزينة. يصوّر المسلسل بكل وضوح الواقع الذي تعرفه الأحياء الشعبية بالمدن الكبرى، من انحرافات وانزلاقات، وكذا الفقر، وانتشار الباعة، وكذلك الانتهاكات ومحاولة البعض السيطرة، كشخصية الذي يبسط قوته على زوجته ويأخذ فطائر بدون أن يدفع ثمنها من زليخة التي تحضّر يوميا فطائر وسندويشات وتساعدها في ذلك ابنتها دليلة، في حين تملك ليلى مكانها بسوق الحي وتبيع مواد وأدوات الزينة، ولولا أن مرزاق تدخل لكان استمر في عدم الدفع. يسلط العمل أيضا الضوء على الاعتقادات الشعبية على غرار السحر، حيث تقوم سليمة زوجة علي بأخذه إلى الجزائر العاصمة حيث استقر شقيقها خالد مع عائلته الأمر الذي زرع الغيرة في قلبها وهي المرأة المنبوذة من زوجها ومن أهل الحي، وتستمد قوتها من والدتها التي قدمت لها السحر بيديها لتضعه في منزل شقيقها، لكن زوجة خالد بدورها تتردد على السحرة من أجل أن يعاملها زوجها باحترام وهو العنيف الذي يعاملها بقسوة. بالموازاة تحدث قصة بالجزائر العاصمة، تتعلق بالشاب الجامعي “لياس” الذي يؤدي دوره المغني محمد أمين صاحب الأغنية الشهيرة “زينة”، وفي العمل يكتشف أن والده بالتبني لم يترك له ولوالدته بالتبني شيئا من ميراثه الكبير الذي أخذه عمه (بالتبني) وأولاده، فيبدأ بالتفكير في مستقبله خاصة وأن علاقته بابن عمه بالتبني ستتعرض للاضطهاد حتى قبل الإعلان عنها، وإن لم تظهر علاقة القصة بحي الباهية في وهران، فهي حتما ستتضح مع الأحداث القادمة. يشهد العمل اختلافا من ناحية الأداء والتقنيات والوسائل، الصورة متطورة والديكور مناسب للأحداث والمكان الذي تدور به القصة، بالإضافة إلى الأداء الجيد الذي تميّز به الممثلون وكذلك السيناريو الذي يعتبر مقبولا مقارنة ببعض الأعمال الماضية، وحتى من ناحية التصوير والإخراج قفز العمل نوعيا خاصة باجتماع مجموعة من الممثلين على غرار مليكة بلباي، مصطفى لعريبي، عبد القادر جريو، يوسف سحيري، فضيلة حشماوي، سهيلة معلم، هيفاء، محمد جمال. أنتج العمل أيمن الجوادي والسيناريو لرفيقة بوجدي بينما قام عبد القادر جريو بالمعالجة الدرامية، والإخراج للتونسي نور الدين السهيلي. “أولاد الحلال” يصوّر الحياة العميقة للأحياء الشعبية بوهران على غرار كل مناطق الوطن، تصوير قريب من الواقع من خلال الملاهي والمخدرات وتواجد الخمر، بالإضافة إلى اعتماد القائمين عليه (العمل) على توحيد اللهجة ليبدو الحوار متناسقا، فيما يعتبر الأمر تحديا لبعض الممثلين الذين لا يتقنون هذه اللهجة، كما يعتبر نقطة قوية في وجه الخلل الذي تميزت به أعمال ماضية. ورغم ذلك هناك بعض المَشاهد المهمة التي لم تلبي الاكتمال بسبب بعض الأداءات الضعيفة لبعض الممثلين. في مواقع التواصل الاجتماعي أعاب البعض العمل بحجة أنه يشوه وهران من حيث الآفات التي تطرق إليها كما أنه -حسبهم- لا يوجد بالولاية مثل هذه الأحياء وأن المرأة لا تبيع بالشارع كما صورها المسلسل، في حين أن هذه الأحياء لا تزال متواجدة بمختلف مناطق الوطن وبها الكثير من المشاكل والانحرافات وكذا الانكسارات.