أهل المعاصي ليسوا من الله في شيء فقد اجتمعت على قلوبهم الذنوب حتى صارت قلوباً قاسية كالحجارة أو أشد قسوة وأبعد القلوب من الله القلب القاسي أما أهل الإيمان فهم أهل الله وخاصته الذين ما تركوا لله طاعة إلا شمروا عن ساعد الجد لأدائها وما علموا بشيء فيه رضا لله إلا فعلوه راغبين راهبين فأورثهم الله نور الإيمان في قلوبهم فصارت قلوبهم لينه من ذكره تعالى وقادت جوارحهم للخشوع فما تكاد تخلوا بالله إلا فاضت أعينهم من الدمع من كمال خشيته وكانت تلك الدموع أكبر حائل يحول بين صاحبها وبين النار . ثناء الله على البكائين من خشيته ولقد أثنى الله في كتابة الكريم في أكثر من موضع على البكائين من خشيته تعالى فقال جل شأنه [وقرءاناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا قل آمنوا به أولا تؤمنوا إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا] الإسراء 106-109 . وقال تعالى [أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبين من ذريه آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذريه إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكيا] مريم 58 . وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ لايلج النار رجل بكى من خشيه الله حتى يعود اللبن في الضرع ولايجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم ] رواة الترمزى . قال المباركفوري قوله [ لا يلج ] من الولوج أي لا يدخل [ رجل بكى من خشيه الله ] فإن الغالب من الخشية امتثال الطاعة واجتناب المعصية [ حتى يعود اللبن في الضرع ] هذا من باب التعليق بالمحال كقوله تعالى [حتى يلج الجمل في سم الخياط] الاعراف 40 . وروى الترمزى عن ابن عباس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول [عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشيه الله وعين باتت تحرس في سبيل الله] قال المباركفورى [ عينان لا تمسهما النار] أي لا تمس صاحبهما فعبر بالجزء عن الجملة وعبر بالمس إشارة إلى امتناع ما فوقه بالأولى [عين بكت من خشيه الله] وهى مرتبه المجاهدين مع النفس التائبين عن المعصية سواء كان عالماً أو غير عالم [وعين باتت تحرس في سبيل الله] وهى مرتبة المجاهدين في العبادة وهى شاملة لأن تكون في الحج أو طلب العلم أو الجهاد أو العبادة والأظهر أن المراد به الحارس للمجاهدين لحفظهم عن الكفار وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ سبعه يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ] وذكر منهم [ ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه ] متفق عليه .