عن قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ قَالَ: صَلَّى عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ بِالْقَوْمِ صَلَاةً أَخَفَّهَا، فَكَأَنَّهُمْ أَنْكَرُوهَا، فَقَالَ: أَلَمْ أُتِمَّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ؟ قَالُوا: بَلَى. قَالَ: أَمَا إِنِّي دَعَوْتُ فِيهَا بِدُعَاءٍ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْعُو بِهِ: «اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني ما علمت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي. اللهم وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وأسألك كلمة الحق في الرضا والغضب، وأسألك القصد في الفقر والغنى. وأسألك نعيما لا ينفد، وأسألك قرة عين لا تنقطع، وأسألك الرضا بعد القضاء، وأسألك برد العيش بعد الموت. وأسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة. اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين»([1]). هذا الدعاء –كغيره- من الأدعية النبوية؛ عظيم نفعها، عميم خيرها، بليغ لفظها، رصين حرفها، قوي مدلولها، مستوعِب معناها، محكم مبناها. ولا يتأتى للمسلم الانتفاع المطلق بهذه الأدعية إلا بثلاث أمور: الأول: حفظها. الثاني: تكرارها والدعاء بها. الثالث: السعي لتحقيق مدلولها والمجاهدة في ذلك. وهذه تأملات ووقفات مع هذه الدعوة المباركة.. اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق هذا توسل بالصفات العلا. والتوسل يكون بالصفات العلا ويكون بالأسماء الحسنى. قال تعالى: وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ([2]). وناسب التوسل بهاتين الصفتين لأن المرء لا يعلم أين يكون الخير؛ في حياته، أم في مماته. فلما كان الغيب لله ذُكر ذلك في هذا الدعاء. وذكرت القدرة لأن الفعل يكون بها، ولحمل النفس على إحسان الظن بالرب الذي من صفاته أنه على ما يشاء قدير. أحيني ما علمت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي تكون الحياة خيرا إذا غلب جانب الحسنات على السيئات، وإلا كانت الوفاة خيراً والحياة وبالاً. ومن أكبر مدلول ذلك: أنه لا معنى للحياة إذا لم تسخر لدين الله وطاعته، فحياة لغير الله تفضلها حياة البهائم والعياذ بالله. وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تمني الموت في حديثين: الأول: عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مُتَمَنِّيًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي»([3]). الثاني: عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ، إِمَّا مُحْسِنًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَزْدَادَ خَيْرًا، وَإِمَّا مُسِيئًا فَلَعَلَّهُ أَنْ يَسْتَعْتِبَ»([4]). والمعنى: يسترضي الله بالإقلاع عن الذنوب والاستغفار وإصلاح الحال. ويشكل على هذا أمران: الأول: أن يوسف عليه السلام قال: توفَّني مسلماً([5]). والجواب عن الاستدلال بهذه الآية على جواز تمني الموت من وجوه: 1. إمَّا أنَّ يوسُفَ عليه السلام قال ذلك عند احتضاره، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك: «اللهم في الرفيق الأعلى، اللهم في الرفيق الأعلى، اللهم في الرفيق الأعلى»([6]). 2. وإما أنه سأل الموت منجزاً وكان ذلك في ملتهم سائغاً. ولو صح ذلك فإن شرعنا مقدم على شرع غيرنا إذا عارضه. 3. وإما أنه سأل الثبات على الإسلام، بمعنى إذا حان أجله كان من المسلمين "كما يقول الداعي لغيره: أماتك الله على الإسلام. ويقول الداعي: اللهم أحينا مسلمين، وتوفنا مسلمين، وألحقنا بالصالحين"([7]). والأمر الثاني دعوة مريم عليها السلام: يا ليتني مت قبل هذا([8]). والجواب ما قاله ابن كثير رحمه الله: "فيه دليل على جواز تمني الموت عند الفتنة، فإنها عرفت أنها ستبتلى وتمتحن بهذا المولود الذي لا يحمل الناس أمرها فيه على السداد، ولا يصدقونها في خبرها، وبعدما كانت عندهم عابدة ناسكة، تصبح عندهم -فيما يظنون- عاهرة زانية، فقالت: يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا، أي قبل هذا الحال، وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا، أي: لم أخلق ولم أك شيئًا... وقد قدمنا الأحاديث الدالة على النهي عن تمني الموت إلا عند الفتنة، عند قوله: تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ"([9]). ومن هذه الأحاديث والآثار التي أوردها –رحمه الله-، وهي دالة على جواز تمني الموت عند الفتن: دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لي وترحمني، وإذا أردت فتنة في قوم فتوفني غير مفتون، أسألك حبك، وحب من يحبك، وحب عمل يقربني إلى حبك»([10]). وحديث محمود بن لبيد رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اثنتان يكرههما ابن آدم: الموت، والموت خير من الفتنة. ويكره قلة المال، وقلة المال أقل للحساب»([11]). وأثر علي بن أبي طالب رضي الله عنه في آخر إمارته لما رأى أن الأمور لا تجتمع له، ولا يزداد الأمر إلا شدة قال: "اللهمَّ خذني إليك؛ فقد سئمتهم وسئموني"([12]). وقال البخاري رحمه الله لما وقعت له تلك المحن وجرى له ما جرى مع أمير خراسان: "اللهم توفني إليك". وأما حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقوم الساعة حتى يمرَّ الرجل بقبر الرجل فيقولُ: يا ليتني مكانَه»([13])، فلا يدل لذلك بمفرده؛ لأنه خبر بوقوع شيء، وإنما يكون دليلا بما قبله. اللهم وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة والمعنى: أن يكون الإنسان تقيا سواء كان مع الناس أم خلا بنفسه. وقد مدح الله تعالى من يخشاه بالغيب في مواضع من كتابه: فهؤلاء هم المنتفعون بالوحي الذي أنزله الله تعالى، قال الله: إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ([14]). وقال: وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ* الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ([15]). ووعدهم الله بالمغفرة والجنة، قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ([16]). وتوعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من تدثر بعباءة التقى أمام الناس، وإذا خلا بالمحارم كان عليها جريئاً! فعن ثَوْبَانَ رضي الله عنه ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا». قَالَ ثَوْبَانُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا، جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ. قَالَ: «أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ، وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ، وَيَأْخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا»([17]). وأسألُك كلمةَ الحقِّ في الرِّضَا والغضب الغضب يحمل صاحبه على العدول والميل عن الحق، وقول الحق حال الغضب أمر عزيز لا يقدر عليه إلا من منَّ الله عليه بتوفيقه. وقد أمر الله بالعدل في حق كل أحد، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ([18]). وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس الشديد بالصُّرَعة، إنَّما الشَّديد الذي يملك نفسه عند الغضب»([19]). وأسألك القصد في الفقر والغنى القصد: التوسط والاعتدال، فعلى المرء في حال فقره وغناه أن يكون منفقاً، وأن يحذر من الإسراف في ذلك، فالتوسط في الأمور كلها سبيل العقلاء، وقد قال تعالى: وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً ([20]). ونعت الله عباده عباد الرحمن بقوله: وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا([21]). فلا تبذير، ولا تقتير. وأسألك نعيماً لا ينفد النعيم الذي لا ينفد هو نعيم الجنة.. قال الله عن المهاجرين: يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ([22]). وقال: مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ [23]. وقال: إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَاد ([24]). وأسألك قرة عين لا تنقطع في قرّة العين ثلاثة أقوال: أحدها: برد دمعها؛ لأنه دليل السرور والضحك، كما أن حرَّه دليل الحزن والغم. والثاني: نومها؛ لأنه يكون مع فراغ الخاطر، وذهاب الحزن. والثالث: حصول الرضا. وهو أولى. كأن العين قرَّت فيما رضيت بحصوله فلم تفارق مكانه؛ فرحاً به. وقرة العين تكون بأمر دنيوي، كما في قوله تعالى: إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ ([25]). وكما في: فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ([26]). ويكون بنعيم الآخرة: قال تعالى: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ([27]). وهذا هو ما لا ينقطع، بخلاف من قرت عينه بأمر دنيوي، فهو زائل لا محالة، وإن بقي حياتك كلها فإن الموت يقطعه، وهو حال بقائه عرضة للمنغضات وما يكدر من صفو الحياة به. أما ما يحصل من ذلك في الآخرة فلا يفنى ولا يبيد، إرادة العزيز الحميد. ولا ينال هذا إلا من قرت عينه بالله، ومن قرت عينه بالله قرت به كل عين، ومن لم تقر عينه بالله تقطعت نفسه حسرات عليه. وأسألك الرِّضا بعد القضاء ما قضى به الله إما أن يكون خيرا وإما أن يكون شراً، وذلك باعتبار حلوله على العبد، أما باعتبار أن الله خلقه فلا يكون إلا خيراً، وهذا معنى قول نبينا صلى الله عليه وسلم: «والشر ليس إليك»([28]). فالشر في مقتضياته، ولا يوجد شر محض. فقضاء الله بالخير خير في القضاء والمقضي، والقضاء بالشر خير في القضاء شر في المقضي. فبالنسبة إلى الشر يجب الصبر على قضاء الله فيه ويستحب الرضا به. وأما الخير فيجب على المسلم أن يقنع ويرضا به، ولا بأس من أن يسأل الله من فضله. فسؤال الله الرضاء بعد القضاء يشمل هذين النوعين. وأسألك بَردَ العيش بعد الموت برد العيش: طيبه وحسنه. وذلك لا يكون إلا بالإيمان والعمل الصالح، أما من نأى عن الصراط المستقيم، وباعد نفسه عن سبيل الصالحين، فلا يجد إلا العيش المهين، والضيق العظيم، ولو جمع من المال وأسباب السعادة ما جمع.. قال تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا([29]). أي: ضيقا شاقة، ولو كان من أهل الأموال واليسار. أما الصالحون ف مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ([30]). فبرد العيش في الآخرة يكون في القبر، وفي عرصات القيامة، وفي الجنة. وهل أدل على ذلك من هذا الحديث العظيم؟ عن أنس رضي الله عنه ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ عَبْدٍ يَمُوتُ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ، يَسُرُّهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا وَأَنَّ لَهُ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، إِلَّا الشَّهِيدَ؛ لِمَا يَرَى مِنْ فَضْلِ الشَّهَادَةِ، فَإِنَّهُ يَسُرُّهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا فَيُقْتَلَ مَرَّةً أُخْرَى»([31]). ما أحسنَه من حديث! لقد دل على أنّ الميت لو خُيِّر بين البقاء في قبره، والرجوع إلى أهله، لاختار قبره؛ لما يرى من نعيم الله تعالى فيه. وفي حديث آخر: «إِذَا وُضِعَتْ الْجِنَازَةُ، فَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ، فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَالَتْ: قَدِّمُونِي قَدِّمُونِي. وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ قَالَتْ: يَا وَيْلَهَا أَيْنَ يَذْهَبُونَ بِهَا؟ يَسْمَعُ صَوْتَهَا كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الْإِنْسَانَ، وَلَوْ سَمِعَهَا الْإِنْسَانُ لَصَعِقَ»([32]). يقول: قدموني؛ فرحا بمصيره. ويتحقق برد العيش في عَرَصات القيامة للمؤمنين. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يوم القيامة كقدر ما بين الظهر والعصر»([33]). أي على المؤمنين كما فسره أبو هريرة رضي الله عنه بقوله: "يوم القيامة على المؤمنين كقدر ما بين الظهر والعصر"([34]). وأما كونه في الجنة فهذا ما لا يحتاج إلى دليل. وأسألك لذَّةَ النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك، في غير ضرَّاء مضرة ولا فتنة مضلة قال ابن القيم رحمه الله: "جمع في هذا الدعاء بين أطيب ما في الدنيا، وهو الشوق إلى لقائه، وأطيب ما في الآخرة وهو النظر إليه"([35]). وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ قال اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ؟ وَتُنَجِّنَا مِنْ النَّارِ؟ فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ، فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ»([36]). أسأل الله أن لا يحرمنا ذلك. والشوق إلى لقاء الله معنىً لا يجده إلا أهل الذكر والأنس بالله. وسأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه أن يتم له ذلك بدون أن يَسبق ضر أو بلاء. ومعنى ضراء مضرة: الضر الذي لا يُقدر عليه. والفتنة المضلة: الموقعة في الحيرة والمفضية إلى الهلاك. أما الضر فقد يكون في الدنيا، وقد يكون في الآخرة، كما لو سبق دخولَ الجنة عذابٌ بالنار. وأما الفتن فتكون في الدنيا. وهذا دعاء بالنجاة من ذلك كلِّه. اللهم زينا بزينة الإيمان الإيمان قول وعمل واعتقاد. الاعتقاد بالقلب، والقول باللسان، والعمل بالجوارح والأعضاء. فهذا الدعاء يشمل ذلك كله. يشمل أن يُزين قلبك بخصال الإيمان وشعبه، من التوكل، والإخلاص، والإنابة، والخشية، والتفكر ... ويشمل أن يزين اللسان بذلك، من الذكر، والتسبيح، والتلاوة ... ويشمل تزيين الجوارح، وذلك بإقامة ذكر الله وطاعته بها.